يسعى مجلس النواب الليبي لضرب حصار مالي خانق على حكومة الوحدة الوطنية بهدف محاصرة رئيسها عبد الحميد الدبيبة، في إطار محاولته الإطاحة به.
وفي إطار الخطوات التي تهدف للإطاحة بالدبيبة، خاطب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الثلاثاء الماضي، كافة المؤسسات والشركات الليبية، بما فيها البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، بحظر تقديم أي أموال لحكومة الوحدة الوطنية "في أي صورة، سواء كانت بصورة قرض أو تحت بند المسؤولية الاجتماعية"، متهماً الحكومة "بإهدار المال العام، والتصرف فيه بغير وجه حق".
وتزامن الخطاب مع حكم لمحكمة استئناف بنغازي، في اليوم ذاته، بوقف قرار الدبيبة بشأن منح وزارتي المالية والتخطيط بحكومته بنقل مخططات مالية من ميزانية العام الماضي بقيمة 10 مليارات دينار ليبي (السعر الرسمي هو 4.87 دنانير للدولار) والتصرف فيها للعام الحالي.
عيسى همومه: الصراع بين صالح والدبيبة وصل لمرحلة كسر العظم
وقضت الدائرة الأولى بمحكمة استئناف بنغازي، الثلاثاء الماضي، بوقف تنفيذ قرار الدبيبة، رقم 580 لسنة 2023 بشأن منح الإذن لوزارتي المالية والتخطيط بإجراء تعلية لمخصصات الباب الثالث للترتيبات المالية بقيمة تزيد على 10 مليارات دينار.
وبدأت مساعي صالح لعزل الدبيبة من منصبه منذ أشهر. وظهرت أولى ملامحها في التقارب مع محافظ البنك المركزي، الصديق الكبير، خاصة في خطوة قبول مجلس النواب الليبي في أغسطس/ آب الماضي، توحيد فرعي البنك المركزي، في الشرق والغرب، تحت رئاسة الكبير، بعد سنوات من الانقسام، وأعقبها في الشهر التالي اعتماد الموازنة العامة المقدمة من حكومة مجلس النواب لعام 2024.
عرقلة قرارات الدبيبة للاستفادة من الأموال
وجاءت مخاطبة صالح للمؤسسات الليبية الثلاثاء الماضي في إطار عرقلة قرارات أصدرها الدبيبة أخيراً للاستفادة من أموال العديد من الشركات والمؤسسات، في إطار بحثه عن مصادر تمويل بديلة، خاصة بعد أن تحفظ البنك المركزي على صرف أموال موازنة العام الحالي لأي من الحكومتين، الوحدة الوطنية وحكومة مجلس النواب، بحجة حياد البنك عن الصراعات السياسية القائمة.
وتأتي هذه الخطوات بالتوازي مع إعلان صالح إنشاء صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، وتكليف بلقاسم، نجل اللواء المتقاعد خليفة حفتر بترؤسه.
وبحسب نص قرار إنشاء الصندوق، الصادر في 6 فبراير/ شباط الحالي، تكون له ميزانية خاصة، ويسمح له بالاقتراض من البنك المركزي، والاتصال بالخارج للتعاقد مع الشركات الكبرى للإعمار والتنمية دون الخضوع لمساءلة أي جهة في الدولة. وتلاه قرار آخر في 14 فبراير نقل بموجبه مجلس النواب تبعية 10 مؤسسات وهيئات حكومية إلى الصندوق.
كسر عظم بين صالح والدبيبة
وبحسب قراءة الباحث في الشأن السياسي عيسى همومه فإن الصراع بين صالح والدبيبة "وصل لمرحلة كسر العظم، فعقيلة صالح وحلفاؤه تفطنوا لنجاح الدبيبة في العمل وفق مقاربة اقتصادية تمكن خلالها من إحداث مشاريع تنموية وتحسين للوضع المعيشي للمواطن، ما خلق قاعدة شعبية من حوله في الداخل. وفي الخارج نجح وفق هذه المقاربة من عقد شراكات اقتصادية مع دول إقليمية مؤثرة، كتركيا وإيطاليا، ولذا فالهجوم الحالي عليه جاء من هذه الزاوية".
ويلفت همومه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن خطوات مجلس النواب الليبي تسعى لإثارة الغضب الشعبي على الدبيبة، كالضغط على البنك المركزي لوقف تمويل الموازنة العامة، خاصة وأن أكبر بنودها يتعلق برواتب المواطنين، الذين بالفعل لم يتمكنوا من الحصول عليها منذ ثلاثة أشهر، خاصة مع تهاوي قيمة الدينار وارتفاع غلاء الأسعار، وقبلها إصدار بيانات أثارت جدلاً حول قرار الدبيبة الشهر الماضي الخاص برفع الدعم عن المحروقات والذي أثار غضب الشارع بالفعل.
ويعتبر همومه أن صالح وحلفاءه "يستثمرون الهزة الكبيرة في القاعدة الشعبية للدبيبة غرب البلاد، خاصة مع بروز معارضة شعبية واسعة في مدينة مصراته لبقاء الدبيبة، ومدن أخرى ذات ثقل عسكري وسياسي كالزنتان والزاوية".
وأصدر "اتحاد ثوار 17 فبراير" بمدينة مصراته، الثلاثاء الماضي، بياناً طالب فيه بالتحقيق الفوري والعاجل في واقعة مقتل 10 أشخاص في حي أبو سليم في طرابلس على يد جهة مجهولة، الاثنين الماضي، معتبرين أن الحدث يكشف عن الفوضى الأمنية التي تعيشها البلاد بسبب ضعف حكومة الوحدة الوطنية.
وفي الزاوية، غرب طرابلس، أصدر "حراك تصحيح المسار" بالمدينة، بياناً، اتهم فيه الحكومة في طرابلس بالعمل على إطالة أمد سيطرتها على الحكم، مطالباً بضرورة إجراء انتخابات لتجديد الشرعية في البلاد. وتزامن البيانان مع ثالث لمجموعة "ثوار الزنتان"، أقصى الغرب الليبي، أعلنوا فيه عدم اعترافهم بحكومة الوحدة الوطنية، واتهموها بـ"نهب أموال الشعب وإفقار الموظفين حتى لم يجدوا قوت يومهم"، مطالبين بإسقاطها.
عادل شنينه: الدبيبة لا يزال يملك العديد من الأوراق للمناورة
ويلفت همومه إلى أن الصلاحيات التي منحها صالح لصندوق الإعمار "تجعل منه حكومة قائمة ولا يخضع لأي محاسبة"، معتبراً أن صالح وشركائه "يريدون القول إنهم حتى لو لم يسقطوا الدبيبة يمكنهم الاستحواذ على صلاحيات حكومته ومصادر تمويله من خلال التشريعات التي تسمح لهم بالاتصال بالبنك المركزي، وضرب قوة الشرعية الدولية التي يستند عليها الدبيبة من خلال بناء شراكات قوية مع دول الإقليم في عقود الإعمار الضخمة وكذلك من خلال الاستثمار في مجال النفط".
عرقلة مجلس النواب الليبي مشاريع للدبيبة
ويتابع همومه: "في الأيام الماضية عرقل مجلس النواب الليبي مشروعاً يسعى الدبيبة من خلاله لمنح حصص كبيرة لشركات إماراتية وتركية في أحد حقول الغاز الجديدة في غرب ليبيا، حيث أصدرت محكمة ليبية قراراً بإلغاء الاتفاق الذي وقعه الدبيبة مع تركيا للاستثمار في الغاز"، في إشارة لحكم محكمة الاستئناف، الاثنين الماضي، القاضي بإلغاء مذكرة التفاهم الموقعة بين حكومة الدبيبة وتركيا في عام 2022، بشأن الاستثمار في مجال الغاز، الذي سبق أن عارضه مجلس النواب وطعن في شرعيته.
ويرى همومه أن معسكر شرق ليبيا "يسير وفق خطة محكمة لسحب البساط من تحت الدبيبة وإسقاطه، وإفشال أي مبادرة تجعل منه شريكاً في المشهد".
الدبيبة يملك العديد من الأوراق للمناورة
لكن في المقابل، يرى الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية عادل شنينه أن الدبيبة لا يزال يملك العديد من الأوراق للمناورة.
ويعتبر أن خطوات عقيلة صالح "ليست مكتملة، وقرار إنشاء صندوق الإعمار مجرد طريق لترقيع علاقته مع معسكر خليفة حفتر، التي شهدت تصدعات كبيرة، خاصة أن بلقاسم كون في السابق كتلة برلمانية قوية بهدف إسقاطه من رئاسة مجلس النواب".
ويشير شنينه، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "من ناحية أخرى فمعسكر حفتر الذي يملك الكلمة الأولى في شرق البلاد منقسم على نفسه، والدبيبة يملك خيطاً رفيعاً للاتصال به من خلال صدام نجل حفتر والمؤثر بشكل أكثر في قرارات والده، وسبق وأن نجح في عقد صفقة لتعيين رئيس مؤسسة النفط الحالي فرحات بن قدارة" في منصبه.
ويتابع شنينه: "من غير شك فخطوات عقيلة صالح هزت منظومة الدبيبة، خصوصاً في علاقته مع البنك المركزي، لكن المجتمع الدولي لن يتخلى عن اعترافه بالدبيبة وحكومته بسهولة ما لم يتوفر بديل قوي ومقنع بالنسبة لمصالحه".
ويرى شنينه أن "كل ما يحدث الآن من ضغوط على الدبيبة لا أعتقد أنه يتجاوز محاولة فرض كل طرف نفسه كرقم في خريطة الأزمة للحصول على أكبر قدر من المكاسب"، مشيراً إلى أن حراك الضغوط باتجاه الدبيبة "متعلق بقناعة جميع الأطراف بأن المقاربة الوحيدة الممكنة والواقعية هي دمج حكومتي البلاد، والكل يسعى للحصول على موقع في المشهد الحكومي المقبل".