ويأتي التفجير بينما يتهيأ زعيم حزب "العدالة والتنمية"، أحمد داود أوغلو، المكلف بتشكيل الحكومة، للبدء بالجولة الثانية من المحادثات مع باقي الفرقاء السياسيين، وفي ظل حملة أمنية تركية كبيرة على خلايا "داعش" في عدد من المدن التركية، وتشديد أمني على عبور اللاجئين السوريين، أدى إلى مقتل شاب سوري حاول العبور بشكل غير شرعي، بينما ما زال الجيش التركي يحشد قواته على الحدود مع سورية، تجهيزاً لما يبدو أنه نية تركية للتدخّل في سورية وإنشاء المنطقة العازلة التي تطالب أنقرة بها.
وأدى الانفجار، الذي ضرب منطقة سروج المواجهة لمدينة عين العرب السورية، بحسب والي أورفة عزالدين كوجوك، إلى مقتل أكثر من 30 شخصاً وإصابة ما يزيد عن مائة جريح، وسط مخاوف من ارتفاع عدد القتلى. ووقع الانفجار بينما كان ما لا يقل عن 300 شاب يساري من مختلف أنحاء تركيا، متواجدين في جمعية الشبيبة الاشتراكية في مركز عمارة الثقافي، كجزء من حملة الصيف للمساعدة في إعادة إعمار عين العرب، التي تقع مباشرة على الطرف الآخر من الحدود. ووقع الانفجار بينما كانت المجموع تتهيأ للذهاب إلى عين العرب للقيام ببعض النشاطات، منها إنشاء مكتبة عامة وحديقة، حيث إن مركز عمارة الثقافي تابع لبلدية سروج التي يسيطر عليها حزب "الشعوب الديمقراطي"، وكثيراً ما يستضيف المركز الصحافيين والمتطوعين الذين يودون العمل مع لاجئي عين العرب السورية.
ووُجهت أصابع الاتهام الرسمية من السلطات التركية إلى "داعش"، وتحدّثت الأنباء الأولية عن أن منفذ العملية فتاة انتحارية من التنظيم تبلغ من العمر 18 عاماً. وأكدت النائبة عن "الشعوب الديمقراطي" (ذي الغالبية الكردية)، بروين بولدان، بعد اجتماع اللجنة المركزية للحزب إثر الانفجار، أن الأمور تشير إلى أن الانفجار ناتج عن عملية انتحارية، الأمر الذي أكده أيضاً والي أورفة، ورئيس حزب "المناطق الديمقراطي" إسماعيل قبلان (أحد أجنحة العمال الكردستاني السياسية)، الذي قال "إن الانفجار ناتج عن عملية انتحارية، ضربت جمعية الشبيبة الاشتراكية المتواجدة في مركز عمارة الثقافي، حيث تم العثور على بقايا جثة الانتحاري".
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فدعا في أول تعليق له على الانفجار، إلى "حملة دولية لمكافحة الإرهاب". وقال خلال زيارة كان يقوم بها إلى الشطر الشمالي من قبرص، "نحن في حداد بسبب هذا العمل الإرهابي، أنا أندد وألعن باسم شعبي، مرتكبي هذه الوحشية"، مضيفاً "يجب إدانة الإرهاب، بغض النظر عن مصدره".
وبينما توجّه إلى مكان الانفجار كل من نائب رئيس الوزراء نعمان كورتولموش، ووزير الداخلية صباح الدين أوزتورك، ووزير الشؤون الاجتماعية والعمل فاروق جيلك، تم تشكيل طاولة أزمة في رئاسة الوزراء لمتابعة الأمر، فيما أشارت صحيفة "تركيا" المقربة من الحكومة التركية إلى أنه تم توجيه فوهات مدافع ودبابات وصواريخ الجيش التركي المحتشدة على الحدود، نحو الأراضي السورية. كما تم إعلان حالة الطوارئ فيما يخص طائرات الجيش التركي من دون طيار لمراقبة الحدود، ورُفعت حالة التأهب لجميع عناصر الجيش التركي على الحدود السورية في كل من ولاية كيليس وعنتاب وأورفة وهاتاي (لواء إسكندرون). وتشير التقارير الصحافية إلى أن عدد الجنود يتجاوز الـ65 ألف جندي، وأكثر من 200 دبابة وعربة مصفحة وناقلة جند.
اقرأ أيضاً: سورية ـ تركيا: تحرّكات لصيفٍ ساخن
يأتي هذا التفجير بعد اعتداء مماثل ضرب حشداً لـ"الشعوب الديمقراطي" أثناء الحملة الانتخابية في يونيو/حزيران الماضي، فيما بدا وكأن المعركة التي يديرها "العمال الكردستاني" بجناحه السوري (حزب الاتحاد الديمقراطي) ضد "داعش"، بدأت تنتقل إلى الأراضي التركية، وأيضاً في ظل تشديدات أمنية تركية، وقيام قوى الأمن التركية بحملات دهم واعتقال في كل من إسطنبول وإزمير ومدن تركية أخرى، لعدد من خلايا "داعش" في البلاد. بينما حصل تغيير واضح في خطاب الحكومة وترتيب لائحة أعدائها، إذ تراجع النظام السوري بقيادة بشار الأسد إلى المرتبة الثالثة، ليحل كل من "داعش" و"الاتحاد الديمقراطي" (بوصفه جناحاً للعمال الكردستاني) على رأس قائمة الأعداء، على الأقل في الخطابات العلنية.
وحذر النائب عن "العدالة والتنمية"، محسن كزلكايا، من خطورة العملية إن كان "داعش" يقف وراءها، قائلاً: "إن كان داعش وراء العملية، فإنه لن يبقى في سروج فقط، بل قد تنتهي تركيا كلها بسرعة إلى مصير كذاك الذي تعيشه سورية".
ومن المؤكد أن هذا الانفجار لن يمر مرور الكرام، بل ليس من المبالغة أن يقال إن ما بعد تفجير سروج لن يكون كما قبله، وذلك إن ثبتت مسؤولية "داعش" عن التفجير، فهذا سيكون بمثابة إعلان حرب صريح على أنقرة، وبالتالي ستضطر الحكومة التركية إلى الرد، ولن يستطيع أحد أن يمنعها من ذلك، سواء المعارضة التركية الداخلية أو حتى حلفاؤها في حلف شمال الأطلسي، أي الأوروبيين والإدارة الأميركية، ليبقى أمر حجم الانتقام التركي عرضة للنقاش.
ويبدو أن كل شيء بات جاهزاً للتدخل التركي في سورية، باستثناء أن تركيا تُدار بحكومة انتقالية اليوم؛ فالجيش التركي، ومنذ أسابيع، جاهز تماماً لجميع الاحتمالات، فالقوات محتشدة على الحدود، وكل ما كان ينقص التغطية الدولية والقرار الحكومي، والتفجير الكبير في سروج، سبب كافٍ لذلك، إذ سيكون الهدف "داعش"، بينما برى البعض أن العين تركز على النظام السوري، بل قد يصبح التدخّل التركي في سورية أمراً مرحباً به حتى لدى معارضي الحكومة، ما دام عدو العالم، أي "داعش"، هو الهدف. أما عن إيران وحلفائها، فلن يستطيعوا تقديم مبررات كافية أو مقنعة لمعارضة الانتقام التركي، الذي قد يتراوح بين هجوم جوي على التنظيم حتى التدخّل البري وإقامة أهم مطالب أنقرة بتشكيل منطقة عازلة محمية بالطيران، بالتعاون مع قوات المعارضة المعتدلة الموجودة في كل من أعزاز ومارع في ريف حلب، وأيضاً الكتيبة الصغيرة التي تم إدخالها إلى الأراضي السورية بعد إنهاء برنامج تدريب وتسليح قوات المعارضة السورية التي تسميها واشنطن "معتدلة" منذ أيام.
اقرأ أيضاً: "الجهاديون الأكراد"... صراع الانتماءين القومي والديني