قدّم رئيس الدائرة السياسية في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، خلال لقاء مع "العربي الجديد" في العاصمة اللبنانية بيروت اليوم الثلاثاء، قراءة للوضع الفلسطيني بشكل عام، مستعرضاً الأوضاع في الضفة الغربية، ومستفيضاً في الحديث عن معركة الساحات والدور المصري، طارحاً بين الأسطر رؤية حركة الجهاد الإسلامي للمرحلة المقبلة.
ورغم نبرة الهدوء في حديثه، فإن الهندي طرح قضايا كبيرة وصفها بنفسه بأنها "معقّدة"، بداية أشار إلى مسألة الضفة الغربية قائلاً إن "الصراع يدور الآن على أرض الضفة، فيما غزة لا يريدها أحد".
وأوضح أن "الصراع الحقيقي يدور في قلب الضفة الغربية، والسيطرة عليها"، لافتاً إلى أنه "في الضفة اليوم نحو 800 ألف مستوطن، وهناك إحصائيات فلسطينية توصلهم إلى مليون".
لا أفقَ سياسياً
وأمام هذا الواقع، عقب محمد الهندي حول "حلّ الدولتين"، قائلاً "لا يوجد الآن أفق سياسي، لا يوجد هناك شيء اسمه حلّ الدولتين، وإسرائيل ماضية في مشروع إنهائه، من خلال التهويد والسيطرة".
مضيفاً "لا نستطيع أن نعيش في الأوهام، المبادرة العربية انتهت مع قطار التطبيع، مبادرة بيروت انتهت، بالإضافة إلى تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية"، وقد تطرق كذلك إلى حديث الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال لقائه مع رئيس حكومة الاحتلال يئير لبيد، حول أن الوقائع على الأرض تغيّرت لمصلحة المستوطنين والاحتلال.
الضفة الغربية في مقاومة
وعاد رئيس الدائرة السياسية في حركة الجهاد الفلسطينية في حديثه إلى الأوضاع في الضفة الغربية، قائلاً "في الضفة أجواء مقاومة، وهناك أجواء تصعيد، في مقابلها تشن إسرائيل عمليات كاسر الأمواج".
ووصف هذه الأجواء بـ"دائرة التصعيد التي تغذي نفسها"، موضحاً أن "هناك شباباً فلسطينياً مؤطراً وغير مؤطر يقاوم دون اعتبار لسلطة أو غيرها، فيما عملية كاسر الأمواج تتواصل بالاقتحامات والاعتقالات".
ولخّص المشهد الحالي في الضفة بالتالي، "عجز السلطة الفلسطينية، أوضاع إقليمية ودولية غير مواتية، شباب فلسطيني يقاوم، خاصة في نابلس وجنين، عملية كسر الأمواج".
خيارات الاحتلال
في ظل هذا الوضع "المعقّد" طرح الهندي خيارات قد تبدو أقرب لسيناريوهات أمام الاحتلال في الضفة الغربية.
الخيار الأول، بحسب المسؤول في الجهاد، استمرار الاعتقالات والاجتياحات لمناطق مصنفة (أ) تحت سيطرة السلطة بهدف إضعافها، وزعزعة الثقة بها، ما ينتج احتكاكاً بين أجهزة أمن السلطة والشباب الفلسطيني، إلا أن الأمور قد تتعقّد أكثر.
أما الخيار الثاني فهو اجتياح عسكري قصير وعنيف، محدود بمدة زمنية، لكسر قاعدة المقاومة في الضفة، إلا أن نتائج هذا الخيار مشكوك فيها لدى إسرائيل.
اما في الخيار الثالث، بحسب الهندي، فقد تكون هنالك حملة عسكرية ضخمة لاحتلال الأراضي في الضفة الغربية، تحديداً شمالها، وهذا يُنتج مخاطر ومعوقات، أبرزها التحام يومي بين الاحتلال والمقاومين، بالإضافة إلى مسؤولية خدماتية ومالية لحوالي ثلاثة ملايين فلسطيني.
من هنا يفسّر الهندي الموقف الأميركي الحريص على أمن إسرائيل، إذ أمام هذه الخيارات هناك دائماً خطر التدحرج إلى حافة اللاعودة، مرجّحاً أن تقوم الإدارة الأميركية ومعها الأردن والإمارات بتقوية السلطة الفلسطينية عبر السلام الاقتصادي، إلى جانب التلويح بالعودة إلى المفاوضات.
وأوضح المتحدث أن مشروع السلطة الفلسطينية هو المفاوضات، وهنا تظهر الحاجة إلى إبقائها، على الرغم من أن مشروعها انتهى؛ أي حل الدولتين.
ورجح الهندي في هذا السياق أن تزداد الضغوط على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لجهة تراجعه عن خطابه المرتقب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل أن يكون خطاباً ناعماً.
فيما توقع "فتح قنوات اتصال مع السلطة الفلسطينية، ونقل السيطرة في شمال الضفة الغربية إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية بدل الاحتلال الإسرائيلي، يرافقه سلام اقتصادي تقوده الأردن والإمارات عبر مؤسسات السلطة، مقابل منع التصعيد وإحباط البنى التحتية للمقاومة".
ولفت في هذا الشأن إلى أن "ما حصل ليلة أمس الإثنين، في نابلس من مواجهات بين الأمن الفلسطيني والأهالي ما هو إلا سباق حركة الشارع والأجهزة الأمنية الفلسطينية".
مرحلة ما بعد محمود عباس
في إجابته عن سؤال كيف تتوقّع شكل الحالة الفلسطينية، قال المتحدث إن عباس لديه 3 وظائف، فتح والسلطة والمنظمة، والأهم رئاسة السلطة، ورجح بأنه "لن يأتي غالباً شخص يستلم المواقع الثلاثة التي يستلمها عباس"، مضيفاً "حماس موجودة على الأرض في الضفة الغربية وتحقق إنجازات، وهذا صراع محتمل لأنها تبحث عن التمثيل أيضاً، فمن يمثل الشعب الفلسطيني؟".
وعن دور منظمة التحرير، أشار إلى وجود فرق بين حماس والجهاد بالنسبة للتعامل معها، موضحاً "حماس تريد المنظمة عبر الانتخابات للمجلس الوطني. أما موقف الجهاد فهو بإعادة الاعتبار للمنظمة وميثاقها ووظيفتها، ولا يهم بعد ذلك الحصة في المنظمة".
لا أفق للمصالحة
وحول الجهود المبذولة لإنهاء الانقسام الداخلي أشار الهندي إلى أن وجود ترتيبات لعقد لقاء يجمع الفصائل الفلسطينية ستدعو له دولة الجزائر قريباً؛ لكنه بين أن "هناك جوانب متعدد لنجاح تلك الجهود من خلال التوافق على برنامج سياسي وإعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية؛ لكن وفق المعطيات وبعيداً عن التسويق، لا توجد أمور واضحة الآن لتجاوز مرحلة الانقسام".
الدور المصري لا بديل عنه
واستفاض رئيس الدائرة السياسية في حركة الجهاد الإسلامي في الحديث عن معركة وحدة الساحات والدور المصري إلى جانب قرار حماس عدم المشاركة، وأوضح أن "معركة وحدة الساحات لم تأت على خلفية اعتقال بسام السعدي في الضفة الغربية وتمديد اعتقال خليل عواودة، وإنما جاءت على خلفية اغتيال أحد أبرز قادة سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد، تيسير الجعبري، بغارة إسرائيلية في غزة".
وعدّد الهندي أحداث المعركة، مؤكداً أن "الحركة تعرضت للغدر من قبل العدو الإسرائيلي، فبداية التصعيد كانت مع اعتقال السعدي، وتحديداً طريقة اعتقاله عبر السحل والضرب، إذ كان المطلوب كسر هيبة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية".
وكشف أن "الحركة بعد هذه الصورة المهينة لطريقة الاعتقال قامت بالتصعيد في الخطاب، وهنا تدخّل الوسيط المصري للتهدئة، وقبل ذلك بساعة أُبلغ المصريون بأن الأمر انتهى، وسيسمح بمقابلة السعدي ونشر صور له".
وأضاف أن "هذا ما بُلغنا به عبر الوسيط المصري، ليباغتنا الاحتلال بالقصف، وباغتيال أبرز القادة".
وأشار إلى أنه "في غرفة العمليات المشتركة هناك قرار أو عُرف بأن أي فصيل يحق له الرد على أي اغتيال لقائد في المقاومة، أبلغت قيادة سرايا القدس كتائب القسام بأننا سنرد"، فكان جوابهم "اتكلوا على الله".
وتابع، "حماس لها حيثياتها لعدم المشاركة، وربما لو استمر القتال لكانت قد دخلت المعركة"، مبيناً "أن صواريخ الجهاد حققت أهدافها ونجحت في الوصول إلى عمق الاحتلال (...) وعقب رد الجهاد أصبحت إسرائيل مستعجلة لإنهاء الموضوع، وفي اليوم الثاني كنا مرتاحين جداً، وكلّمني المصريون، وطلبوا وقف إطلاق النار، والدخول في مفاوضات غير مباشرة في القاهرة"، إلا أننا "رفضنا المفاوضات غير المباشرة. أردنا ربط الضفة بوقف إطلاق النار، بخصوص الأسيرين، وطلبنا التزام المصريين، وكانت الصياغة النهائية بأن مصر تلتزم بإطلاق سراح الأسيرين".
وأشار كذلك إلى "أن الجهاد تعاملت مع الوسيط المصري لأن الوقائع على الأرض تؤكد أن من يمسك بملف غزة هم المصريون، ولا أحد سواهم، ولا بديل لهم حتى الآن".
وجدّد تأكيده على "أهمية دور حماس في مربع المقاومة، ولو لم تكن موجودة في غزة، لكان حال القطاع كحال الضفة". وختم حديثه بالقول "علينا أخذ القواسم المشتركة والمسائل المشتركة، ونريد أن تبقى حماس في المشروع المقاوم، وكذلك نريد أن تعود فتح إلى صفوف المقاومة".
ويبدو رغم تشديد الهندي على ضرورة أخذ القواسم المشتركة بين الفصائل الفلسطينية، إلا أن وحدة الساحات السياسية ووحدة المشروع الوطني الفلسطيني لا يزال بعيداً حتى الآن.