استمع إلى الملخص
- شهادة الأسيرة نوعا أرغماني تلقي الضوء على استراتيجيات مختلفة لتحرير الأسرى، مع تأكيدات على سلوك المقاومة الفلسطينية في حماية الأسرى وتعاملهم بإنسانية.
- الحادثة تكشف عن استخدام الاحتلال لأساليب تشمل القتل العشوائي والتخفي في شاحنات المساعدات، ما يعد جريمة حرب، وتسويق اتهامات ضد "حماس" باستخدام المرافق الإنسانية للتخفي.
جيش الاحتلال أخطر على أسراه من الآسرين الذين اتخذوا وضع الحماية
أسرى يتحدثون عن أنهم كانوا يطهون ويمارسون الرياضة من حين لآخر
كتائب القسام أكدت أن الاحتلال قتل 3 من أسراه خلال مجزرة النصيرات
تشير معطيات مجزرة النصيرات التي استعاد فيها جيش الاحتلال أربعة من أسراه ومجزرة راح ضحيتها 274 فلسطينيّاً، فضلاً عن مقتل ثلاثة أسرى آخرين، إلى أنّ مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسام المكلّفين بالمراقبة اختاروا مواجهة قوة الاقتحام الإسرائيلية على التعرض للمحتجزين مباشرة، وهو نهج بدا أن المقاومة الفلسطينية حافظت عليه منذ اليوم الأول للحرب، كما تشهد على ذلك حوادث عدة.
وبحسب ما كشفته وسائل إعلام إسرائيلية، فإن القتيل الإسرائيلي الوحيد في مجزرة النصيرات (قائد فرقة في وحدة يمام في شرطة الحدود) كان على رأس القوة المهاجمة، وقتل فور دخوله إلى الموقع الذي احتجز فيه الأسرى الثلاثة، ألموغ مئير وأندري كوزلوف وشلومي زيف، ما يشير إلى أن جنود "وحدة النخبة" في كتائب القسام صوّبوا بنادقهم إلى الوجهة التي دخل منها جنود الاحتلال، رغم أنهم "كانوا نائمين قرب" الأسرى، وفق الشهادة التي أدلى بها مئير للقناة الثانية عشرة الإسرائيلية الاثنين.
في المقابل، كانت الأسيرة الرابعة، وهي نوعا أرغماني، الوحيدة التي أُخرجت من شقة ثانية تبعد بضع مئات من الأمتار عن الموقع الأول، وتشير شهادتها إلى أنها استيقظت على أصوات طرقات، وسمعت جنوداً يعلنون أنهم من الجيش الإسرائيلي وقد "جاؤوا لإنقاذهم"، فيما بدا لافتاً استخدام ضمير الجمع في الوقت الذي تغيب فيه أي تفاصيل في شهادة ألموغ عن وجود محتجزين برفقتها، علماً أن المتحدث باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، أعلن مقتل ثلاثة أسرى خلال الاقتحام.
وفي كل الأحوال، تتقاطع حادثة تحرير الأسرى الإسرائيليين خلال مجزرة النصيرات مع حوادث سابقة كان سلوك مقاتلي المقاومة فيها مماثلاً، وكان جنود الاحتلال أشدّ خطراً على أسراه من الآسرين الذين اتخذوا وضع الحماية. ومن ذلك الشهادة التي أدلت بها إحدى المحتجزات في مستوطنة "أوفاكيم" في ثاني أيام "طوفان الأقصى"، واسمها راحيل أدري، إذ كشفت أن خمسة مقاتلين من "كتائب القسام" كانوا جالسين بمحاذاتها وزوجها لحظة اقتحام وحدات "يمام" المنزل الذي يتحصنون فيه، وأنهم، وفق نص كلامها، "لم يطلقوا النار علينا حتى، بل تفرقوا مبتعدين نحو الغرف"، مضيفة أن "الرصاص كان يتطاير من فوقنا، ولا نعرف كيف نجونا".
وتكشف شهادة أخرى من موقع الحدث نفسه لأحد جنود "يمام"، واسمه يوسي أمزلغ، منشورة في موقع "واللا" في يناير/ كانون الثاني الماضي، عن قتال عنيف اندلع في البيت واستمر لفترة، أطلق خلالها المقاومون الفلسطينيون النار والقنابل اليدوية، وأصابوا ثلاثة من جنود الوحدة بجراح، في الوقت الذي لم يسمح فيه لابن المحتجزين في المكان، وهو عنصر في الشرطة كذلك، بالمشاركة لـ"أسباب عاطفية". وتشهد أدري على معاملة ودية تلقتها وزوجها من الآسرين، تخللتها محادثات باللغة العربية والعبرية، فيما تحدث زوجها، دافيد أدري، عن أن مقاتلي "القسام" شاركوه الاحتفال بعيد ميلاده الثامن والستين الذي صادف يوم الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول.
وتتطابق هذه الحادثة مع شهادة شهيرة أدلت بها المستوطنة ياسمين بورات في برنامج "هبوكير هزيه" في هيئة البث الإسرائيلية الرسمية (كان)، قبل أن تحذف بالكامل من سجلاتها. وقالت بورات إن 40 مقاتلاً من "حماس"، دخلوا منزلاً كانت تتحصن به و11 محتجزاً آخرين، عاملوهم بـ"إنسانية"، مضيفة أنهم "كانوا يهدئون من روعنا، وكانوا يحرسوننا، وتركونا نتصل بالشرطة لأنهم أرادوا أن تصل الشرطة وأن يفاوضوهم على نقلنا إلى غزة"، ظنّاً منهم، استنتاجاً، أن قوات الاحتلال لن تعمد للتعرض إلى أسرى إسرائيليين.
غير أن ما حدث العكس تماماً، إذ كانت بورات أول من كشف أن قوات الاحتلال أطلقت النار صوب مقاتلي "حماس" والأسرى الإسرائيليين على حد سواء، بما شمل "قذيفتي مدفعية إلى داخل المنزل" الذي كان يتحصن فيه الجميع، "تبعهما هدوء تام". لاحقاً، أكدت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية، في تحقيق صحافي شمل مقاطع صوتية ومصورة من لحظة الحدث، أن دبابة أطلقت النار على أحد المنازل في مستوطنة "بئيري"، مسرح الأحداث الذي كانت بورات شاهدة عليها.
ويمكن القول إن تلك الشهادات تشير إلى عقيدة ثابتة لدى جنود "وحدة الظل"، وأولئك الذين انتدبوا لمهمة اقتحام المستوطنات الإسرائيلية، قائمة على حماية الأسرى، في ما قد يرقى أحياناً إلى التضحية. ذلك ما تؤكد عليه أيضاً شهادة الأسيرة الإسرائيلية السابقة، أغام ألموغ غولدشتاين، عن أن حرّاسها عمدوا إلى حمايتها وأمها بأجسادهم خلال إحدى المرات التي اقترب فيها القصف الإسرائيلي من دكّان كانوا يختبئون فيه "إلى درجة أنها شعرت بضربات معول على الأبواب"؛ وهذا بعد حديثها عن ظروف أسر تخللها اللعب بالورق وممارسة الرياضة والطهو وحرص الآسرين على تلبية سائر الطلبات.
وعلى غرار هذا كله، تكشف التفاصيل التي سُمح بنشرها من شهادة أرغماني، بمعزل عن ظهورها بصحة جيّدة، أنها عوملت على غرار كافة الأسرى السابق ذكرهم؛ إذ كانت تطهو بنفسها من حين لآخر، وكان يُسمح لها بالخروج لاستنشاق الهواء "متنكرة بزي امرأة عربية". زيادة على ذلك، فقد تعلّمت العربية خلال حجزها، وكانت ممثلة الأسرى الآخرين الذين كانوا برفقتها في السابق، ومنهم اثنان قُتلا بقصف إسرائيلي، قالت أرغماني إنها رأت الصاروخ يدخل المنزل حيث تسكن ولم تعتقد أنها ستنجو. توازياً مع ذلك، يروي مئير أنه ورفيقيه المطلق سراحهما كانوا يطهون ويمارسون الرياضة من حين لآخر، وفق ما نقلت عنه القناة الثانية عشرة الإسرائيلية.
التخفي خلف الوسائط الإنسانية خلال مجزرة النصيرات
في مقابل ذلك، شملت مجزرة النصيرات الدامية جريمة مركّبة، أوّلها القتل الصريح والعشوائي للأبرياء في سبيل إخراج "سيناريو هوليوودي بطولي"، وهو الوصف الذي تكرر في الصحف الإسرائيلية، إن لترميم صورة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أو صورة ساستها أمام الجمهور؛ وثانيها التخفّي في شاحنات مساعدات إنسانية وفي سيّارات نازحين مموّهة، وهو ما يسمّى في عرف القانون الدولي "جريمة حرب"؛ وثالثها أن دولة الاحتلال ما زالت تسوق الاتهامات لـ"حماس" باستخدام سيارات الإسعاف والمستشفيات ووكالات الغوث ومراكز النزوح كوسائط للتخفي، متخذة ذلك ذريعة لقصفها وتدميرها، وما لحق ذلك من مجازر بحق أطباء ومسعفين ومرضى ونازحين وعمال إغاثة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها الاحتلال إلى مثل تلك الجريمة المركّبة. ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، خلال واقعة سابقة حاول خلالها الاحتلال تخليص أحد أسراه في غزة، واسمه ساعر باروخ، كشفت كتائب القسام أن تلك العملية استبقت بقصف عنيف للمنطقة تبعه دخول قوات الاحتلال متستّرة في سيارات إسعاف، إيهاماً بأنها جاءت لنقل مصابين، قبل أن ينتهي الأمر بمقتل جندي وإصابة اثنين من أفراد القوة، وفق ما أقرّ به جيش الاحتلال في حينها.