محمد بن سلمان يقود المشهد السياسي في السعودية

17 ديسمبر 2021
ترأس بن سلمان قمة قادة الخليج الثلاثاء في الرياض (الأناضول)
+ الخط -

يتحوّل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من قائد فعليّ للمملكة إلى ملك غير متوّج، يستقبل الضيوف الأجانب، ويترأس قمماً إقليمية تستضيفها بلاده، مع تقدّم والده الملك سلمان بن عبد العزيز في السنّ، بحسب ما يراه خبراء ودبلوماسيون تحدثوا لـ"فرانس برس". فقد أتاحت جائحة كورونا والمخاوف على صحة العاهل السعودي (85 عاماً) لنجله الشاب (36 عاماً)، أن يتولّى زمام الأمور في اللقاءات العلنية والاستقبالات، فيما قلّل الملك من مشاركته في التجمعات.

ولطالما اعتُبر محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للسعودية منذ تعيينه ولياً للعهد في يونيو/حزيران 2017، لكنّه بات ينفرد أخيراً بالمشهد، مع استقباله وحده الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون مطلع الشهر الجاري، وترؤسه قمة قادة الخليج الثلاثاء في الرياض. إذ نادراً ما تخلّف الملك سلمان عن حضور قمة الدول الخليجية السنوية وإلقاء كلمة فيها، ومعروف عنه حرصه على مصافحة أكبر عدد من الحاضرين.

وقالت الباحثة في مركز "كارنيغي" للأبحاث ياسمين فاروق لوكالة "فرانس برس"، إنّ "فكرة أن يكون ولي العهد الحاكم الفعلي للبلاد، وأن يقابل الرؤساء الأجانب ويترأس القمم، حصلت قبل ذلك عندما حكم السعودية ملوك لم يكونوا في الحالة الصحية المناسبة". وهي تشير بذلك إلى الملك الراحل عبد الله، عندما كان ولياً للعهد خلال فترة حكم الملك فهد الذي تعرّض لعدّة جلطات، جعلته غير قادر على تولي الحكم قبل 10 سنوات من وفاته. وأضافت فاروق أنّ "الجديد هو وجود قبول شعبي وإعلامي بدور موازٍ بل أكثر أهمية لولي العهد، حتى عندما يقوم الملك سلمان بكل مهامه".

ومنذ تفشي كوفيد-19، استقرّ الملك في منطقة مدينة نيوم المستقبلية، التي يجري بناؤها بمبادرة من نجله على البحر الأحمر في شمال غربي المملكة. وكان آخر مسؤول أجنبي التقاه في العاصمة وزير الخارجية البريطاني السابق دومينيك راب في مارس/آذار 2020، قبل أن يجتمع بالسلطان العُماني هيثم بن طارق في نيوم نفسها في يوليو/تموز الفائت. وآخر زياراته الخارجية كانت إلى سلطنة عُمان، لتقديم العزاء في وفاة سلطانها الراحل قابوس بن سعيد في يناير/كانون الثاني 2020.

غطاء ملكي

منذ توليه ولاية العهد، اعتمد الأمير محمد بن سلمان برنامجًا لتنفيذ إصلاحات اجتماعية في المملكة المحافظة، متعهداً بنقلها إلى كنف ما يصفه بـ"الإسلام المعتدل"، ففتح أبواب الترفيه والسياحة، وسعى لجذب المستثمرين الأجانب لتنويع مصادر اقتصاد بلاده المرتهن للنفط.

لكن الأمير الذي يتولّى عدّة مناصب، بينها نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس صندوق الاستثمارات العامة، واجه عدّة تحديات، أبرزها جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، على أيدي عناصر سعوديين عام 2018. كما أنّه بدا أكثر انفتاحاً على تقارب محتمل مع إسرائيل، مقارنة بوالده.

وترى الباحثة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن كريستين ديوان، أنّ ولي العهد "استفاد من طول عمر الملك"، موضحة: "يوفّر وجوده المستمر السلطة التقليدية التي تشكّل غطاء لأفعال محمد بن سلمان ذات الطابع الشبابي وغير التقليدية، ونادراً ما تعيقها".

ولم توضح السلطات السعودية سبب غياب العاهل السعودي عن حضور القمة الخليجية التي أقيمت في الرياض الثلاثاء، خصوصاً وأنّه ألقى كلمة متلفزة لمناسبة إقرار الموازنة قبلها بيومين.

وفي هذا السياق، كتب مستشار الحكومة السعودية علي الشهابي على "تويتر"، نقلاً عن "مصادر موثوق بها"، أنّ "الملك يتمتع بصحة ممتازة لكنه... لا يشعر بالراحة عند ارتداء كمامة، ويميل إلى الرغبة في مصافحة الناس وتحيتهم بحرارة، لذلك يتم اتخاذ مزيد من الحذر للحفاظ على سلامته، بعيداً عن الجمهور".

"ملك غير متوّج"

قبل القمة الأخيرة، قام ولي العهد بجولة في كافة دول الخليج استمرّت 5 أيام، حصل خلالها على استقبال شبه ملكي، وحظيت بتغطية إعلامية واسعة.

وقال دبلوماسي غربي في الرياض لـ"فرانس برس"، إنّ "الترتيبات مع الديوان الملكي باتت تتم من خلال مكتب الأمير محمد. الملك لا يظهر في الصورة منذ فترة طويلة قاربت على السنتين". وتابع الدبلوماسي الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أنّ ولي العهد "تجاوز فكرة أنّه ملك قيد الإعداد، إلى فكرة أنه ملك (غير متوّج بعد) في القصر".

ويبدو الطريق ممهّداً أمام ولي العهد للحكم لوقت طويل. ولا توجد عقبات متوقعة لصعوده إلى العرش، إذ إنّه أزاح منافسيه الواحد تلو الآخر من طريقه، في حين أنّ معارضيه مشتتون خارج البلاد. وقال كبير الباحثين في معهد دول الخليج العربية حسين إبيش: "لا يوجد مصدر محدد لمعارضة فعّالة داخل العائلة المالكة أو خارجها". وتابع أنّ "محمد بن سلمان أصبح بالفعل أكثر بروزاً وقوة، وعملية الخلافة الطويلة مستمرة بخطوات حثيثة".

لشهور انتاب السعودية قلق بخصوص التعامل الغربي المباشر مع الأمير محمد على خلفية مقتل خاشقجي، لكنّ دبلوماسياً آخر في الرياض، قال: "تبدّد الكثير من هذه المخاوف بعد زيارة ماكرون للسعودية، وبات الأهم الآن موقف الإدارة الأميركية".

وتعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بإنهاء التفويض المطلق الذي منحه سلفه دونالد ترامب للسعودية، ولم يتواصل مباشرة بعد مع ولي العهد، لكنه أكّد أن لا مفر من التعامل معه. وتابع الدبلوماسي أنّ "المسألة مسألة وقت وستُحل بحكم الأمر الواقع".

(فرانس برس)

المساهمون