فشل المجلس الأعلى للدولة، اليوم الأحد، في عقد جلسة رسمية، وللمرة الرابعة على التوالي، لتمرير تعديل الإعلان الدستوري المحال من مجلس النواب، ليكون أساساً دستورياً للانتخابات المؤجلة منذ نهاية 2021.
وأكدت عضو المجلس الأعلى للدولة، نعيمة الحامي، أن رئيس المجلس خالد المشري قرر تأجيل الجلسة المقرر عقدها اليوم "إلى أجل غير محدد"، بسبب "عدم تحقق نصاب الانعقاد"، والذي يجب أن يصل إلى 67 عضواً.
ويعني تأجيل الجلسة إلى أجل غير محدد فشل مجلس الدولة في تمرير مشروع تعديل الإعلان الدستوري، وبالتالي فشل مجلسي النواب والدولة في التوافق على أساس دستوري للانتخابات.
ومنذ انطلاق جلسات مجلس الدولة، الأحد الماضي، لمداولة ومناقشة التعديل الدستوري المقر والمحال من مجلس النواب، أبدى عدد من أعضاء مجلس الدولة اعتراضا على مواد التعديل، وحدا بالكثير منهم إلى مقاطعة جلستي الاثنين والأربعاء الماضيين.
وتشير الحامي إلى أن من بين أسباب معارضة عدد من أعضاء مجلس الدولة حيال التعديل التشكيك في صحة إقرار التعديل من قبل مجلس النواب من الناحية الإجرائية، مبينة أن إقرار تعديل للإعلان الدستوري من مجلس النواب يتطلب أغلبية الثلثين "وهذا ما لم يتحقق في جلسة المجلس يوم السابع من فبراير/شباط"، وفق تصريحها لـ"العربي الجديد".
وأضافت الحامي بالقول: "عدد أعضاء مجلس النواب بعد استقالة البعض ووفاة البعض وإلغاء عضوية البعض وصل إلى 155 عضواً، وهو ما يعني ضرورة أن يصوت أكثر من مائة نائب على إقرار التعديل، وهذا ما لم يحدث، على الرغم من زعم مجلس النواب أن الذين حضروا تلك الجلسة كان 113 نائباً، وهو أمر لا أصدقه، كما أن المجلس لم يظهر عدد النواب المصوتين بالموافقة، والجلسة كانت مغلقة".
54 عضواً في مجلس الدولة يرفضون التعديل الدستوري
وبالتزامن مع إعلان المشري تأجيل جلسة اليوم، أصدر 54 عضواً في مجلس الدولة اليوم بياناً عبّروا فيه عن رفضهم التعديل الدستوري المحال من مجلس النواب، وأعربوا عن تفاجئهم بنشر مجلس النواب التعديل في الجريدة الرسمية.
وفيما وصف الأعضاء، في بيانهم المشترك اليوم، إقدام مجلس النواب على نشر التعديل في الجريدة الرسمية أنه ضرب بنصوص الاتفاق السياسي وبالتفاهمات والتوافقات الجارية عرض الحائط، اعتبروا أنها خطوة "أحادية استباقية بعيداً عن متطلبات المرحلة التوافقية"، موضحين أن التعديل "لن يكسب أية مشروعية دستورية، وذلك لعدم إقراره من قبل المجلس الأعلى للدولة".
وبيّن الأعضاء في البيان اعتراضاتهم على التعديل، والتي كان أهمها "إغفال إدراج شروط ترشح الرئيس"، و"منح الرئيس صلاحيات واسعة"، بالإضافة لاعتبار التعديل الانتخابات البرلمانية "كأن لم تكن في حال فشل الانتخابات الرئاسية"، وكذلك "عدم إلزام مجلس الأمة المنتخب بإنجاز الاستحقاق الدستوري في فترة زمنية محددة".
وأوضح الأعضاء أن "الضرورة تقتضي إدراج وحسم هذه المسائل في نص التعديل الدستوري"، معتبرين أن ترحيلها "لن يكون مجدياً". وعبّروا في ختام البيان عن رفضهم لما قام به مجلس النواب من إجراءات.
68 عضواً يوافقون على التعديل الدستوري
بالمقابل، أعلن 68 عضواً آخرين بمجلس الدولة، في بيان مشترك، مساء اليوم الأحد، عن موافقتهم على التعديل الدستوري.
وخلافاً لما أعلنته رئاسة المجلس بشأن تأجيل جلسة اليوم، بسبب عدم اكتمال النصاب، أرجع الأعضاء الـ 68 عدم عقد جلسة المجلس إلى "تهديدات أمنية من خارجه، ومشاغبات من داخل المجلس"، ما كان سيؤدي -وفق البيان- لعرقلة سير أي جلسة صحيحة، واصفين ذلك بأنه "محاولات يقف وراءها الأطراف الرافضة لأي توافق يحقق طموح الشعب الليبي في إجراء الرئاسية والبرلمانية".
وأفاد الأعضاء ضمن بيانهم بأن التعديل "جرى بالتوافق بين المجلسين"، وبعد نقاشات وتعديلات ومشاورات واسعة.
ورحب الأعضاء بصدور التعديل، وصدوره في الجريدة الرسمية، ودعوا رئاسة مجلس الدولة إلى الإسراع في تشكيل اللجنة المشتركة، الوارد ذكرها في التعديل الدستوري لإنجاز القوانين الانتخابية، والتوافق على باقي الاستحقاقات.
ويعوّل مجلس النواب على تمرير مجلس الدولة التعديل الدستوري، ليكون أساساً دستورياً لإجراء الانتخابات المؤجلة منذ عام 2021، إلا أن تعثّر تمرير التعديل من قبل مجلس الدولة، أعاد الوضع إلى مربع الخلافات الأولى.
وكان المشري خرج ليل السبت، في كلمة متلفزة، نشرها مكتب مجلس الدولة الإعلامي على "فيسبوك"، أكد فيها أن مجلس الدولة "هو من طالب بالذهاب إلى تعديل دستوري محدود يعالج ما يتعلق بملف الانتخابات فقط".
وضمن الكلمة، أكد المشري أن التعديل في الإعلان الدستوري طاول المواد الخاصة بتسهيل العملية الانتخابية من دون أن "يمسّ الأساس الدستوري كاملاً، ويعتبر تحصيناً للانتخابات القادمة من أي طعن دستوري".
وقال المشري إن التعديل الدستوري من قبل مجلس النواب "لم يأتِ بين ليلة وضحاها، بل هو وليد مشاورات مطولة بين المجلسين"، مضيفاً أن التعديل "لا يلغي غيره من التعديلات الدستورية، كما يروج البعض"، وأنه "لا يتعلق إلا بمواد الباب الثالث من مشروع الدستور الخاصة بنظام الحكم"، وأن أغلب مواده "مقيدة"، معتبراً أن ذلك "يضمن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن".
وأرجع المشري اللغط المثار حول التعديل إلى "عدم التواصل بشكل كافٍ مع الإعلام"، نافياً أن يكون "التعديل الدستوري يمسّ مبادئ ثورة فبراير كما يروج له البعض، ونظام الحكم فيه خليط وليس نظاماً رئاسياً، و95% من مواده موافق عليها من مجلس الدولة".
وأوضح المشري شكل السلطة التشريعية القادمة، وتكوّنها من جسمين: مجلس النواب، ومجلس الشيوخ، مشيراً إلى أن مجلس النواب سيزيد من عدد مجلس النواب الحالي (200 نائب) بـ50 مقعداً. أما مجلس الشيوخ، فسيشكل من 90 عضواً، بالتساوي بين الأقاليم الثلاثة: طرابلس، وبرقة، وفزان.
وفي ما يخص انتخاب الرئيس، أكد رئيس مجلس الدولة أن انتخابه مباشرة من الشعب "لم يكن من اختراع مجلسي النواب والدولة"، مذكراً بأن أول من أقره كانت "لجنة فبراير التي شكّلها المؤتمر الوطني سنة 2014، كما أنه تكرر في مخرجات ملتقى الحوار السياسي"، مشيراً إلى أن مشروع الدستور المعد من هيئة صياغة الدستور "تحدث عن انتخابات رئاسية".
واستدرك المشري بقوله: "الانتخابات الرئاسية كانت مطروحة في 2021 وفتح باب الترشح لها ولم يعترض على ذلك أحد، وبعض من يرفضون إجراء الانتخابات الرئاسية ترشحوا للانتخابات"، مستدلاً بأن الزخم الذي صاحب الانتخابات الرئاسية "يدل على القبول الشعبي بها"، وموضحاً أن اعتراض مجلس الدولة على إجراء الانتخابات سنة 2021 "كان لأسباب دستورية وقانونية".
ورداً على احتجاج البعض على حجم الصلاحيات الممنوحة لرئيس الدولة ضمن التعديل الدستوري، أفاد المشري بأن كل اختصاصات الرئيس اختصاصات "غير مطلقة وإنما مقيدة بمواد أخرى"، محذراً من أن تعطل المسار الدستوري القائم حالياً بين مجلسي النواب والأعلى للدولة ستكون حكومة الوحدة الوطنية "المستفيد الوحيد منه".
كذلك حذّر المشري من أن عدم اعتماد التعديل قد يخرج الأمر عن سيطرة مجلسي النواب والدولة، ملمّحاً إلى أن ذلك قد يفسح المجال لترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، وهو أمر يرفضه مجلس الدولة، ويطالب به مجلس النواب.
وفي ما قد يكون استباقاً لإحاطة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي أمام مجلس الأمن المرتقبة، يوم الاثنين القادم، التي من المتوقع أن يطالب فيها باتيلي باعتماد آليات بديلة عن المجلسين تفضي إلى إجراء الانتخابات خلال هذا العام، كشف المشري عما يعتقد أنها خطة باتيلي القادمة في حال عدم وصول المجلسين إلى توافق، وهي تشكيل لجنة من قبل باتيلي لإصدار قوانين انتخابات، يتولي باتيلي اعتمادها بعد ذلك.
وحذر المشري من هذا السيناريو، متوقعاً أن يكون مدخلاً لترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية.
وفيما يبدو أن إقدام مجلس النواب على نشر نص التعديل الدستوري في الجريدة الرسمية، يوم الخميس الماضي، محاولة منه لاعتماده بشكل أحادي، لم يعلن حتى الآن عن موقفه من فشل مجلس الدولة في تمرير التعديل.