في توقيت لافت، تُجري القوات المسلحة الملكية المغربية، منذ الأحد الماضي، مناورات جوية - برية على مستوى القطاع العملياتي الشرقي القريب من الحدود مع الجزائر، بمشاركة وحدات عدة من الطيران الخفيف التابع للقوات البرية الفرنسية.
وتُعتبر المناورات، التي أطلق عليها اسم "الشركي" (اسم يطلق على رياح قارية شرقية تهب في الجزء الجنوبي من المغرب، وهي رياح حارة وجافة)، أولى الأنشطة الدولية التي تشرف عليها قيادة المنطقة العسكرية الشرقية حديثة التأسيس في المغرب، منذ تعيين قيادتها وهيئة أركانها رسمياً مطلع يناير/كانون الثاني الماضي.
دلالات ورسائل عديدة للمناورات المغربية الفرنسية
وتحمل المناورات الجو- برية بين القوات المغربية والفرنسية بتوقيتها ومكان إجرائها، دلالات ورسائل عديدة ذات أهمية كبيرة، لناحية ما تمر به المنطقة من تحوّلات وتغيّرات استراتيجية ستحدد مسار أوضاع الحرب والسلم فيها.
ومنذ أكثر من عام، تعيش المنطقة على إيقاع تطورات فارقة في تاريخها، وبالذات بعد تمكن الجيش المغربي في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، من تأمين معبر "الكركرات" الحدودي الفاصل بين المغرب وموريتانيا، بعد أسابيع من عرقلة محسوبين على جبهة "البوليساريو" حركة السير فيه، وما تبع ذلك من إعلان قيادات الجبهة وقف الالتزام بقرار وقف إطلاق النار الموقع عام 1991.
في حين شكّل اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، بسيادة المغرب على الصحراء، منعرجاً فعلياً للتدهور الدراماتيكي في العلاقات بين المغرب والجزائر.
تأتي المناورات المغربية قبل أيام من بدء الجيش الجزائري مناورات على مقربة من الحدود الشرقية للمغرب
وظهرت بعد هذه الخطوة مؤشرات للتصعيد بين البلدين من خلال سلسلة من الإجراءات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، وصولاً إلى إعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في 24 أغسطس/آب الماضي، وإطلاقها تهديدات بعد اتهام الرئاسة الجزائرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، المغرب، بقصف شاحنتين جزائريتين وقتل ثلاثة من المواطنين الجزائريين.
وفي ظل تزايد الهوة واتساع دائرة الخلاف خلال الأشهر الماضية، دخلت العلاقات بين الدولتين الجارتين نفقاً مظلماً أثار مخاوف من اقترابهما أكثر من حافة الهاوية، وجعل المنطقة ككل مفتوحة على احتمالين؛ إما استمرار التصعيد السياسي أو تحوله إلى مواجهة عسكرية.
مناورات جزائرية قرب حدود المغرب
وفي الوقت الذي تؤكد فيه الرباط أنها لن تنجرّ إلى مواجهة عسكرية مع الجزائر، تكتسب المناورات المغربية أهمية خاصة، لجهة توقيت تنفيذها، قبل أيام من بدء الجيش الجزائري مناورات عسكرية قتالية برية وجوية وبحرية واسعة النطاق في المنطقتين العسكريتين الثانية والثالثة غرب البلاد وعلى مقربة من الحدود الشرقية للمغرب، سيتم خلالها استخدام الذخائر الحية، بحسب وسائل الإعلام الجزائرية.
وإذا كانت المناورات العسكرية الجزائرية المرتقبة، كما سابقتها التي جرت في يونيو/حزيران 2021، تضع الرباط أمام تحديات جيو استراتيجية في محيطها الأمني، فإن مناورات "الشركي" تحمل كذلك رسائل عدة، منها إظهار القوة العسكرية القادرة على ردع أي خطر.
كما أنها تكشف عن بدء تنفيذ التحول اللافت في الاستراتيجية العسكرية المغربية بعد استحداث منطقة عسكرية في شرق البلاد على الحدود مع الجزائر.
وهذه هي المرة الأولى التي يولي فيها الجيش المغربي وجهه نحو شرق البلاد، لإقامة مناورات في المنطقة العسكرية التي سيتم بموجب قرار استحداثها في يناير الماضي، "تعميم النظام الدفاعي والعيش العسكري الخاص بالمنطقة الجنوبية على المنطقة الشرقية، للحد من الجريمة العابرة للحدود من التهريب والهجرة السرية وتجارة الممنوعات، وكذلك تعزيز قدرات الدفاع عن سلامة أرض الوطن".
وتمتد المنطقة الشرقية العسكرية المستحدثة من إقليم (محافظة) الراشدية جنوباً، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط شمالاً على شواطئ مدينة السعيدية في إقليم بركان، على حدود البحر الأبيض المتوسط مع الجزائر. وتبلغ المسافة بين النقطتين اللتين تمثلان حدود المنطقة العسكرية الجديدة أكثر من 600 كيلومتر طولاً.
مناورات "الشركي" تحمل رسائل عدة، منها إظهار القوة العسكرية القادرة على ردع أي خطر
رسائل مغربية للجزائر
في السياق، يرى الباحث في العلاقات الدولية نبيل الأندلوسي، أن المناورات التي تأتي في ظروف خاصة بعد استحداث منطقة عسكرية شرق المملكة وعلى مقربة من الحدود "هي رسالة ضمنية للقيادة والجيش الجزائريين، ورد على المناورات الجزائرية المرتقبة قرب المناطق الحدودية، وتأكيد على جاهزية الجيش المغربي لجميع الاحتمالات".
ويقول الأندلوسي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تصاعد الهجوم ضد المغرب من قِبل القيادة السياسية الجزائرية بعد قطع العلاقات الدبلوماسية، يستدعي الاستعداد لأسوأ السيناريوهات".
من جهته، يقول الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية محمد شقير، في حديث مع "العربي الجديد"، إن مناورات "الشركي" بين القوات المغربية والفرنسية "تحمل ثلاث دلالات عسكرية؛ تتمثل الأولى في تحسين جاهزية القوات العسكرية في المنطقة العسكرية الشرقية التي استحدثت أخيراً، والتي أثارت ردود فعل إعلامية وسياسية من الجزائر".
ويضيف "تتمثل الدلالة العسكرية الثانية في كون تلك المناورات تشكل رداً استباقياً على المناورات العسكرية التي أعلنت الجزائر عن إجرائها على الحدود الشرقية".
أما الدلالة العسكرية الثالثة، وفق شقير "فتتمثل في كون المناورات تجسد نوعاً من التحالف العسكري المغربي الفرنسي، في وقت تعرف فيه العلاقات السياسية بين هذين البلدين والجزائر توتراً دبلوماسياً بلغ حد قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وتوتراً حاداً وخفياً مع فرنسا".
ويلفت شقير إلى أن "من شأن ذلك أن يزيد من تخوفات الجزائر من هذا التحالف والنظر إليه على أنه نوع من التقارب بين البلدين ضدها".
لكن الباحث في العلاقات الدولية بوبكر أونغير، يستبعد ارتباط المناورات المغربية الفرنسية مع أي مناورات جزائرية، معتبراً أن "المغرب ماضٍ في تقوية الجيش وتجهيزه وتطوير قدراته الدفاعية باستثمار كل الإمكانيات التي يوفرها التعاون العسكري مع الدول الأخرى الصديقة والشريكة له".
ويلفت أونغير، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن مناورات "الشركي" تعمل على "إظهار جاهزية الجيش المغربي الدفاعية والهجومية وكذلك تجريب عدد من الأسلحة والتدرب على استعمال التقنيات الحديثة في القتال التي تحوزها القوات المسلحة الملكية".