على وقعِ التصعيد الأمني الميداني بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، تتكثف الجولات والمباحثات السياسية الداخلية في لبنان في إطار توحيد الموقف اللبناني من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وسط تكثيف الاتصالات الدبلوماسية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب، والعمل على منع تمدّد الحرب الدائرة في غزة إلى لبنان، والبحث توازياً في خطة طوارئ كخطوة وقائية من باب الحيطة في حال توسّع رقعة الاشتباكات.
وتلتقي المواقف السياسية في لبنان على رفضها سيناريو الحرب، وعدم رغبتها به، وإعرابها عن دعم القضية الفلسطينية، وإدانتها للمجازر الإسرائيلية، لكنها تختلف في مقاربتها للصراع، فهناك فريقٌ معارض لحزب الله، يدعو إلى "عدم جرّ لبنان نحو الدمار، وعدم إدخال البلاد في مجهول مغامرات لا مصلحة لها فيها" مستنكراً "دفع البلاد أثماناً باهظة سابقاً واليوم نتيجة الصراعات الإقليمية" معتبراً في الوقت نفسه أنّ "قرار الحرب في لبنان بيد إيران".
كذلك، هناك فريقٌ يرفض بدوره الحرب، وينصح حزب الله بألّا يُستدرج ويُجرّ إليها وألا يكون لبنان ساحة من الساحات أو الجبهات، ولكنه في المقابل، يشير إلى استفزازات إسرائيلية واعتداءات متواصلة على الأراضي اللبنانية تحتّم الردّ عليها، وأنّ أيّ عدوان لا يمكن التفرّج عليه، بل مواجهته، وهي مواقف غمز إليها رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
وبدأ باسيل اليوم "جولة تشاورية" على القيادات السياسية في البلاد عنوانها حماية لبنان والوحدة الوطنية بحسب ما أعلن "التيار الوطني الحر" في بيان، وقد استهلها بلقاء مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ومن ثم يلتقي بعد الظهر جنبلاط.
ومن المرتقب بحسب ما ذكرت أوساط مقرّبة من باسيل لـ"العربي الجديد"، أن تشمل الجولة نواباً معارضين، وتغييريين، ورئيس البرلمان نبيه بري، والبطريرك الماروني بشارة الراعي، وغيرهم، لكن لم تحدد المواعيد بعد رسمياً.
ولعلّ من أبرز المواقف التي رفعها باسيل، المعارض لحزب الله بالملف الرئاسي بالدرجة الأولى، قوله قبل أيام: "ألا يحق لنا أن نرفض في وقتٍ واحد العمالة (لإسرائيل) وجعل وطننا ساحة بدلاً من أن يكون دولة؟".
وفي وقتٍ لم تؤكد الأوساط ما إذا كانت الجولة ستشمل نواباً في حزب الله، قال مصدرٌ نيابي عن الحزب لـ"العربي الجديد"، "إننا منفتحون على أي مشاورات سياسية داخلية، وقيادة الحزب تتلقى الكثير من الاتصالات السياسية، لكن جوابها واحد، أنه عندما يعتدي العدو علينا سنردّ عليه، فهذه معادلة الدم بالدم التي باتت معروفة".
وأشار المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أن "الاتصالات السياسية الداخلية تحث حزب الله على ألا يُستدرج إلى الحرب، لكن الحزب لا يريد الحرب أيضاً، بيد أنه عندما يحصل أي عدوان لا يمكن للمقاومة أن تسكت وتتفرج بل ستتحرك وسيكون ردها قاسياً، وهذا الجواب نحمله في ردنا على الرسائل والتهديدات الخارجية، فعلى دول الخارج أن تنظر إلى جرائم العدو ومجازره وتتحرك لوقفها ووضع حدّ لها، لكن حزب الله لا يمكن أن يقف متفرجاً عليها".
الاتصالات السياسية الداخلية تحث حزب الله على ألا يُستدرج إلى الحرب
واكتفى بيان صادر عن المكتب الإعلامي لميقاتي بالقول إن "رئيس الحكومة استقبل باسيل قبل ظهر اليوم في السرايا وجرى عرض للتطورات الراهنة" لكنّ أوساطاً حكومية أشارت لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الاجتماع بحث فحوى الاتصالات الخارجية والداخلية بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وانعكاسه على لبنان، وضرورة تحييد لبنان عنه، وفي الوقت نفسه بحث خطة الطوارئ في حال حصول عدوان إسرائيلي على لبنان".
ولفتت الأوساط إلى أن "العمل جدي بإطار وضع خطة الطوارئ والاستجابة، وكل ضمن وزارته وقد بدأت قوى سياسية بدورها بالعمل ضمن مناطقها لبحث الاستعدادات في حال تطور الأوضاع إلى الأسوأ، وهذا ليس من باب التخويف، بل الحيطة والتدابير الاستباقية، ولا سيما في ظل إمكانات الحكومة ومؤسسات الدولة المحدودة" مشددة على أنّ "الاتصالات مستمرة وبوتيرة مكثفة مع الخارج لوقف اعتداءات العدو الإسرائيلي على جنوب لبنان".
نحو موقف موحد ضد الاحتلال
من جهته، قال عضو تكتل "لبنان القوي" (يرأسه باسيل) غسان عطالله، لـ"العربي الجديد"، إن "جولة باسيل تندرج في إطار تأكيد إدانة المجازر الإسرائيلية التي ترتكب في غزة والكوارث الإنسانية التي يرزح تحت وزرها أهالي القطاع بشكل غير مسبوق في التاريخ، ومحاولة تحييد لبنان من أن يُستعملَ ساحة من قبل غير اللبنانيين قدر الإمكان، وأخذ موقف لبناني واحد موحّد باتجاه العدو الإسرائيلي في حال اعتدى على لبنان، ومحاولة البحث في المرحلة المقبلة في حال حصول أي طارئ خصوصاً من حيث وجود اللاجئين في لبنان وإيجاد فرص لبلورة الجو العام بحماية اللبنانيين من أي أحداث قد تطرأ على البلاد".
وشدد عطالله على "أننا نرفض وندّد بكل اعتداء إسرائيلي على لبنان ونحترم حق لبنان بالمقاومة بوجه إسرائيل في حال اعتدت على لبنان، هذا الموقف واضح وقديم وليس بجديد على التيار الوطني الحر، وطالما أنه يوجد احتلال ولا يزال يعتدي على لبنان والأراضي اللبنانية فمن حق لبنان الردّ عليه".
ولفت عطالله إلى أن "التخوّف موجودٌ طبعاً من توسّع رقعة الاشتباكات وهذا من أسباب الجولة اليوم، نحن لا نقوم بمبادرة حرب، بل نتلقف هجوماً على لبنان، فإذا حصل العدوان لن ننتظر الموت، بل سنتحرّك".
لنبذ الخلافات
من جهته، قال عضو كتلة "التنمية والتحرير" (يرأسها رئيس البرلمان وحركة أمل نبيه بري)، النائب قاسم هاشم، لـ"العربي الجديد"، إن "الوضع بالجنوب رهن التطورات الحاصلة في المنطقة بشكل عام، نحن أمام عدو متفلت من كل القيم وقد يوسع عدوانه وهمجيته وارتكاباته سواء في غزة أو لبنان، وهناك من يتعاطف مع إجرامه ويمنحه الحماية والغطاء الدولي سواء الأميركي أو غيره، وبالتالي من الطبيعي أن نتوقع منه كل إجرام".
ولفت هاشم إلى أن "العدو لم يلتزم قواعد الاشتباك لا من بعيد ولا من قريب، فلا يزال هناك استهدف للبلدات والمدنيين والصحافيين، ونحن نتوقع منه كل حماقة أو مغامرة أو ارتكابات تقوم على الهمجية والعدوانية خارج كل التزام أو قيم إنسانية أو مواثيق دولية".
وأشار هاشم إلى أن "المطلوب اليوم لبنانياً نبذ الخلافات والابتعاد عن السجال وتقريب وجهات النظر والسعي لتوحيد الموقف الوطني بمواجهة أي تطورات جديدة يمكن أن تطرأ بأية لحظة، والمصلحة الوطنية تقتضي التواصل والتشاور فيما بين اللبنانيين في مثل هذه الظروف الاستثنائية، والحكومة تقوم بواجباتها وتحاول لملمة الأمر وأن تكون لديها الجهوزية بما توفر من إمكانية في هذه الظروف لمواجهة أي حدث طارئ قد يكون قريبا أو بعيدا توقيته".
في السياق، لفت هاشم إلى مبادرات بدأت تحصل وفق الإمكانات المتوفرة في الجنوب في حال تطور الأوضاع، ولا سيما على صعيد مراكز إيواء النازحين من القرى الحدودية، وهناك تضافر للجهود بهذا المجال وتعاون بين أبناء المنطقة لتسهيل وترتيب وجود النازحين.
رفض مكاسب حزبية إقليمية
في المقابل، قال مصدرٌ قيادي في "القوات اللبنانية" (حزب مسيحي يرأسه سمير جعجع)، لـ"العربي الجديد"، إن "موقفنا معروف، برفض جرّ لبنان إلى الحرب والدمار، وهو ما نعبّر عنه علناً، نحن نؤيد جولات السياسيين والمطلوب توحيد الموقف ولكن لجهة أن قرار السلم والحرب يكون بيد الدولة اللبنانية لا بيد حزب الله ومن خلفه المقرّر الأساسي إيران، وأن الدفاع عن الأراضي اللبنانية عند حصول أي اعتداء يكون من قبل جيشه وقواه العسكرية، ونرفض بالتالي، تحقيق مكاسب حزبية إقليمية على حساب دم الشعب اللبناني ودمار البلاد".
وبرزت أيضاً مواقف صادرة عن جنبلاط الذي اجتمع مع ميقاتي ورئيس البرلمان لمحاولة ضبط الوضع، وأكد في معرض ردّه على سؤال حول ما إذا كان سيقف إلى جانب حزب الله إذا شن الاحتلال حرباً على لبنان، ضرورة الوقوف إلى جانب الشعب الجنوبي وكل من يتعرض للاعتداء من قبل إسرائيل، موجهاً رسالة إلى حزب الله بأنه يعلم أن "حساباته ليست فقط لبنانية، بل إقليمية، إذ إنه لاعب أساس في الإقليم، وقد يكون هو الذي يقرّر أو لا، لكن تمنى عليه بألا يُستدرَج".
وعلى خطّ حزب الله وحركة أمل، ومبادرات حزبية وفردية بدأت تظهر في عددٍ من المناطق اللبنانية استعداداً للأسوأ ولتأمين مراكز إيواء للنازحين من القرى الحدودية والمناطق التي قد تكون معرّضة أكثر من غيرها للعدوان الإسرائيلي ربطاً بحرب يوليو/ تموز 2006 (تحديداً الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت وبعلبك - الهرمل، وبعض المناطق الأخرى) أعلن جنبلاط بدوره أنه يتابع الاستعدادات اللوجستية اللازمة لاستقبال النازحين من المناطق التي قد يستهدفها العدوان الإسرائيلي إذا حصل، مؤكداً أن مناطق الجبل (درزية) ستكون مفتوحة للجميع.
هذه المشهدية تترافق معها وتعززها دعوات سفارات العديد من الدول إلى رعاياها بمغادرة لبنان والتحذير من السفر اليه، والإجراءات التي تتخذها شركات الطيران ضمنها طيران الشرق الأوسط "ميدل إيست"، وتتزامن كذلك مع التصعيد الأمني المتبادل بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي على الحدود، وغيرها من الأحداث والمؤشرات التي تجعل من احتمال نشوب حرب في لبنان يبقى قائماً مع استمرار "طوفان الأقصى".