ما موقف فصائل المعارضة من التقارب التركي مع النظام السوري؟

07 يوليو 2024
تدريبات للجيش الوطني السوري المعارض في عفرين، 22 نوفمبر2022 (مصطفى بطيس/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **التوجه التركي للتقارب مع النظام السوري**: أعلن الرئيس التركي أردوغان عن انفتاحه على دعوة بشار الأسد لزيارة تركيا، مما أثار تساؤلات حول موقف فصائل المعارضة السورية في الشمال.

- **تشكيلات المعارضة السورية**: تتنوع الفصائل بين إسلامية ووطنية، وبعضها يتبع القرار التركي مثل "فرقة السلطان سليمان شاه"، بينما ترفض فصائل أخرى أي تسوية لا تحقق مطالب الثورة.

- **ردود الفعل والتحديات المستقبلية**: غالبية الفصائل والحاضنة الشعبية تعارض التطبيع التركي مع النظام السوري، وتركيا قد تحاول فرض اتفاقاتها بطرق مختلفة.

يفتح التوجه التركي للتقارب مع النظام السوري الباب أمام تساؤلات عن موقف فصائل المعارضة السورية في شمال البلاد من أي حلول سياسية أو تسويات مؤقتة ربما تفرض عليها من قبل الجانب التركي، ولا تلبّي الحدود الدنيا من مطالب الشارع السوري المعارض الرافض خطط التقارب التركي مع النظام السوري. وأبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات صحافية له أول من أمس الجمعة، انفتاحه على توجيه دعوة لرئيس النظام السوري بشار الأسد لزيارة تركيا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إطار تحرك يستهدف استعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، في تكريس لنهج تركي بدأ أواخر عام 2022 لإنهاء القطيعة مع الأسد. وقال الرئيس التركي إن مسلحي تنظيم "داعش" والتنظيمات المسلحة الكردية هم فقط من يعارضون التقارب التركي مع النظام السورية وتطبيع العلاقات التركية السورية، في إشارة إلى أن الفصائل السورية المعارضة لا تمانع التوجه التركي.

تشكيلات لا تقوى على الاعتراض

وتشي تصريحات أردوغان بأن دبلوماسية الباب الخلفي التي تمارسها روسيا لتجسير هوّة الخلاف بين أنقرة ودمشق قطعت أشواطاً بعيدة، وربما تشهد العلاقة بين تركيا والنظام السوري تحسناً ينهي عداء بدأ في عام 2012 على خلفية أحداث الثورة ورفض الأسد أي مسعى تركي لتطويق الأزمة قبل استفحالها. وجاء استبعاد أردوغان فصائل المعارضة السورية من قائمة الرافضين لأي تطبيع مع الأسد، ليفتح الباب أمام أسئلة تتعلق بموقف هذه الفصائل التي انضوت قبل سنوات في تشكيل واحد هو "الجيش الوطني السوري" المعارض، إلا أنها حافظت على النزعة الفصائلية، وهو ما يفقدها مرجعية واحدة للقرار، ما يفتح الباب أمام خلافات كبرى في حال فرض ضغوط عليها من تركيا لإجراء تسويات مع النظام.

هناك فصائل محلية سورية عدة قرارها تركي بشكل كامل، أبرزها فرقة السلطان سليمان شاه

وتنشط في شمال سورية وشمالها الغربي العشرات من الفصائل المتباينة في الهدف والرؤية، فبعضها ذو توجه إسلامي واضح وأخرى تدور في فلكه، وفصائل أخرى تطرح برامج وطنية تتساوق مع أهداف الثورة السورية. وهناك فصائل محلية سورية عدة، قرارها تركي بشكل كامل، أبرزها "فرقة السلطان سليمان شاه" التي يقودها محمد حسين الجاسم الملقب بـ"أبو عمشة"، و"فرقة الحمزة" التي يقودها المدعو سيف بولاد الملقب بـ"أبو بكر". وفرضت وزارة الخزانة الأميركية العام الماضي على الفصيلين عقوبات لتورطهما في "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في منطقة عفرين"، الواقعة في أقصى الريف الشمالي الغربي لحلب. وإلى جانب هذين الفصيلين، هناك فصيل يحمل اسم فرقة "السلطان مراد" يقوده فهيم عيسى الذي يتماهى تماماً مع الرؤية التركية، لذا ليس من المتوقع أن يقف ضد أي توجه تركي لجهة التقارب مع الأسد.

في المقابل، هناك تشكيلات عسكرية سورية معارضة، من المتوقع ألا توافق على التطبيع أو التقارب التركي مع النظام السوري تحت أي ذريعة، لعل في مقدمتها "الجبهة الشامية" التي تشكلت في عام 2014 من اتحاد العديد من فصائل حلب وريفها، وتتخذ من مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي مستقراً لها. وأشارت دراسة بحثية أصدرها مركز حرمون للدراسات المعاصرة، العام الماضي، إلى أن عناصر فصيل "الجبهة الشامية" لا يقاتلون "بهدف الحصول على المال"، كما أن مقاتليه وعناصره محليون.

وأعرب أحد الباحثين المواكبين للمشهد الفصائلي في شمال سورية، فضّل عدم ذكر اسمه في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "فصائل السلطان سليمان شاه والحمزة والسلطان مراد، لن تقاوم التوجه بشأن التقارب التركي مع النظام السوري وستذهب للتسوية مع النظام، إضافة إلى فيلق الشام". ورأى الباحث أن هناك العديد من الفصائل "سترفض أي تسوية أو مصالحة مع النظام غير قائمة على تنفيذ القرار الدولي 2254، ولا تحقق الحد الأدنى على الأقل من مطالب الثورة، وفي مقدمتها الجبهة الشامية وفرقة المعتصم وفصيل أحرار الشام"، مضيفاً: "سيضغط عليها الجانب التركي لتقبل". وأشار إلى أن "أي عملية تسوية في الشمال السوري ربما تمتد لعدة سنوات"، لافتاً إلى أن "تفكيك التعقيد في الخريطة الفصائلية ليس بالعملية السهلة، وخصوصاً إذا كان الحلّ غير مرضٍ للشارع السوري المعارض، ولا يقوم على استبعاد بشار الأسد عن السلطة". وتابع: "السوريون في الشمال قدموا تضحيات جسيمة في سبيل نيل حرّيتهم، لذا سيقاومون أي حلول تبقي النظام على ما هو عليه اليوم. أعتقد أن الجانب التركي يدرك ذلك جيداً".

مصطفى البكور: ستحاول أنقرة فرض اتفاقاتها مع روسيا والنظام السوري على الفصائل بطرق مختلفة

وفي الشمال الغربي من سورية، تنشط العديد من الفصائل المنضوية ضمن "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تشكلت في عام 2018 من تحالف فصائل ذات أبعاد وطنية، من المتوقع أن ترفض أغلبها التقارب التركي مع النظام السوري وأي تسوية محتملة مع النظام غير خاضعة للقرارات الدولية.

أردوغان يسّوق التقارب التركي مع النظام السوري

وتعليقاً على تصريحات أردوغان، قال العقيد مصطفى البكور، وهو قيادي في الجبهة الوطنية للتحرير: "هو (أردوغان) يحاول أن يسوق بأن المنظمات المصنفة إرهابية فقط هي من تعارض التطبيع مع الأسد، وهذا كلام غير دقيق". وتابع: "غالبية الفصائل والحاضنة الشعبية للثورة تعارض التطبيع التركي مع النظام السوري، وخصوصاً أن تركيا كان لها دور كبير عبر مسار أستانة في ما وصلت إليه الثورة الآن من ضعف وانقسامات". وأشار إلى أن التظاهرات التي جرت في الشمال السوري والأحداث التي عصفت به خلال الأيام القليلة الماضية "تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن أغلبية الفصائل المقربة من تركيا تعارض التطبيع". ورجّح البكور أن تحاول أنقرة فرض اتفاقاتها مع روسيا والنظام السوري على الفصائل بـ"طرق مختلفة"، مضيفاً أن "مواقف الفصائل ستتبلور خلال الأيام المقبلة". ويعد الشمال السوري منطقة نفوذ تركي بلا منازع، وينشر الجيش التركي آلاف الجنود في محافظة إدلب وله قواعد هناك، وفي ريف حلب الشمالي حيث يحتفظ أيضاً بقواعد عدة تضاف إلى قواعد أخرى شرقي نهر الفرات في منطقتي تل أبيض ورأس العين.

ورأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات رشيد حوراني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن انخراط الفصائل في المسارات السياسية كمساري أستانة وجنيف، يعني قبولها الحل السلمي والتغيير السياسي في سورية، ولا يعني على الإطلاق القبول بالنظام. وتابع: التصريحات التركية عن إعادة العلاقات مع النظام جميعها مرتبطة بشرط إجراء الإصلاحات الدستورية وإقامة حكم ديمقراطي في سورية، وهو ما لن يقبل به النظام الذي يبدو عاجزاً عن تقديم ما تطلبه تركيا منه بما يتعلق بمواجهة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرقي سورية.