متاعب ترامب بين المحاكمات والانتخابات: هل يترشح من السجن في حدث ثالث بالتاريخ الأميركي؟

05 اغسطس 2023
مع صدور لائحة الاتهام الأخيرة يجد دونالد ترامب نفسه أمام برنامج حافل (Getty)
+ الخط -

مع صدور لائحة الاتهام الأخيرة بحق دونالد ترامب، يجد الرئيس الأميركي السابق نفسه أمام برنامج حافل بجلسات المحاكمات، يُرجح أن ينعكس على حملته للفوز في السباق إلى البيت الأبيض عام 2024.

ولا يزال مسار أحداث السنة المقبلة غير مؤكد على الجبهتين القانونية والسياسية، غير أن المخاطر بالنسبة للرئيس السابق البالغ 77 عاما كبيرة جدا.

لائحة اتهام أخرى مرتقبة

وُجه الاتهام لترامب في ثلاث قضايا جنائية وتلوح في الأفق لائحة اتهام رابعة. ومن المتوقع توجيه الاتهام له بعد فترة قصيرة على خلفية محاولاته قلب نتائج انتخابات 2020 في جورجيا.

كما من المتوقع أن يمثل ترامب أمام المحكمة في نيويورك في مارس/آذار بشأن مبالغ دفعت "لإسكات" ممثلة إباحية قبيل انتخابات 2016.

غير أن مدعي مانهاتن ألفين براغ أشار إلى أنه سيكون منفتحا على تغيير الموعد بما يسمح بإجراء المحاكمتين الفيدراليتين، علما أن القرار النهائي يعود للقاضي.

ودعي ترامب للمثول أمام المحكمة في مايو/أيار بتهمة إساءة التعاطي مع مستندات حكومية بالغة السرية بعد مغادرة البيت الأبيض.

غير أن القضية الأكثر خطورة هي التي رفعها ضده المستشار الخاص جاك سميث بتهمة التآمر لقلب نتيجة انتخابات 2020.

وسيُحدد موعد للمحاكمة التي ستجرى في واشنطن في جلسة في 28 أغسطس/آب أمام القاضية الأميركية تانيا تشاتكان.

ومن المتوقع أن يطلب محامو ترامب إرجاء النظر في قضية التآمر إلى أبعد وقت ممكن، والأفضل بالنسبة لفريقه إلى ما بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

وقال تاي كوب، الذي كان مستشارا خاصا في البيت الأبيض خلال عهد ترامب قبل أن ينقلب عليه، لشبكة "سي أن أن" التلفزيونية، أن مثل ذلك الإرجاء غير مرجح.

وستسعى تشاتكان لتحريك القضية "بسرعة" بحسب كوب، وفي نفس الوقت ضمان حقوق ترامب كمتّهَم.

وأضاف كوب: "أعتقد أن النظر في هذه القضية سيبدأ بعيد مطلع العام، ولن أُفاجأ إذا ما كانت الأولى في الجدول".

وتوقع أن يحتاج المدعون "حوالى أربعة إلى ستة أسابيع لعرض قضيتهم".

وفي هذا السياق، أصدر سميث مساء الجمعة، مذكّرة حضّ فيها قاضية فدرالية على إصدار أمر احترازي في ما يتعلّق بالأدلة التي تُكشف في مرحلة ما قبل المحاكمة، لمنع الرئيس السابق من كشف تفاصيل القضية.

ويأتي التطور الأخير بعد ساعات على تجاهل ترامب تحذيراً كان قاضٍ قد وجّهه إليه بوجوب عدم مناقشة القضية مع أي من الشهود المحتملين، بنشره ما اعتبر تهديداً صارخاً على شبكته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال". وجاء في منشور الرئيس السابق "إذا لاحقتموني، فسوف ألاحقكم".

وجاء في مذكرة سميث أن "جل ما يسعى الأمر المقترح إلى منعه هو النشر أو الاستخدام غير المناسب لمواد تم كشفها" في مرحلة ما قبل المحاكمة، "بما في ذلك للعامة". وأضافت المذكرة أنه في حال أصدر المدعى عليه منشورات علنية بشأن تفاصيل أو ما صدر عن هيئة المحلفين خلال عملية كشف الأدلة في مرحلة ما قبل المحاكمة، "فإن هذا الأمر يمكن أن يكون له تأثير ضار ومخيف على الشهود، أو أن يؤثر سلباً على الإدارة المنصفة للعدالة في هذه القضية".

وسارعت حملة ترامب للرد على المذكرة. ونقل بيان للحملة اليوم السبت، عن متحدث باسم ترامب قوله، إن المنشور على شبكة "تروث سوشال"، "هو خطاب سياسي"، معتبراً أن الملياردير البالغ 77 عاماً كان يشير إلى خصومه السياسيين، وليس إلى أفراد على صلة بقضية التدخل في الانتخابات.

لكن لا يبدو حتى الآن أن متاعب ترامب القانونية نالت من الدعم القوي له بين الناخبين الجمهوريين، ومن مسعاه للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض السباق الرئاسي في 2024.

ويتقدم ترامب بفارق كبير على أقرب منافسيه حاكم فلوريدا رون ديسانتيس بنسبة 54 بالمائة مقابل 17 بالمائة، حسب ما أظهر استطلاع أجرته مؤخرا صحيفة نيويورك تايمز وجامعة سيينا.

وتبدأ اجتماعات المجالس الانتخابية (كوكس) والانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات 2024 في يناير/كانون الثاني، وسيُعقد المؤتمر الذي سيُعلن فيه عن المرشح في 15 إلى 18 يوليو/تموز في ميلووكي بولاية ويسكونسن.

وقد تعني مختلف دعاوى ترامب الجنائية أن يمضي الرئيس السابق وقتا في المحكمة بمقدار ما يمضيه في الحملة الانتخابية إن لم يكن أكثر.

وقال أستاذ القانون في جامعة إيلينوي شيكاغو ستيفنن شوين: "لم نشهد على الإطلاق مرشحا متقدما لحزب سياسي يسعى للقيام بحملته وهو يواجه عدة لوائح اتهام، لذا لا نعلم في الحقيقة كيف سيتطور هذا الأمر".

وقال المدعي العام السابق دانيال ريتشمان، الأستاذ الحالي في جامعة كولومبيا، إن البند 43 في القانون الفيدرالي يحتم أن يكون المتهم حاضرا للمحاكمة.

وأوضح أن "البند لا يتيح للمدعى عليه أن يقرر أن لديه أشياء أهم يقوم بها، ويبقى أن نرى ما إذا كانت المحاكم ستطبق استثناء عندما تكون (تلك الأشياء) هي الترشح للرئاسة".

من ناحيته، توقع أستاذ القانون في جامعة ريتشموند كارل توبياس أن يحاول القضاة الذين ينظرون في محاكمات ترامب "تلبية جدوله الزمني إلى الحدّ الذي يقدم فيه طلبات معقولة للتغيب".

ويمكن لترامب أيضا أن يستمر في ترشحه للانتخابات حتى في حال إدانته في قضية جنائية أو أكثر، فلا شيء في الدستور يمنع مداناً من خوض السباق إلى البيت الأبيض.

سابقتان في التاريخ الأميركي

في هذا الصدد، يبرز التساؤل، هل يخوض دونالد ترامب حملته من خلف القضبان؟ لا يزال هذا الاحتمال غير مؤكد، لكنه ليس فرضية من الخيال. فقد سبقه إلى ذلك رجلان في التاريخ الأميركي.

إنهما يوجين في ديبس، الذي ترشح للرئاسة عن الحزب الاشتراكي الأميركي من السجن عام 1920 وليندون لاروش الذي كان مرشحاً دائماً للرئاسة الأميركية بين 1976 و2004، وفي إحدى المرّات، كان موجودًا في السجن (ما بين عامي 1989 و1994). وعلى غرارهما، أكد ترامب أنّه لن يضع حدّاً لحملته حتى لو صدر حكم بحقه.

في ما يأتي قصة القيادي النقابي والناشط اليميني المتطرف اللذين تصدرت أخبارهما الحملات الانتخابية.

ديبس المناهض للرأسمالية

لا يعني اسمه الشيء الكثير بالنسبة إلى الجمهور العريض اليوم. لكن يوجين في ديبس المولود العام 1855 كان شخصية سياسية معروفة تحتل عناوين الصحف على الدوام.

يبقى شخصية محورية بالنسبة إلى ناشطي اليسار الأميركي. حتى إن عضو مجلس الشيوخ بيرني ساندرز، وهو أحد المعجبين به، أنجز وثائقيا العام 1979 عن ديبس، المناهض الشديد للرأسمالية والذي جال في مختلف أنحاء البلاد مدافعا عن حقوق العمال.

كان في خمس مرات مرشح الاشتراكيين للانتخابات الرئاسية. وقد خاض معركة 1920 من زنزانة في أتلانتا بعدما حكم عليه بالسجن عشرة أعوام لدعوته في صيف 1918 إلى مقاومة التجنيد الإلزامي لخوض الحرب العالمية الأولى.

وخاطب هيئة المحلفين خلال محاكمته قائلا: "اتهمت بأنني وقفت عائقا في وجه الحرب. أقر بذلك أيها السادة، انا أكره الحرب".

انتهى الأمر بـ"المعتقل الرقم 9653" بنيل أكثر من 900 ألف صوت في العام المذكور، قبل أن تُخفّف عقوبته العام 1921 ويفرج عنه، لكن نجمه سرعان ما أفل بعد خمسة أعوام.

لاروش صاحب نظرية المؤامرة

خاض ليندون لاروش السباق إلى البيت الأبيض ما لا يقل عن ثماني مرات، بحيث ترشح مرارا بين 1976 و2004.

ولد هذا الناشط اليميني المتطرف وصاحب نظرية المؤامرة في العام 1922، وبدأ مسيرته السياسية في اليسار المتطرف بعد الحرب العالمية الثانية قبل أن يؤسس حزب العمال الأميركي الذي ترشح تحت رايته العام 1976.

وانضم لاحقا إلى السباق كديمقراطي مثيرا غضب الحزب، أو كمستقل.

توفي العام 2019 عن 96 عاما. وتبنى خلال مسيرته نظريات اليمين المتطرف وصولا إلى اتهامه بمعاداة السامية، الأمر الذي نفاه.

واظب على الدفاع عن عدد من نظريات المؤامرة، من مثل أن ملكة بريطانيا ضالعة في تهريب المخدرات أو أن هنري كيسنجر كان "عميلا مؤثرا" للاتحاد السوفييتي.

مع نهاية ثمانينيات القرن الفائت، حكم على لاروش بالسجن 15 عاما بتهمة التهرب الضريبي. لكن ذلك لم يحل دون ترشحه لانتخابات 1992 من حيث كان في السجن الفيدرالي.

بثت له رسائل عن الاقتصاد أو التربية قام بتسجيلها داخل زنزانته. ولم تتجاوز حصته من الناخبين المؤيدين 26 ألف صوت.

وسبق أن وصفه روجر ستون، أحد المقربين من دونالد ترامب، بأنه "إنسان جيد"، مؤكدا أنه "ملم تماما بالفكر الاستثنائي والنبوي لليندون لاروش".

(فرانس برس)