مجزرة ود النورة وسط السودان: إدانات واسعة ودعوات لوقف النار والمحاسبة

06 يونيو 2024
تظاهرة تضامنية في باريس مع ضحايا مجزرة الجنينة، 12 أغسطس 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في ولاية الجزيرة بالسودان، قوات الدعم السريع ترتكب مجزرة في قرية ود النورة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 مدني وإصابة المئات، وتثير إدانات واسعة ودعوات لوقف إطلاق النار ومحاسبة الفاعلين.
- الجنرال عبد الفتاح البرهان يعلن عن رد قاسٍ على جرائم المليشيا دون تفاوض، بينما تبرر قوات الدعم السريع المجزرة كرد على تحركات مزعومة لـ"مليشيا البرهان".
- المجزرة تذكر بمجازر سابقة منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، مع دعوات من الأحزاب والتحالفات السياسية لتشكيل لجان تقصي حقائق وإيقاف الحرب لحماية المدنيين.

تعيد مجزرة ود النورة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، الأربعاء، في ولاية الجزيرة وسط السودان، إلى الأذهان سلسلة من المجازر التي وقعت منذ الخامس عشر من إبريل/ نيسان الماضي، تاريخ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني و"الدعم السريع". ولقيت مجزرة ود النورة إدانات واسعة من مختلف الأحزاب والناشطين في السودان، داعين إلى وقف إطلاق النار والبدء بحل شامل، ومحاسبة الفاعلين قضائياً.

تفاصيل مجزرة ود النورة

ووقعت المجزرة، أمس الأربعاء، حينما حاصرت عشرات العربات القتالية التابعة لقوات الدعم السريع القرية، وتمركزت بداية خارجها مطلقة نيران مدفعيتها وأسلحتها الخفيفة، قبل أن يقتحم القرية عناصر "الدعم السريع" بقوة من المشاة تواجهها مقاومة متواضعة وبأسلحة تقليدية من الأهالي، لتكون الحصيلة عدداً غير محصور بدقة حتى الآن من الضحايا، لكن من المؤكد أنه يفوق 100 من المدنيين، وإصابة المئات منهم تم نقلهم إلى مستشفى مدينة المناقل القريب.

وقالت لجنة المقاومة، وهي واحدة من العديد من المجموعات في أنحاء السودان التي اعتادت تنظيم تظاهرات مؤيدة للديمقراطية، إنّ قوات الدعم السريع "هاجمت القرية مرتين"، أمس الأربعاء، بالمدفعية الثقيلة، مضيفةً أنها في "انتظار العدد الفعلي للشهداء والمصابين وأسمائهم".

من جانبه، قال أحد السكان، وهو خارج المنطقة حالياً، مفضلاً عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنّ بعض سكان القرية واصلوا اليوم نزوحهم سيراً على الأقدام لعدم توفر السيارات التي نهبتها "الدعم السريع". وأشار إلى عدد من النازحين الذين توجهوا إلى ولاية النيل الأبيض، فيما توجه آخرون إلى مناطق العزازي القريبة من المنطقة، وذلك للنجاة بأنفسهم. ولفت إلى أن السكان حملوا معهم آلاماً وجروحاً عميقة لن تمحى من ذاكرتهم.

وأوضح المصدر ذاته أنّ "مليشيا الدعم السريع عادت إلى القرية صباح اليوم، وبدأت بتمشيط المنطقة، وتفتيش المنازل بحثاً عمّن تبقى من أهل القرية وعن الأموال لنهبها"، مشيراً إلى أنّ طيران الجيش أغار على تمركزات لقوات الدعم السريع في الحي الجنوبي للقرية دون حصولهم على تفاصيل حول نتائج الغارة.

الجيش يتوعد بالرد وقوات الدعم السريع تبرر

وقال رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان، إنّ الرد على "جرائم المليشيا بحق شهداء ود النورة سيكون قاسياً"، وأضاف خلال خطاب له، اليوم الخميس، من قيادة الفرقة 18 مشاة بمدينة كوستي، أنّ الجيش "سيقاتل مليشيا الدعم السريع الإرهابية للنهاية حتى لو بقي آخر جندي في القوات المسلحة".

وأكد البرهان أنه "لا تفاوض أو جلوس مع داعمي المليشيا من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية أو تحالف الحرية والتغيير"، وذكر أنّ لدى الجيش فيديوهات موثقة تثبت تورّط المدعو يوسف عزت، وهو مستشار لقوات الدعم السريع، وشروعه في تسجيل ثمانية بيانات للإذاعة وخمسة بيانات للتلفزيون لإعلان الاستيلاء على السلطة، سيتم عرضها على الرأي العام قريباً.

ولجأت قوات الدعم السريع إلى تبرير مجزرة ود النورة، بالقول إنّ ما أسمتها "مليشيا البرهان" و"كتائب المجاهدين"، حشدت قوات كبيرة في ثلاثة معسكرات غرب المناقل في منطقة ود النورة بولاية الجزيرة بغرض الهجوم على قواتها في جبل الأولياء، جنوب الخرطوم. وأضافت أنها بادرت، صباح الأربعاء، بالهجوم على ثلاثة معسكرات غرب وجنوب وشمال منطقة ود النورة تابعة لـ"مليشيا البرهان" ومجموعات مساندة، مشيرة إلى أنها "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تحركات أو تجمعات للعدو".

غير أنّ الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله، وزّع على وسائل الإعلام تصريحات صوتية نفى فيها كل ما جاء في بيان قوات الدعم السريع. وأكد عبد الله عدم وجود أي معسكرات في قرية ود النورة مكان المجزرة، ولا في القرى الأخرى التي اجتاحتها "الدعم السريع" من قبل. وتوعّد عبد الله، بـ"دفع الدعم السريع الثمن غالياً إزاء تلك التصرفات والتجاوزات غير الأخلاقية التي لا تتسق إطلاقاً مع أي قانون أو عرف دولي للقتال ولن تمرّ مرور الكرام، ولن تمرّ بدون عقاب".

وأمس الأربعاء، أصدر مجلس السيادة الانتقالي بياناً دان فيه المجزرة، ودعا فيه المجتمع الدولي للإدانة ومحاسبة المرتكبين. ووجد البيان انتقاداً حاداً، ورآه البعض "دليلاً كافياً على عجز الحكومة عن فعل شيء لحماية المدنيين سوى إصدار بيان إدانة أو اللجوء للمجتمع الدولي".

مجازر قبل ود النورة

وتعيد مجزرة ود النورة للأذهان مجازر أخرى وقعت منذ الخامس عشر من إبريل/ نيسان من العام الماضي، تاريخ انطلاق أول شرارة للقتال بين الجيش و"الدعم السريع". ومن أبرز هذه المجازر مجزرة مدينتي الجنينة وأردمتا في ولاية غرب دارفور في يوليو/ تموز الماضي، حيث قتل خلالها ما لا يقل عن 5 آلاف شخص، بحسب منظمات دولية. وهي المجزرة التي صنفت جريمة حرب وإبادة جماعية ضد قبيلة المساليت بواسطة قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة. كما تعيد مجزرة ود النورة للأذهان ما حدث في نيالا وفي قرى أخرى بولاية الجزيرة ذاتها مثل التكينة والحرقة وقرى الحلاوين.

قوات الدعم السريع ترتكب مجزرة مروّعة في ود النورة

ولقيت مجزرة ود النورة إدانات واسعة من مختلف الأحزاب والتيارات السياسية، مثل حزب الأمة القومي والمؤتمر السوداني والحزب الاتحادي الأصل. وجاءت آخر ردود الفعل من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية؛ أكبر التحالفات السياسية المناهضة للحرب، حيث أصدر ناطقها الرسمي بكري الجاك، بياناً قال فيه، إنهم في التنسيقية "يدينون وبأشد العبارات الانتهاكات الجسيمة التي قامت بها قوات الدعم السريع في حق المدنيين في الجزيرة". ودعا البيان طرفي القتال إلى الابتعاد عن مناطق المدنيين والكف عن تجنيدهم وتسليحهم في كل مناطق القتال.

كما جدد الجاك الدعوة للجيش وقوات الدعم السريع إلى "الوقف الفوري وغير المشروط لإطلاق النار، والشروع في ترتيبات لحماية المدنيين، تبدأ بخروج قوات الطرفين من المدن والقرى والدخول في حوار للوصول إلى حل شامل ينهي الحرب ويضمد جراحات السودانيين".

ولاحقاً، مضى حزب التجمّع الاتحادي في ذات الاتجاه، وقال في بيان له، إنّ "الاعتداءات والهجمات المتكررة التي ما زالت تشنّها قوات الدعم السريع على قرى غرب وجنوب ولاية الجزيرة وكل ما يصاحبها من قتل وسحل واعتقالات وترويع ونهب وتشريد، لهي إمعان في انتهاك حدود حماية المدنيين في النزاعات". وأوضح التجمع أنّ مجزرة ود النورة "ما هي إلا إضافة لقائمة طويلة من الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي وقعت على آلاف الضحايا الأبرياء من المدنيين منذ اندلاع حرب 15 إبريل".

ودعا الحزب كل الجهات القانونية المختصة بمجلس حقوق الإنسان ومجلس الأمن بالأمم المتحدة والمحاكم ذات الصلة المحلية والإقليمية والدولية، إلى تشكيل لجان مستقلة لتقصي الحقائق وتوثيق كل الجرائم والانتهاكات التي ترقى في تصنيفها لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وأكد أنّ "تلك الجرائم الشنيعة لا يمكن التغاضي أو السكوت عنها، ولا رادع لها إلا بالمحاسبة القضائية العادلة التي تنصف كل الضحايا والمتضررين وتوقع العقاب الناجز على كل مرتكبي هذه الفظائع والمتورطين فيها".

واستطرد البيان بقوله إنّ "الضغط من أجل إيقاف هذه الحرب هو واجب إنساني وأخلاقي على كل الفاعلين من القوى السياسية والمجتمع المدني السوداني كما هو واجب على كل منحاز للعدالة ولحماية الإنسان وحقوقه".

وقال محمد عبد الحكم القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير، إنّ "قتل وسحل العشرات من مواطني قرية ود النورة في الجزيرة، هما مجزرة حقيقية، وإمعان في الوحشية". ونبّه عبد الحكم إلى أنّ "الانتهاكات الضخمة التي تحدث لمواطني الجزيرة من قبل قوات الدعم السريع، ينبغي أن تؤدي لاتخاذ موقف حاسم من تداعيات الحرب وانتهاكات طرفي النزاع في حربهما العبثية على الوطن والمواطن".

وأضاف عبد الحكم لـ"العربي الجديد"، أنّ "تلك الجريمة البشعة تمثل تأكيداً حقيقياً لعدم اكتراث طرفي النزاع لاحترام حقوق المدنيين في الحروب والقوانين والمعاهدات الدولية حول حماية المدنيين، والتي ظلا يركلاها باستمرار دون اكتراث". وأشار إلى أنّ الانتهاكات الجسيمة التي ترتكب في مدن وقرى الجزيرة "تتحمّل "الدعم السريع" مسؤوليتها الكاملة جنائياً وأخلاقياً، وهي من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، وتتوجب محاسبة جناتها في أقرب وقت ممكن". كما أنّ "هذه الجريمة تؤكد ضرورة جنوح طرفي النزاع للسلم، فالحرب لن تتوقف انتهاكاتها إلا بإنهائها وبشكل فوري"، بحسب عبد الحكم.

بدوره، سلّط لفتح الرحمن فضيل، رئيس حزب بناة المستقبل، الضوء على ما يراه "تقصيراً من قيادات الجيش في التعامل مع الانتهاكات الواسعة لمليشيا الدعم السريع بولاية الجزيرة، وتحديداً القرى التي تصدت للمليشيا ورفضت الاستسلام، حيث كانت هناك فرصة أمام الجيش لإمداد تلك القرى بالسلاح ولو عبر الإسقاط الجوي".

وبيّن أنّ "تلك القرى لن تستطيع عبر أسلحة خفيفة مقاومة المليشيا التي تقاتلها بالأسلحة الثقيلة والعربات القتالية". وزاد فضيل لـ"العربي الجديد"، أنه "ورغم دعمنا المطلق للجيش لكن حان الوقت لتوجيه انتقادات لقادة الجيش بعد مضي أكثر من عام على الحرب، والواجب يحتم تصويب الجيش بغرض المصلحة العامة بما فيها مصلحة الجيش".

وذكر أنّ قادة الجيش "منشغلون بتحركات خارجية وأمور سياسية والبقاء في بورتسودان البعيدة، دون التركيز على العمليات العسكرية، والواجب عليهم ترك كل ذلك وتشكيل حكومة حرب تعنى بإدارة الدولة وعقد الصفقات السياسية، خصوصاً أنهم (قادة الجيش) لم يقدموا حلاً عملياتياً عسكرياً ولا حلاً سياسياً، فلا أرض قطعوها ولا ظهر أبقوه".

المساهمون