واصلت قوى المعارضة السورية، متمثلة بـ"جيش الإسلام" و"لواء شام الإسلام" و"لواء الأبابيل"، محاولتها لفك الحصار الذي يفرضه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على مخيم اليرموك في سورية، في إطار معركة أطلقت عليها اسم "نصرة أهل المخيم".
وشهد يوم أمس الإثنين اشتباكات بين هذه الفصائل من جهة، وتنظيم "داعش" ومجموعات "جبهة النصرة" من جهة أخرى، على الأطراف الجنوبية لمخيم اليرموك، في الوقت الذي سيطر فيه هدوء نسبي على جبهات القتال داخل المخيم بين "داعش" وقوات "أكناف بيت المقدس" الفلسطينية التي تسيطر على الأجزاء الشمالية من المخيم بينما تستمر معاناة السكان المدنيين وسط تحذير المتحدث باسم منظمة الأونروا التابعة للأمم المتحدة، كريس غونيس، من أن الوضع في المخيم "أكثر من لا إنساني".
تأتي هذه التطورات في وقت لا يزال فيه موقف "النصرة" من هجوم "داعش" على المخيم، يثير الكثير من التساؤلات، بعدما أعلنت الجبهة في بيان أنها تقف على الحياد، ونفت في الوقت نفسه مساندتها لتنظيم "داعش"، فيما كانت في أوقات سابقة دخلت بصراعات مع التنظيم.
ولكن بناء على الوضع الميداني، فإن "النصرة" ليست الفصيل الوحيد الذي اتخذ موقف الحياد في اليرموك، وإنما "أحرار الشام" كذلك والعديد من الفصائل، فجميع الفصائل اليوم في حالة حصار بين "داعش" والنظام السوري، وفي حال دخول "النصرة" وباقي الفصائل على خط الصراع فستصبح أغلب الجبهات في حالة فراغ، ما يسهل على النظام اقتحامها. ولعل دخول "أكناف بيت المقدس" في صراع مع التنظيم ضمن المخيم أول الإشارات على تحرك النظام واستغلاله المعركة، فما إن دارت المعركة بين "أكناف بيت المقدس" و"داعش" حتى بدأ النظام هجومه الخلفي.
ولعل "النصرة" اتبعت سياسة المفاضلة في التحالفات بين القوى المتاحة ضمن مخيم اليرموك ومحيطه من وجهة نظرها، إذ أنها فاضلت بين إدخال لواء "شام الرسول" إلى المخيم والذي تتهمه "النصرة" بإبرام مصالحات مع النظام، وبين إعطاء قائد "جيش الإسلام" زهران علوش طريقاً للدخول إلى المخيم، وهو الذي تتهمه "النصرة" بالوقوف مع "شام الرسول" أثناء صراع اللواء معها في مناطق بيت سحم وببيلا، وبين النظام وجبهاته التي ترابط عليها "النصرة" ضمن المخيم، وبين تنظيم "داعش".
وعلى ما يبدو، فإن "النصرة" اختارت العودة التكتيكية إلى "أخوة المنهج"، والذين يبدون بالنسبة لها أفضل الشرين ضمن استراتيجية المعركة الحالية في اليرموك، خصوصاً أن "النصرة" في حال دخلت في صراع مع "داعش" فلن يتوافر لها حتى طريق للانسحاب إذا قررت ذلك، ناهيك أن "النصرة" ليس لها وجود في العاصمة دمشق إلا ضمن مخيم اليرموك وحي برزة. ووجود النصرة في برزة مجمّد نتيجة المصالحة التي فرضها النظام على الأهالي والطوق الأمني الذي يضربه على الحي، ما يجعل وجود "النصرة" في مخيم اليرموك التواجد شبه الأخير في دمشق، وهو ما دفعها للمحافظة عليه بكل الوسائل.
اقرأ أيضاً: معركة "اليرموك": النظام يلقي 13 برميلاً.. و"النصرة" تعلن الحياد
في المقابل، طالبت "النصرة" علوش بعدم التذرع بالدخول من خلال معابرها لنصرة المخيم، وطالبته بالدخول إلى الحجر الأسود والذي يُعتبر معقل "داعش" ومركز الإمداد الرئيسي لمخيم اليرموك، مع العلم أن هناك طرقاً سالكة للوصول من الغوطة الشرقية إلى الحجر الأسود.
ولعل هذه الاستراتيجية لـ"النصرة" ليست جديدة في إتمام اتفاقيات تكتيكية مع أعدائها، ضمن المعطيات الميدانية المتغيرة على الأرض ووفقاً لما تستند إليه الجبهة ضمن "فقه المعركة" من عدة قواعد شرعية منها، "تغليب المصالح، وتحييد العدو"، وهذا ما اتبعته "النصرة" في القلمون بعد تحالفها المفاجئ مع "داعش" ضد "حزب الله" اللبناني.
في المقابل، فإن موقف "النصرة" في اليرموك يدعم فكرة أنها عبارة عن "نصرات"، تختلف استراتيجيتها وقراراتها العسكرية والمدنية وفقاً للجغرافية وطبيعة القيادة، كما يعيد للأذهان فكرة وجود تيارين في "النصرة"، ففي الوقت الذي أصدرت فيه الجبهة بيانها بخصوص المخيم وإعلان الحياد عن قتال "داعش"، غرّد الشرعي العام السابق للجبهة وقائد عملياتها في المنطقة الشرقية، أبو ماريا القحطاني على حسابه في"تويتر"، قائلاً "لو كنت في المخيم ما جلست إلا طهرته من الدواعش، علماً أنا أتكلم بما أراه ديناً وحقاً، ولا أتحيز للنصرة، ولا لغير النصرة، بل أقول الحق".
وفي تعليقه على موقف "النصرة" في مخيم اليرموك، أضاف القحطاني "من حمّل المسؤولية للنصرة في المخيم، على الرغم من أني غير راضٍ على موقفهم في المخيم، لابد أن يكون له موقف ممن دافع عن الدواعش في درعا"، في إشارة للواء "شهداء اليرموك" المتهم من قبل "النصرة" بالتعاون مع "داعش". ولعل كلام القحطاني يصب في ضرورة مقاتلة التنظيم في كل أنحاء سورية، ومطالبة الفصائل بعدم الكيل بمكيالين في اتهام "النصرة"، عندما قررت قتال خلايا التنظيم في درعا المتمثلة بـ"شهداء اليرموك" حسب الجبهة، لكن معظم الفصائل ساندت هذا اللواء واتهمت "النصرة" بالتعدي عليه.
ويبدو أن استراتيجية "النصرة" المتغيرة حسب المعركة، لم تتوقف عند نصرة فصائل الجيش الحر والكتائب الإسلامية أو إبرام اتفاقيات مفاجئة مع أعدائها، بل تجاوزتها في بعض الأحيان إلى عدم نصرة عناصرها، ولعل حادثة محاصرة عناصر "النصرة" في الرقة من قبل "داعش" في بداية سيطرته على المحافظة، إحدى المؤشرات على ذلك، إذ لم يتلقَ عناصر "النصرة" أي دعم منها في محافظة دير الزور والتي كانت تسيطر على جزء كبير منها، وكذلك عندما اندلعت معارك دير الزور بين "داعش" و"النصرة"، فلم تتلقَ الأخيرة دعماً من إدلب أو القلمون. وذلك إن دل على شيء يدل على استراتيجية في إدارة المعارك لدى "النصرة" وفقاً لمعطيات الواقع وما يفرضه من تحالفات، ولعل هذا السبب بالذات ما يدعو العديد من أطراف المعارضة وحتى جهات دولية وإقليمية للتوجس من دور "النصرة" المستقبلي في سورية.
اقرأ أيضاً: معارك "داعش" في اليرموك بمساندة النظام