ما وراء استطلاعات الرأي حول زعامة "حزب المحافظين" في بريطانيا

18 اغسطس 2022
تراس تتقدم على سوناك في السباق على زعامة حزب المحافظين (بول فايث/فرانس برس)
+ الخط -

يشير أحدث استطلاع للرأي أجرته شركة "يوغوف" لصالح "سكاي نيوز" إلى أنّ وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس ستفوز في السباق إلى "داونينغ ستريت" بشكل حاسم على منافسها وزير المالية المستقيل ريشي سوناك.

الاستطلاع الذي أجري مع 1089 عضواً من حزب المحافظين، وإن كان يمنح إجابات حاسمة في المحصلة، إلا أنّه يطرح في الوقت نفسه العديد من الأسئلة حول الانقسامات في صفوف الحزب وسط أزمة حقيقية يعيشها في طريقه للانتخابات العامة المقبلة المقررة في بداية العام 2024 على أبعد تقدير.

ويظهر الاستطلاع أنّ 66% من الأعضاء صوّتوا خلال الأسبوعين الماضيين لتراس، مقابل 34% لسوناك، بينما 13% لم يصوّتوا بعد وما زالوا متردّدين بين المتنافسين.

ويكمن السؤال هنا في مدى واقعية الصورة التي تعكسها استطلاعات مشابهة تنشرها الصحافة البريطانية عموماً، إذ يبدو واضحاً منذ الأسابيع الأولى للمنافسة أنّ معظم وسائل الإعلام اتّخذت قرارها بمساندة تراس، واليوم يكاد سوناك يكون غائباً عن المنافسة.

ويبقى أنّ الأعضاء الذين شاركوا في هذا الاستطلاع الأخير يبلغ مجموعهم 1089 من أصل 150 ألف عضو سيحسمون المنافسة؛ أي ما يعادل 6% فقط من مجموع الناخبين المحافظين.

كما يشير الاستطلاع إلى أنّ 55% من الأعضاء يعتقدون أنهم كانوا مخطئين في إجبار رئيس الوزراء بوريس جونسون على التنحّي، مقابل 45% ما زالوا يعتقدون أنهم كانوا على حق.

وكان استطلاع مماثل أجري داخل صفوف حزب المحافظين، قبل أسابيع، قد أكّد أنّ غالبية الأعضاء يتمنّون عودة زعيمهم "المخلوع"، وهنا أيضاً تطرح هذه الأرقام سؤالاً حول الأسباب التي تدفع الأكثرية للندم على رحيل جونسون قبل حتى أن يُحسم السباق.

فعادة ما يكون الفشل الذريع لسياسات الزعيم الجديد هو السبب الرئيسي في التحسّر على الزعيم الذي سبقه، ما الذي يدفع إذاً أكثرية أعضاء الحزب للتحسّر منذ الآن على جونسون سوى عدم إيمانهم بكلا المرشّحين وليس فقط بسوناك الذي بات واضحاً اليوم أنّ الأكثرية في الحزب تحاكمه على "الطعنة" التي وجهها لزعميهم وليس على سياساته وخططه.

ثم إن كانت النتيجة محسومة فعلاً لصالح تراس، "مرشّحة الاستمرارية" كما تروّج أغلب الصحافة وكما يحلو للمتشدّدين في الحزب تسميتها وهم اليوم يمثلون الأغلبية، فلماذا يعبّرون عن ندمهم على تنحّي جونسون؟

يظهر الاستطلاع من جهة أخرى أنّ الفارق بين تراس وسوناك لا يتجاوز 1%، إذا ما افترض أنهما يتنافسان على المنصب برفقة جونسون. إذ سيحصل الأخير، بحسب الاستطلاع، على 46% من الأصوات، مقابل 24% لتراس، و23% لسوناك، وهذا يعني أنّ وزير المالية المستقيل فقد شعبيته فقط لأنه استقال موجّهاً بذلك "طعنة" لجونسون، وأيضاً لأنه ينافس تراس وحدها، والتي تعتبر المرشحة المفضّلة لدى زعيم الحزب المستقيل، إذ تحاكي أفكاره وقد تضمن عودته في يوم من الأيام.

وتتقارب الأرقام لدى سؤال الأعضاء المشاركين عمّن سيكون الأفضل في منصب رئيس الحكومة، إذ صوّت 44% لصالح جونسون بينما حصلت تراس على النسبة ذاتها وسوناك كذلك، ما يطرح السؤال حول حجم الخيبة من خطط وسياسات كلا المرشّحين وليس سوناك فقط.

ففي حين اتّهم المرشّحان بالمغامرة بمستقبل حزب المحافظين نظراً لتشدّدهما وعدم التفاتهما لهموم الشارع العريض من الناخبين، يبيّن الاستطلاع الأخير أنهما يواجهان التهمة ذاتها في صفوف الحلقة الأضيق من الناخبين أيضاً في صفوف الحزب.

تقارير دولية
التحديثات الحية

وكان لافتاً أيضاً أنّ 40% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أنّ فوز تراس سيؤدي إلى برلمان معلّق أو أغلبية عمالية، أما بالنسبة إلى سوناك فكانت الأرقام أسوأ من ذلك، وهذا يعني أنّ عدداً لا يُستخفّ به من أعضاء حزب المحافظين غير راضٍ عن أداء تراس وغير مؤمن بما ستقدّمه من خطط وسياسات.

وللمرة الأولى، يُظهر استطلاع للرأي خاص بهذا السباق أنّ تراس، إذا فازت بحال صحّت التوقعات، فإنها ستفوز بشكل جزئي ومهين بعض الشيء.

ويطرح الاستطلاع أيضاً سؤالاً أساسياً عن التناقضات التي تغلّف آراء المحافظين؛ إذ يعتقد 63% أنّ الأولوية اليوم هي في السيطرة على التضخّم، بينما يعتقد 33% فقط أنّ تخفيض الضرائب يأتي في المرتبة الأولى؛ أي أنّ الأكثرية تؤمن بخطة سوناك في مواجهة التضخم لكنها ستصوّت لتراس، وهذا يعني أيضاً أنّ الملف الأهم اليوم هو الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، حيث فشلت تراس منذ الآن في إبراز قدرة على إدارته وإيجاد الحلول المناسبة له، والآتي أعظم.

وفي سياق متصل بتناقضات حزب المحافظين، يعتقد 52% أنّ على تراس تعيين سوناك في حكومتها، بينما يعتقد 35% أنّ عليها التخلّي عنه. وهذا يشير إلى أنّ أقلية فقط تمتلك وجهة نظر سيئة للغاية حول سوناك بينما ترجّح الأغلبية تفوّقه على منافسته في الملفات العالقة اليوم وعلى رأسها الملف الاقتصادي.

المساهمون