مع أنه من غير المعروف سبب تخريب كابل بيانات بطول أكثر من ألف كيلومتر بين ألمانيا وفنلندا في بحر البلطيق إلا أن برلين وهلسنكي أعربتا، في بيان مشترك، اليوم الثلاثاء، عن قلقهما واشتباههما في أن الأمر ليس مجرد حادث، بل في سياق حرب هجينة، ملمحين إلى مسؤولية روسية، بعد تكرار استهداف كابلات وخطوط بحر البلطيق.
وكشف فجر أمس الاثنين عن تعرض كابل البيانات للتخريب. الكابل جرى مده في منطقة بحر البلطيق باسم "سي ليون" في 2015 ، رابطاً ألمانيا بفنلندا والسويد بليتوانيا. وأثيرت في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن اليوم شكوكاً حول أن تلف خط البيانات في البلطيق "ليس حادثاً بالصدفة". وزادت المخاوف من أن التخريب المتعمد جزء من شيء أوسع، على خلفية التوتر المتزايد بين الغرب وروسيا، وخصوصاً بعد تزايد الانخراط الغربي في دعم أوكرانيا عسكرياً، وضرب الأخيرة بصواريخ أميركية للعمق الروسي.
من جهته، لم يستبعد أيضاً وزير دفاع ألمانيا بوريس بيستوريوس أن يكون ما جرى عملية تخريب. وقال بيستوريوس في بروكسل، مساء أمس، على هامش اجتماع وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي: "لا أحد يصدق أن الكابلات تمزقت بالصدفة. أنا أيضاً لا أعتقد أن مراسي السفن تسببت عن طريق الخطأ في حدوث أضرار". ويتفق بيستوريوس في تصريحاته هذه مع مخاوف أوروبية شمالية من أن ما جرى "ربما يكون في سياق عمل حربي هجين".
يذكر الحادث الجديد بتفجير خط غاز سيل الشمال (نوردستريم) قبل نحو عامين، وعمليات تخريب متزايدة في المنطقة خلال الأشهر الأخيرة. ونقلت صحف فنلندية ودنماركية، اليوم الثلاثاء، ما سمته "تكهنات بأن سفينة الشحن الصينية يي بينغ 3، قد تكون على صلة بتخريب أحد كابلات خط البيانات في بحر البلطيق".
وكانت السفينة الصينية قد أبحرت من ميناء أوست لوغا الروسي الأسبوع الماضي، ومرت خلال عطلة نهاية الأسبوع بالمنطقة التي تضرر فيها كابل سي-ليون. وفي كوبنهاغن كُشف عن أنه على امتداد خط الكابل سي ليون قامت سفينة يي بينغ بإيقاف إشارة التتبع الخاصة بها (إيه آي سي). وجرى اليوم تتبع السفينة الصينية في المياه الدنماركية عبر ما يسمى "الحزام الكبير"، من خلال مرافقة سفينة تفتيش دنماركية حتى خروجها من مياهها الإقليمية.
التقارير التي تربط بين سفينة شحن صينية وتلف الكابل في اليومين الماضيين أعادت التذكير بقضية وقعت في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث تضرر كابل بيانات يربط إستونيا (من دول البلطيق) بالسويد، وحينها جرى أيضاً الاشتباه بوجود "تأثير مادي خارجي" من سفينة شحن صينية في المنطقة.
وخلال الأشهر الأخيرة من توتر العلاقة بين روسيا وجاراتها في أقصى الشمال الأوروبي تزايدت الاتهامات المبطنة لقيام موسكو بما يسمونه "أعمال حربية هجينة"، حيث وقبل شهر من الآن تعرض أيضاً كابل بيانات وخط غاز يربطان بين فنلندا وإستونيا لتخريب "متعمد". واشتبهت فنلندا قبل فترة بمسؤولية "طرف خارجي" في قضية تسرّب الغاز قرب حدودها الغربية مع روسيا. وتوترت علاقة هلسنكي بموسكو بصورة غير مسبوقة، بعد أن أصبحت رسمياً مع جارتها استوكهولم عضوين في حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وبعد تزايد مثل هذه الحوادث التخريبية وارتفاع منسوب الشكوك حول أضرار متعمدة من جهات خارجية، عبرت كل من هلسنكي وبرلين اليوم عن أن ما يجري "يقول الكثير عن عدم الاستقرار في وقتنا الراهن". وأشار بيان مشترك لخارجية البلدين إلى أنه "يجري الآن تحقيق شامل. أمننا الأوروبي مهدد، ليس فقط بالحرب العدوانية التي تشنّها روسيا ضد أوكرانيا، بل وأيضاً بسبب الحرب الهجينة التي تشنها جهات خبيثة". وتعتبر البلدان العضوان في الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي أن حماية البنية التحتية الحيوية المشتركة "أمر ضروري لأمننا ومرونة مجتمعاتنا".
على كل، من المثير للانتباه أن تذكر وسائل الإعلام الفنلندية أن تركيب الكابل وتشغيله كان من قبل شركة صينية، ولكنه "تحت السيطرة الفنلندية". وتعيد وسائل الإعلام في دول الشمال الأوروبي التذكير بأن ما وقع من تخريب لكابل بحر البلطيق "يأتي بعد أسابيع فقط من تحذير الولايات المتحدة من زيادة النشاط العسكري الروسي بالقرب من الكابلات البحرية الرئيسية". وفي ذلك ما يشبه ضمنياً اتهاماً لموسكو بمسؤوليتها عن الحوادث، بينما لم تظهر التحقيقات المتعلقة بعمليات تخريب سابقة، بما فيها ما جرى من تفجير لخط غاز سيل الشمال-نورستريم في أواخر 2022، إثباتات واضحة عن مسؤولية موسكو. وغياب تأكيد هوية الجهات التي تقف وراء مثل تلك الأحداث التخريبية هو ما يغذي فكرة الأوروبيين عن وجود "حرب هجينة".