مجلس الجهات والأقاليم في تونس: مركزة السلطة ونسف البناء القاعدي

16 مارس 2023
نواب هذا المجلس لا ينتخبون مباشرة من الشعب (Getty)
+ الخط -

أثار إصدار الرئيس التونسي قيس سعيّد، مرسوم تنظيم انتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، توازياً مع حلّ البلديات، تساؤلات عن مصير السلطة المحلية ومسار اللامركزية الذي كرسه دستور 2014، أمام مشروع إعادة بناء الدولة المركزية ومركزة القرار.

واستكمل الرئيس سعيّد عبر المراسيم التي أصدرها في 9 مارس/ آذار الجاري، ما نصّ عليه في دستور 2022، الذي يتناقض تماماً مع ما جاء في الباب السابع من دستور 2014 الخاص بالسلطة المحلية، الذي كان يؤسس لسلطة محلية تقوم على اللامركزية وديمقراطية القرب والتدبير الحر، عبر مجالس منتخبة انتخاباً عاماً، حراً، مباشراً، سرياً، نزيهاً وشفافاً.

ووفق المرسوم الرئاسي تم "تكليف الكتّاب العامين (موظفي بلدية) بتسييرها تحت إشراف الولاة"، دون تحديد موعد الانتخابات.

واعتُبر باب السلطة المحلية في دستور 2014 من الإنجازات الثورية التي فتحت المجال أمام تغيير جوهري في النظام السياسي للبلاد، كانت تسير بطريقة مركزية مفرطة للغاية منذ الاستقلال وحتى 2011.

وشهدت تونس في 2018 مخاضاً صعباً يقوم على الانتقال من نظام مركزي دام عقوداً إلى آخر لا مركزي بانتخاب بلديات جديدة، والعمل وفق مجلة الجماعات المحلية (قانون السلطة المحلية) التي سميت الدستور الصغير.

وطالما أشار سعيّد في خطابات سابقة إلى أنّ "الدولة واحدة" ولن يسمح بـ"محاولات تفتيتها" وأنّ هناك مسؤولين يعملون لفائدة أحزابهم، وليس لفائدة الوطن والصالح العام.

سلطة بعيدة عن المواطن

وأكد مدير مرصد "شاهد" لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية، الناصر الهرابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، أنه "في دستور 2014 كان هناك 14 بنداً يتحدث عن السلطة المحلية وصدرت من بعده مجلة الجماعات المحلية (قانون خاص بها صدّق عليها البرلمان المنحل في مايو/ أيار 2018) في مقابل دستور 25 يوليو/ تموز 2022، الذي جاء بفصل وحيد يتيم لينص على البلديات أو هيئات محلية".

وفسّر الهرابي بأنّ "هذه المراسيم منسجمة مع دستور 2022، ولكن سعيّد ذهب بعكس إرادة المشرّع المنتخب في 2014، الذي ينص على حكم محلي حقيقي يعكس ديمقراطية القرب والديمقراطية التشاركية من خلال الناخبين المحليين الأدرى بمشاغل محلياتهم، ينتخبون بشكل حر ومباشر وتعددي ممثليهم (7200 مستشار بلدي موزعين على 350 بلدية يؤسسون لحكم محلي فعلي وفاعل)".

وشدد مدير المرصد على أنّ "دستور 2022 هو من نسف كامل التجربة، وهذه المراسيم تكريس له، وأصبحنا نتحدث اليوم عن بلديات في جماعات محلية وجهوية مرتبطة بالمركز وخاضعة لسلطة المركز".

ولفت إلى أنّ "مشاكل مركزة القرار عانت من ويلاته تونس سابقاً وقامت ضده الثورة، وهي سلطة بعيدة عن المواطن وتقوم على لا محورية الإدارة، متمثلة في هرم عمودي يبدأ القرار فيه من الوزارة إلى المحافظة فالمعتمدية ثم العمدة وقد عدنا إلى هذا التسلسل الهرمي".

وأفاد الهرابي بأنّه "خلافاً لما يتحدث عنه رئيس الجمهورية، فإنّ هذا لا يعني تفكيك الدولة، فدستور 2014 ينص على أنّ الديمقراطية المحلية في إطار وحدة الدولة والجميع يمارس مهامه في إطار تلك الوحدة".

وبيّن أنه "بنسف باب السلطة المحلية أصبحت مجلة الجماعات المحلية لا معنى لها، وربما سيتم تعويضها بنص جديد أو مرسوم، وبالتالي عدنا إلى مركزة القرار والسلطة المركزية الماسكة بكل القرارات بعيداً عن التدبير المحلي الحر".

موقف
التحديثات الحية

ديكتاتوريات الستينيات

من جانبه، أكد أستاذ القانون الدستوري، (مقرر مساعد دستور 2014)، مبروك الحريزي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "المسار العام الذي يسير فيه الرئيس لا علاقة له بالنظام القاعدي، والواضح هو ما جاء به الدستور وما تم تأكيده وصدّقت عليه المراسيم والممارسة، أي إنه يؤسس لفكرة ديكتاتوريات الستينيات وأنظمة حديثة الاستقلال في أفريقيا وهي دول مركزية والسلطة الرئيسية فيها بيد شخص يطلق عليه اسم زعيم يمنح نفسه مختلف السلطات ويسيطر على مختلف الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية".

وأكد الحريزي أنّ "هذا النظام الذي جاء به سعيّد لا علاقة له بالديمقراطية، لأنه يفتقر إلى فكرة ومعيار أساسي، وهي الفصل والتوازن بين السلط التي يعتبرها وظائف".

وشدد على أنه "كان من المفروض تغيير نظام عمل هذه المجالس المحلية واختصاصاتها ثم سنّ قانون انتخابي خاص لها ثم تجري انتخاباتها، ولكن ما حدث جاء بشكل مقلوب وبسرعة، حيث أصدر قانوناً انتخابياً لهذه المجالس وفيه ما يؤشر على اختصاصاتها وتركيبتها، فهي بديل من البلديات".

وأشار إلى أنّ "ما حدث فيه تهميش للقاعدة والمحليات ولإرادتها، وأكبر دليل إضعاف قيمة مجلس الجهات والأقاليم، بداية من الدستور الذي حدّد وظيفته بأن لا يشارك في كل الوظيفة التشريعية إلى القيام على انتخاب غير مباشر بما يضعف شرعية المجلس، فنواب هذا المجلس لا ينتخبون مباشرة من الشعب".

وأوضح أستاذ القانون الدستوري أنّ "مسألة القرعة في اختيار نواب المجلس والتداول على العضوية دورياً، دون اعتبار القدرة والتمكّن والبرنامج والكفاءة، يجعل دوره مشتتاً وعمله مرتبكاً في مقابل قوة الإدارة والسلطة التنفيذية المحافظة التي ستكون سلطتها أكبر".

الحريزي: مسألة القرعة في اختيار نواب المجلس والتداول على العضوية دورياً، دون اعتبار القدرة والتمكن والبرنامج والكفاءة، يجعل دوره مشتتاً وعمله مرتبكاً

وينص القانون الجديد على أنه سيعتمد التصويت على الأفراد في الاقتراع الخاص بانتخابات أعضاء المجالس المحلية، فيما ستعتمد القرعة في عملية اختيار الممثل عن المجلس المحلي بالمجلس الجهوي الراجع له بالنظر، ثم ينتخب أعضاء كل مجلس جهوي ممثليهم بمجلس الأقاليم.

في مقابل ذلك، اعتبر المتحدث باسم حركة الشعب أسامة عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذه المراسيم لا تضرب مفهوم السلطة المحلية، لأنّ البلديات باقية وسيتم إنجاز انتخابات بلدية وجهوية، غير أنّ طريقة الاقتراع مازالت غير واضحة، لأنّ التصعيد سيكون من العمادات (مدن صغيرة) أولاً، ومجموع العمادات يكوّنون مجلساً محلياً، ثم جهوياً فإقليمياً، بما يعني الذهاب أكثر نحو العمق المحلي، وهذا تكريس للجماعات المحلية وخدمة للمحليات".

واستدرك عويدات بالقول إنّ "هذا سيطرح إشكالات متعلقة بالتزكيات للترشح وتقسيم الدوائر البلدية من جديد، وهل سيتم اعتماد العمادات على الشاكلة القديمة أو سيتم تغييرها بتوزيع جغرافي جديد".

ورأى أنه "كان من المفروض أن يتم ذلك مع مجلس نواب الشعب الجديد، وبعد أن صدر المرسوم لا نعلم هل يمكن إعادة النظر فيه من خلال تجويد القانون وتحسينه لخدمة الصالح العام".

المساهمون