متى تنتهي حالة الطوارئ في تونس؟

25 ديسمبر 2020
معارضة حقوقية واسعة لاستمرار حالة الطوارئ في تونس (شادلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيّد، اليوم الجمعة، تمديد حالة الطوارئ في كامل البلاد لمدة ستة أشهر، ابتداءً من 26 ديسمبر/ كانون الأول 2020 حتى 23 يونيو/ حزيران 2021.

وتعيش تونس في حالة طوارئ منذ أكثر من خمس سنوات، منذ أن أعلنها الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، إثر التفجير الانتحاري في تونس العاصمة، والذي أودى بحياة 12 عنصراً من الأمن الرئاسي، وجرى تجديد حالة الطوارئ دورياً منذ ذلك الوقت، بشهر وثلاثة أشهر إلى ستة، مستنداً إلى أمر قديم يعود إلى 1978.

 

وتعارض منظمات تونسية ودولية استمرار حالة الطوارئ، بمن فيها الرئيس قيس سعيد ذاته، فقد اعتبر في وقت سابق أنّ قانون الطوارئ غير دستوري، وقال لدى توقيعه تمديداً سابقاً إنّه كان مجبراً على إعلان تمديد حالة الطوارئ "كمن يمسك بجمرة".

ويتلاءم هذا الموقف مع قراءة أستاذ القانون الدّستوري، قبل أن يصبح رئيساً، إذ اعتبر  أن حالة الطوارئ تحولت إلى أداة من أدوات الحكم، مضيفاً "لا يمكن أن يتم إعلان حالة الطوارئ إلا إذا توفرت جملة من الشروط الموضوعية التي جاء بها الدستور، على غرار وجود خطر داهم يهدد كيان الجمهورية بحيث يتعذر معها السير العادي لدواليب الدولة". 

 

وينتظر التونسيون أن يبادر الرئيس بمبادرة تتلاءم مع هذه المواقف، خصوصاً وأن الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي كان تقدم بمشروع قانون جديد ينظم حالة الطوارئ، ولكنه يراوح مكانه في البرلمان ويتم تأجيل النقاش فيه كل مرة بسبب المعارضة الواسعة من منظمات حقوقية.

ودعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" البرلمان التونسي إلى التخلّي عن مشروع هذا القانون أو مراجعته بشكل شامل، بسبب منحه السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة لتقييد الحريات أو فرض الإقامة الجبرية أو تعليق عمل الجمعيات، بالإضافة إلى فرض قيود على التنقل وتفتيش المحلات ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والسينما والمسرح، من دون الحصول على إذن مسبق.

ويذكر الباحث محمد أنور الزياني، في دراسة نشرتها المفكرة القانونية حول هذا القانون بأنّ رئاسة الجمهورية أودعت في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 مشروع القانون الأساسي المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ مع طلب استعجال النظر فيه.

وتُعتبر المصادقة على مشروع هذا القانون ضرورية من أجل تعويض الأمر رقم 50 لسنة 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ، وذلك احتراماً لمقتضيات الفصل 65 من الدستور الذي ينصّ على ضرورة تنظيم المسائل التي تمسّ الحقوق والحريات بمقتضى قوانين أساسية.

ويعد تنظيم حالة الطوارئ  حالة استثنائية يمكن خلالها الحدّ من ممارسة العديد من الحقوق والحريات، نظراً لوجود خطر يهدد الأمن والنظام العام، ويتم في تونس إلى اليوم بمقتضى أمر رئاسي، وهو ما يعتبر خرقاً صارخاً لأحكام دستور 2014.

 

ويؤكد الزياني بالاعتماد على هذا الأساس أنه يجب وضع ضمانات في إطار مشروع هذا القانون الذي يتعلق بالحد من ممارسة الحقوق والحريات لكي لا يتم التعسف في إعلان حالة الطوارئ وتمديدها.

ومن المفيد، بحسب الزياني، أن يضع المشروع آلية تمكن السّلطة من ممارسة الرقابة بعضها على البعض وفق العديد من التجارب المقارنة، ففي المملكة المتحدة لا يكون إعلان حالة الطوارئ إلا بعد موافقة المجلس التشريعي على جميع الإجراءات المتخذة خلالها، وهو تقريباً الخيار الذي تم اعتماده أيضاً في بلجيكا، كما أنه في فرنسا لا يمكن التمديد في مدة حالة الطوارئ إلا بعد موافقة المجلس التشريعي.

وقال رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، جمال مسلم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه يتم، ومنذ 5 أعوام، تمديد حالة الطوارئ في تونس، ويفهم التمديد باعتبار الوضع العام وحماية للبلاد، و"لكن بما أنه قانون قديم ويعود إلى 1978، فإنه مرفوض رغم أنه يمكن للسلطة استعماله متى شاءت، ولكن ربما الحراك الاجتماعي الحاصل في تونس يجعل السلطة مقيدة ولا تستعمله بصفة مطلقة، غير أنه يبقى يحد من الحريات كلما تم استعماله". 

وشدد مسلم على أنّ مشروع القانون الذي أعدته وزارة الداخلية "مرفوض"، مشيراً إلى أنّه تم العمل في الرابطة بمعيّة عدة منظمات و"الاتحاد العام التونسي للشغل" و"النساء الديمقراطيات" ومكونات من المجتمع المدني على عديد من المقترحات والتي تعتبر بديلاً لهذا القانون ولمشروع القانون بضمانات أكثر. وبيّن أنّ "المشروع البديل يحتوي على ضمانات قضائية في تطبيق الحظر والإجراءات لا سلطة مطلقة لوزارة الداخلية". 

 

من جهته، يرى رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان، عبد الباسط بن حسن، أنّ "اعتماد قانون الطوارئ القديم صدر في ظروف خاصة من تاريخ تونس، ولا يمكنه أن يمثل حلاً للأخطار التي يمكن أن تهدد البلاد، ولا سيما الأمنية منها"، مبيناً أن التمديد المتواصل لإعلان هذه الإجراءات الاستثنائية منذ 2015 "لا يمكن أن يستمر لأنّ في ذلك خطراً كبيراً على الحريات التي نصّ عليها الدستور".

واعتبر بن حسن أنّ "تونس بحاجة اليوم إلى أن يعتمد قانون في الحالات الاستثنائية مثلما تنص على ذلك المادة 80 من الدستور، وأن يستجيب هذا القانون للتوازن ويضمن المعادلة بين حفظ أمن البلاد مما يتهددها والحفاظ على الحقوق والحريات والاتفاقات الدولية".  

وأشار إلى أنه طرح مشروع قانون لكنه جوبه بانتقادات كبيرة، خاصة من المجتمع المدني، لأنه يهدد الحريات ويعصف بالمكتسبات، و"ما يجب أن يطرح اليوم اعتماد قانون للحالات الاستثنائية يجمع بين أمن تونس وعدم تهديد الحقوق والحريات"، يختم بن حسن.

المساهمون