استعرضت مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات"، اليوم الأربعاء، في أول ندوة صحافية لها عقِب تأسيسها، جملة من الانتهاكات والخروقات للحقوق والحريات التي قامت برصدها منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عمّا يُعرف بـ"القرارات الاستثنائية" يوم 25 يوليو/ تموز الماضي، واصفة ما حصل بـ"انقلاب".
وأكدت المتحدثة باسم "محامون لحماية الحقوق والحريات"، إسلام حمزة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "ما حصل يوم 25 يوليو هو انقلاب بعيداً عن محاولات توصيف الفصل 80 من الدستور".
وأوضحت أن "الرئيس قيس سعيد منتخب بأغلبية واسعة وهو رئيس الجمهورية التونسية وهو أكاديمي ورجل قانون والمعضلة أنه قام بانقلاب على الدستور واستحوذ على السلط التنفيذية والتشريعية والتي قسمها الدستور".
وبينت أن "سعيد جمد البرلمان وأقال الحكومة، وبالتالي أصبح الحاكم بأمره بعد أن انقلب على الدستور".
ولفتت حمزة إلى أن "سعيد صرح أنه يحارب الفساد ويحاول تخليص التونسيين من الوضع السائد ومما آلت إليه الأوضاع، وهذا ممكن، ولكن التوصيف القانوني لما حصل في 25 يوليو أنه انقلاب على الدستور".
وشددت حمزة على أن "محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية التي تعتبر محاكم استثنائية خرق قانوني كبير ولا يوجد في اختصاص هذه المحاكم وتركيبتها محاكمة للمدنيين"، لافتةً في الوقت نفسه إلى أن "تونس صادقت على معاهدة جوهانسبرغ في 2011 التي تنص على عدم محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية، لأن للعسكري قضاء خاصاً واستثنائياً ويتابع الجرائم العسكرية".
وتابعت المتحدثة باسم "محامون لحماية الحقوق والحريات" أنه "لا يمكن الحديث عن ديمقراطية في ظل وجود محاكمات لمدنيين في المحاكم العسكرية".
كما أشارت إلى أن "المحاكم السياسية المتعسفة لنواب انتخبهم تونسيون مخالفة للدستور، ومثال عليها قضية المطار (متهم فيها نواب من ائتلاف الكرامة)، إذ إنه في ليلة 26 يوليو انطلقت الشكايات وتعهد بها القضاء العدلي العسكري في ظرف قياسي ما يجعل هذه المحاكمات سياسية".
وذكرت حمزة أن "التجاوزات القانونية شملت التوقيف العشوائي دون احترام الإجراءات إلى جانب المداهمات الليلية التي لا تخلو من انتهاكات لحقوق الإنسان والتي كانت دون أذون قانونية والتاريخ لن يتسامح معها"، مشيرة إلى أنه "حصل استهداف لإعلاميين أجانب وغلق مقرات إعلامية".
وعادت وشددت على أن "تكريس الفكر الواحد والتخوين ومهاجمة المحامين وإحالة مدونين على معنى قانون الإرهاب خرق للقانون"، قائلة "إن سعيد أقسم على حماية الدستور، ولكنه خان الأمانة وناقض تصريحاته السابقة التي انتقد فيها حالة الطوارئ وها هو يمدد في التدابير الاستثنائية إلى إشعار آخر".
وفي تقديمها وتعريفها بالمجموعة، قالت حمزة، ة خلال المؤتمر الصحافي "نحن مجموعة من المحامين المهنيين المستقلين غير المتحزبين اجتمعنا إبّان ليلة 25 يوليو 2021 إثر الإعلان عن التدابير الاستثنائية ورأينا أن المرحلة تستوجب تكوين مجموعة يكون دورها الحرص على مراقبة احترام قانون الدولة التونسية ودستورها، ورصد كل الانتهاكات للحقوق والحريات التي تُسجل".
وأكدت في هذا الصدد أن هذه المجموعة "كوّنت لجنة دفاع تكون قائمة ما دام هذا الخرق الدستوري قائماً"، معقّبة: "ما دام الرئيس يقول إن التدابير الاستثنائية متواصلة إلى إشعار آخر، نحن أيضاً موجودون إلى إشعار آخر ولن نسمح بأيّ خروقات".
الخروقات والانتهاكات المسجلة
بخصوص الانتهاكات التي رصدتها "محامون لحماية الحقوق والحريات"، اعتبر المحامي والمنسق في المجموعة مالك بن عمر أنها "انتهاكات حصلت في وقت وجيز لم تشهدها تونس في عشرات السنين"، وأنها "متواترة بشكل مخيف".
المحاكمات العسكرية
وسلط بن عمر الضوء على المحاكمات العسكرية التي تم تسجيلها في الفترة الأخيرة على نواب ومحامين، مشيراً إلى التتبع العسكري للنائب ياسين العياري من أجل تدويناته التي انطلقت الأبحاث فيها بتاريخ 28 يوليو 2021، أي قبل إلقاء القبض عليه بيومين.
يذكر أنه تم إيداع النائب ياسين العياري بالسجن المدني بتونس بتاريخ 30 يوليو 2021، تنفيذاً لحكم قضائي، ويندرج هذا الإيداع يندرج في إطار تنفيذ حكم قضائي بات صادر ضد العياري عن محكمة الاستئناف العسكرية بتاريخ 6 ديسمبر/ كانون الأول 2018، وفق ما أفادت به وكالة الدولة العامة للقضاء العسكري.
كذلك تطرق المحامي بن عمر إلى ما يعرف بـ"قضية المطار"، مشيراً إلى أنه تمت إحالة عدد من نواب ائتلاف الكرامة على القضاء العسكري طبق الفصل 72 من المجلة الجزائية الذي يتحدث عن عقوبة الإعدام من أجل ارتكاب اعتداء المقصود به تهديد هيبة الدولة والتحريض على التقاتل بين الناس، واصفًا ذلك بـ"الفضيحة للدولة التونسية بعد الثورة".
كما تحدث بن عمر عن إحالة عديد من المدونين على القضاء على معنى قانون مكافحة الإرهاب من أجل تدوينات احتجاجية ضد قرارات الرئيس قيس سعيّد.
الإقامة الجبرية
تطرق المحامي مالك بن عمر أيضاً إلى الانتهاكات المتعلقة بفرض الإقامة الجبرية على أشخاص دون بيان الأسباب، قائلاً: "منذ 25 يوليو/ تموز 2021، تم فرض الإقامة الجبرية على أكثر من 12 شخصاً، من بينهم قاضيان ونواب ووزراء سابقون، واصفاً ذلك بـ"الوضع المقلق".
يشار إلى أن الفترة التي تلت 25 يوليو شهدت سلسلة من قرارات فرض الإقامة الجبرية على عدد من الأشخاص دون بيان السبب من بينهم الوزيران السابقان أنور معروف ورياض المؤخر، والقاضي بشير العكرمي والنائب زهير مخلوف، والرئيس السابق لمكافحة الفساد شوقي الطبيب.
وكان كل من العكرمي والمؤخر والطبيب قد تقدموا بطعن في قرارات وضعهم قيد الإقامة الجبرية.
المنع من السفر
وتحدث بن عمر عن إجراءات المنع من السفر التي تم فرضها على عدد من الشخصيات، أخيراً، وقال إن "منع السفر دون إذن قضائي هو أمر خطير جداً ناهيك عن كونه غير قانوني.
وتابع: "ليست هناك قائمة اسمية بالممنوعين من السفر وإنما الإجراء يتخذ بناء على صفة المسافر"، مرجحاً بأن تكون هناك "قاعدة بيانات تضم مئات الآلاف من الأشخاص".
اقتحام مقرات
تطرق عضو مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات" إلى الحديث عن مسألة مداهمة واقتحام مقر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قائلاً: أصابنا ذلك بالذهول، لأن الأمر لا يتعلق فقط بهيئة دستورية قانونية مستقلة، بل أيضاً لدينا خشية كبيرة للمعطيات الشخصية للمواطنين الذين قدموا معطيات ومعلومات للهيئة". وشدد بن عمر على أن المجموعة تحمّل رئيس الجمهورية مسؤولية حصول أي مكروه يحصل لأي شخص مبلّغ عن الفساد".
وكان مقر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قد تعرض، بتاريخ 20 أغسطس/آب 2021، للمحاصرة من قبل أعوان من وزارة الداخلية والأمر بإخلاء المقر، دون تقديم أي تفاصيل أو بيان أسبابه، وفق بيان لمنظمة "أنا يقظ"، قبل أن تعلن الرئاسة التونسية، مساء اليوم ذاته، أن الرئيس سعيّد أصدر أمراً رئاسياً يقضي بإنهاء مهام أنور بن حسن الكاتب العام للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
كما تحدث المحامي كذلك عن مداهمة مقرات إعلامية إبان 25 يوليو 2021 وغلقها، معبراً عن استنكاره لهذه الخروقات، في إشارة إلى اقتحام مقر قناة "الجزيرة" بتونس بتاريخ 26 يوليو 2021، وغلقه.
مداهمات لعائلات نواب
رصدت المجموعة أيضاً جملة من الانتهاكات المتمثلة في "مداهمات عشوائية متواصلة لعدد من عائلات نواب، خاصة نواب عن ائتلاف الكرامة". وقال بن عمر في هذا الصدد إن مجموعة من المحامين قد قامت بزيارة عدد من هذه العائلات وسجلت ما تعرضت له من انتهاكات.
وخلص المحامي بن عمر إلى أنه منذ 25 يوليو/يوليو، "نحن أمام ترسانة من الانتهاكات للقوانين، إذ تم نسف باب كامل للسلطة التشريعية وتم خرق باب السلطة التنفيذية"، معقّباً: "اليوم يمكن أن نتحدث عن تعليق فعلي للدستور، وبأننا أصبحنا تحت مفعول الأحكام العرفية".