محاولات لتصفير الخصومات السياسية: جسّ نبض بين الصدر والمالكي

10 نوفمبر 2020
المالكي لاعباً أساسياً في الانتخابات التشريعية المقبلة (الأناضول)
+ الخط -

يجري الحديث في العراق عن وجود جهود يبذلها قادة قوى سياسية وبرلمانيون تهدف إلى تصفير الخصومات السياسية، أو الحدّ منها، تمهيداً لتشكيل تحالف سياسي كبير، يمكن أن يشكل الكتلة البرلمانية الكبرى التي تمتلك حق تشكيل الحكومة المقبلة وفقاً للدستور. وبحسب برلمانيين وسياسيين، فإن الأنظار تتجه نحو أبرز هذه الخصومات، المتمثلة في الخلاف بين رئيس ائتلاف "دولة القانون"، رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر. تعود هذه الخصومات إلى عام 2008، حين نفّذ المالكي عندما كان رئيساً للحكومة عملية أمنية واسعة سُمّيت "صولة الفرسان"، استهدفت عناصر "جيش المهدي"، التابع للتيار الصدري في البصرة، جنوبي العراق. ووصفت الحكومة عناصر جيش المهدي، في حينه بـ "الخارجين على القانون". ونشبت معارك بين قوات الأمن والصدريين تسببت في سقوط مئات القتلى والجرحى من الجانبين، فضلاً عن اعتقال السلطات العراقية عناصر وقيادات في "جيش المهدي".


الخلاف بين المالكي والصدر يُعدّ من أعمق الخلافات العراقية

في السياق، رأى السياسي سعد المطلبي، أن القضايا الشخصية يجب أن تحل من أجل المصلحة العامة، موضحاً في حديث لـ "العربي الجديد" أن بعض الخصومات تعود لخلافات شخصية تجاوزت قضية المصلحة الوطنية. وأضاف: "سمعت نقلاً عن آخرين، أن المالكي تحدث بشكل مريح، وفتح أبوابه لأي نوع من أنواع الصلح وإعادة التفاوض والحوار بين قادة الكتل السياسية، خصوصاً زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر". وكشف: "ننتظر من الأشخاص المقربين من المالكي والصدر ترتيب الأمور، لنشهد حواراً عقلانياً بعيداً عن التزمت والتاريخ". ووجّه المطلبي نصيحة للمقربين من الطرفين بالنظر إلى المستقبل، وأن يتركوا الماضي خلفهم. واعتبر أنه "من الضروري أن يعود البيت الشيعي إلى قدرته وقوته وتأثيره على الساحة السياسية"، مشدّداً على أن "المطلوب هو أن تفرز لنا الانتخابات المقبلة تحالفاً سياسياً من الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً".

بدوره، اعتبر عضو مجلس النواب محمد البلداوي، أن توافق الكتل السياسية وتجمعها وتواصلها وتقليل المشاكل والمنازعات، يصبّ في مصلحة الاستقرار السياسي الداخلي في ظل وجود تحديات كثيرة محلية وخارجية، مؤكداً في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أن مساعي التواصل ولمّ الشمل ورأب الصدع تعدّ من الأمور الجيدة.

ولفت إلى أن هذه المساعي كانت موجودة منذ فترة، إلا أنها لم تتوصل إلى درجة إنهاء التشتت الموجود في البلاد، مضيفاً أن "الوساطات موجودة، والعمل الودي موجود ايضاً. وتمّ تقريب وجهات النظر لإزالة الفجوة بين المختلفين، لكن طبيعة العمل السياسي دائماً ما تخلق حالة من التنازع". وأوضح أن بعض الأطراف السياسية لا تثق في بعضها بعضا، مشيراً إلى أن ذلك "لا ينعكس على البيت الشيعي وحده، بل نلاحظ أيضاً وجود تفكك في البيتين السني والكردي".

ونوّه البلداوي إلى وجود أطراف تدفع باتجاه خلق فجوة وتشكيك بين القوى السياسية، لافتاً إلى وجود حاجة لـ "تناسي الماضي وفتح صفحة جديدة من أجل العراق". وأشار إلى وجود استحقاقات سياسية لا يمكن لأحد التنازل عنها بعد أن وصلت المحاصصة إلى مراحل متقدمة، مشدّداً على ضرورة لملمة الأوراق من أجل خدمة الجماهير.

من جهته، اعتبر عضو في البرلمان عن تحالف "الفتح"، في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أن جهود تصفير الخصومات السياسية لا تقتصر على الخلاف بين المالكي والصدر، بل يوجد توجه لحل جميع الخلافات، من أجل تهيئة الأجواء للانتخابات، ثم تشكيل الحكومة من خلال عملية ديمقراطية سلسة. غير أنه استدرك قائلاً: "لكن لا يمكن انكار أن الخلاف بين المالكي والصدر يُعدّ من أعمق الخلافات التي ضربت الواقع السياسي العراقي منذ سنوات، وأن حلها يمكن أن يفتح الشهية لحل مشاكل أخرى أقل حدة".

النائب السابق عن "ائتلاف المالكي" (دولة القانون) خالد الأسدي، قال إن الصلح بين المالكي والصدر جزء من خيارات سياسية ينبغي أن تلجأ إليها الأطراف المعنية، في الوقت الحاضر أو لاحقاً، مشيراً خلال مقابلة تلفزيونية إلى أن لا عداوات دائمة في العمل السياسي ولا صداقات دائمة. وأضاف أن "تقبل الآخر يعد جزءا من النضوج السياسي الذي يجب أن تسير عليه العملية السياسية مهما كانت الاختلافات"، موضحاً أن هذا النضوج بدأ يظهر عند القوى السياسية. ولفت إلى أن المالكي قال إن يده مفتوحة للصلح مع الصدر، وليست لديه مشكلة في ذلك، مؤكداً أن النضوج السياسي الحالي قد يفضي إلى لقاءات أفضل من التي كانت تجري في المرحلة الماضية.


تحدث المالكي بشكل جيد عن الصدر في الفترة الأخيرة

ورأى الأسدي أن "الصلح فيه خير للجميع"، معتبراً أن حزب "الدعوة" الذي ينتمي إليه المالكي هو من الأحزاب العريقة في العمل السياسي، ويمتلك شخصيات "كاريزماتية" قد لا تمتلكها أحزاب أخرى، ولديه تجربة سياسية طويلة. مع العلم أن حزب "الدعوة" هو أحد أهم مكونات ائتلاف "دولة القانون".

وفي سياق التقريب بين المالكي والصدر، أكد عضو البرلمان عن تحالف "سائرون"، المدعوم من التيار الصدري، ستار العتابي، في سبتمبر/أيلول الماضي، عدم وجود خلاف حقيقي بين المالكي والصدر، واصفاً الوضع بينهم بأنه "تنافس". وتوقع أن تحدث الانتخابات المقبلة تغييراً في ظل وجود قوى سياسية لها ثقلها في الشارع، مشدّداً على أن الأمر لا يصل إلى حد الخلاف، أو الطرق المسدودة. وسبق هذه المرحلة من العلاقة بين الصدر والمالكي، إجراء رئيس تحالف "الفتح"، هادي العامري، جهود وساطة بينهما، مطلع العام الحالي، من أجل إنهاء القطيعة، إلا أن تلك الجهود لم تسفر عن لقاء بين الطرفين.