أعلن مجلس النواب الليبي، خلال جلسته مساء اليوم الثلاثاء، عن منح الثقة لحكومة فتحي باشاغا بأغلبية 92 صوتاً من أصل 101 نائب حضروا الجلسة، وذلك رغم إصرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة على عدم التسليم إلا لسلطة منتخبة.
وعقدت الجلسة في مقر المجلس بطبرق برئاسة رئيس المجلس عقيلة صالح، بعدما أجرى باشاغا بعض التعديلات على التشكيلة التي تمت مناقشتها في جلسة أمس. وتضم الحكومة 30 وزيراً، وستة وزراء دولة.
وكلّف باشاغا جمعة خليفة محمد لتولي حقيبة التربية والتعليم، فيما ألغى وزارة الإعلام بعد عدة اعتراضات من إعلاميين، خشية تحكم الحكومة في السلطة الرابعة.
وأسقط باشاغا وزيري دولة من التشكيلة، هما وزير الدولة للقادة الشباب، ووزير الدولة لشؤون الانتخابات.
وبعد التغييرات التي أجراها باشاغا، تضمنت الحكومة 29 وزارة، و6 وزراء دولة، بالإضافة إلى ثلاثة نواب لرئيس الوزراء بعد إضافة خالد علي الأسطى كنائب ثالث ضمن التشكيلة المعدلة.
باشاغا: منح الثقة تم "بطريقة واضحة وشفافة"
وأكد باشاغا أن مجلس النواب منح الثقة لحكومته بـ"طريقة واضحة وشفافة وعلنية"، معتبرا أن عملية التصويت "تمت بعملية ديمقراطية نزيهة واضحة، وبإرادة ليبية".
وأوضح باشاغا، في كلمة له إثر إعلان مجلس النواب منح الثقة لحكومته، أن حكومته تهدف لـ"المصالحة والمشاركة والاستقرار والانطلاق نحو الازدهار والنماء"، وقال: "لم آت للانتقام أو تصفية الحسابات، بل من أجل بناء الوطن الذي يحتاج للجميع. نمد أيدينا للجميع حتى المعارضين؛ لأنني اليوم أعتبر نفسي مسؤولاً عن كل الليبيين، وخادم الشعب دون استثناء ومفاضلة وتمييز".
وأكد باشاغا التزامه بإجراء الانتخابات في مواعيدها المحددة بحسب خريطة الطريق التي أعدها مجلس النواب، وأنه سيعمل بمبدأ التعاون مع مجلس النواب ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي، مشيراً إلى تطلعه لـ"إقامة علاقات طيبة مع الدول الشقيقة والصديقة وفق الاحترام المتبادل".
وتقدم باشاغا بالشكر لبعثة الأمم المتحدة لدعمها لجهود السلام والاستقرار في البلاد، مبدياً تطلعه أيضاً لـ"التعاون معها من أجل إكمال باقي الاستحقاقات الليبية، وفي مقدمتها الدستورية والمتعلقة بالانتخابات والمصالحة".
وخاطب الليبيين قائلا: "أطمئن الليبيين بأن الحكومة ستستلم مهامها في العاصمة طرابلس بشكل سلمي وآمن، وقد باشرنا في إجراء التدابير القانونية، واتصلنا بجميع الجهات الأمنية والعسكرية، ولدينا ترتيبات معهم، وستكون عملية التسليم بشكل سلس وآمن وبدون أي مشاكل".
المجلس الأعلى للدولة: "مخالفة للاتفاق السياسي"
في المقابل، اعتبر المجلس الأعلى للدولة منح مجلس النواب، اليوم الثلاثاء، الثقة لحكومة جديدة "مخالفة للاتفاق السياسي".
وذكّر المجلس، في بيان مقتضب، برفضه الخطوات التي يقوم بها مجلس النواب منفردا.
وأعلن المجلس عن نيته عقد جلسة يوم الخميس المقبل لاتخاذ ما يلزم من إجراءات تجاه ما وصفها بـ"المخالفات"، مؤكداً أن استمرار إغلاق الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا "يعدُّ جريمة إنكار للعدالة".
حكومة الدبيبة: تصويت البرلمان تم بالتزوير
من جهتها، اعتبرت حكومة الوحدة الوطنية جلسة منح مجلس النواب الثقة لحكومة باشاغا، اليوم الثلاثاء، "تأكيداً لاستمرار رئاسة البرلمان في انتهاج التزوير لإخراج القرار باسم المجلس بطرق تلفيقية".
وقالت الحكومة، في بيان لها عقب إعلان مجلس النواب منح الثقة لحكومة باشاغا: "لقد تابع الليبيون التزوير في العدّ الذي كان واضحاً بالدليل القطعي على الشاشة، إذ لم يبلغ العدّ النصاب المحدد من قبل المجلس لنيل الثقة، على الرغم من عدم وضوح صورة مانحي الثقة".
وأشار بيان الحكومة إلى أن عدداً من أعضاء مجلس النواب نفوا وجودهم في طبرق "على الرغم من احتسابهم ضمن العدّ الذي لم يبلغ النصاب أساساً حتى بذلك"، وفق نص البيان.
وتابع البيان: "لقد بدأ مسار التزوير في رئاسة المجلس منذ تمريرِها سحبَ الثقة من الحكومة بالآلية ذاتها، واختيارِها رئيس حكومة دون نصاب. كما أن كل هذه الإجراءات تمت بمخالفة للاتفاق السياسي الذي نص على آليات واضحة في إجراءات التعديل الدستوري، وتشكيل السلطة التنفيذية، والتي كانت بإجراءات أحادية تعود بالبلاد لمرحلة الانقسام".
وجددت الحكومة ما أكده رئيسها عبد الحميد الدبيبة في العديد من التصريحات السابقة بشأن استمرار عملها، وأنها "لن تعبأ بهذا العبث، وستركز جهودها في إنجاز الانتخابات بوقتها في شهر يونيو (حزيران) القادم".
من جهتها، جددت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة للشأن الليبي ستيفاني ويليامز تأكيدها على أهمية "التوافق والشمولية في البيئة السياسية المعقدة في ليبيا"، على حد وصفها.
وخلال لقائها بعض ممثلي الأمازيغ في ليبيا، اليوم الثلاثاء، وقُبيل انعقاد جلسة مجلس النواب، شددت وليامز على ضرورة "المضي قدماً في تلبية مطالب الشعب في إجراء الانتخابات من خلال انتخابات حرة وذات مصداقية بناء على قاعدة دستورية سليمة وقوانين انتخابية توافقية".
وتأتي كل هذه التغييرات بعد فشل الفرقاء والقادة السياسيين الليبيين في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية كان مقرراً لها أن تنطلق في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، وذلك بسبب خلافات حول القاعدة الدستورية المنظمة للانتخابات.
وكان مجلس النواب قد فشل، أمس الاثنين، في منح الثقة للحكومة بسبب عدم توفر النصاب ونشوب خلافات حول التشكيلة بين النواب، ما دفع لتأجيلها إلى صباح اليوم، قبل أن يتم تحديد موعدها لما بعد الظهر في ظل استنكار مجلس النواب تعرض عدد من أعضائه للتهديد بالقتل ومنعهم من العودة إلى منازلهم.
ونشر المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب الليبي عبد الله بليحق، على صفحته على "فيسبوك"، بياناً للمجلس دان فيه ما تعرّض له عدد كبير من أعضائه، أمس واليوم، من تهديدات بالقتل لهم ولعائلاتهم، وكذلك التهديد بمنعهم من العودة إلى بيوتهم، ووصل الأمر، بحسب البيان، إلى الاعتداء على المنازل.
وجاء في البيان: "إن مجلس النواب إذ يدين هذه التصرفات الإجرامية والإرهابية التي لا يمكن أن تصدر إلا من مجرمين خارجين عن القانون، فإنه بذلك يؤكد على تضامنه التام ودعمه لجميع النواب تجاه ما يتعرّضون له، بغض النظر عن أي توجه سياسي، ويؤكد على حرية رأيهم ورفض أي محاولات للتأثير على مواقفهم السياسية".
وحمّل بيان المجلس السلطة التنفيذية "كامل المسؤولية عن أمن وسلامة أعضاء مجلس النواب"، مطالباً بـ"فتح تحقيق أمني عاجل في ما يحدث وإحالة المجرمين إلى العدالة".
إلى ذلك، دعا رئيس "الحزب الديمقراطي" محمد صوان، قبيل التصويت، جميع أطراف الخلاف، سواء كانوا سياسيين أو إعلاميين أو نشطاء أو النخب السياسية، إلى "تفهّم مخاوف بعضهم بعضا المشروعة والناجمة عن حالات الصراع العنيفة السابقة".
وقال صوان، في بيان له اليوم الثلاثاء، إنّ "ما يجري الآن رغم كل الظروف الصعبة والاستقطاب الحاد يمثل محاولةً لاستعادة الليبيين زمام المبادرة السياسيّة والتأسيس للشرعية الصحيحة"، مبيّناً أنّ البعثة الأممية والدول المعنية "في حالة ترقب وانتظار لدعم أي خطوة في هذا الاتجاه".
ودعا صوان إلى "التخفيف من حدة الخطاب والاتهامات المتبادلة والتحلّي بالموضوعية"، وقال: "هناك ضرورة ملحّة تهدد الوطن في حال استمرار الوضع الراهن المنقسم، ولا بد من تغليب المصلحة الوطنية في هذه المرحلة الحساسة، ولا يوجد أمامنا خيار بلا عيوب وبلا مخاوف".