ما مصير العلاقات الروسية التركية بعد قبول انضمام فنلندا والسويد لـ"الناتو"؟

01 يوليو 2022
توقعات باستمرار التعاون بين روسيا وتركيا في مختلف المجالات (Getty)
+ الخط -

في الوقت الذي لم تُبد فيه روسيا أي ردود أفعال رسمية منددة بتغيير تركيا موقفها وقبولها انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي بشكل سريع ومفاجئ، ثمة مؤشرات تؤكد بقاء العلاقات بين أنقرة وموسكو خارج أقواس هذا التغيير، على ضوء الحياد التركي حيال الحرب في أوكرانيا، وعدم انضمامها إلى العقوبات الغربية بحق الكرملين.

ومع ذلك، رأى الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية كامران غسانوف أن تغيير موقف تركيا لم يكن سريعاً ومفاجئاً، بل جاء بعد تحقيق مطالبها، مستبعداً احتمال تأثيره سلباً على العلاقات بين موسكو أنقرة.

وقال غسانوف، في حديث مع "العربي الجديد": "لا يمكن وصف تغيير الموقف التركي بأنه سريع، بل جاء بعد شهر من المفاوضات بين فنلندا والسويد من جانب، وتركيا من جانب آخر، وحصول أنقرة على التنازلات التي كانت تطالب بها".

وأعطى أمثلة على هذه التنازلات، قائلاً: "وعدت فنلندا والسويد بالعزوف عن دعم وحدات حماية الشعب الكردية، وإن لم تصنفاها منظمة إرهابية، والتزمتا بالرواية التركية حيال تصنيف أنصار الداعية الإسلامي التركي فتح الله غولن، وتم التوصل إلى اتفاق بشأن إمكانية تسليم العناصر الخطرة من الانفصاليين الأكراد الذين يشكلون خطراً على تركيا، وتم رفع الحظر عن توريد الأسلحة إلى تركيا. أضف إلى ذلك الاحترام الذي تعامل به حلف شمال الأطلسي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وعقد الرئيس الأميركي جو بايدن لقاء معه".

وحول تأثير تغيير الموقف التركي على العلاقات بين موسكو وأنقرة، استبعد أن تعتبر القيادة الروسية الموافقة التركية على انضمام فنلندا والسويد للناتو "طعنة في الظهر". وأضاف: "منذ البداية، لم تكن تركيا تعرقل عضوية البلدين بهدف نيل إعجاب روسيا، وإنما انطلاقاً من مصالحها الوطنية. حصلت تركيا على ما أرادت، فلم تعد تعطل انضمام البلدين للناتو بهدف تجنب نظرة سلبية روسية".

وتوقع أن "يستمر التعاون بين روسيا وتركيا في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن وتسوية النزاعات في إقليم ناغورنو كاراباخ وسورية وليبيا. وفي ظروف الأزمة الراهنة وعمل الغرب على عزل موسكو، لا أعتقد أن روسيا ستفسد العلاقات مع تركيا بسبب موافقتها على انضمام فنلندا والسويد للناتو"، بحسب قوله.

و"طعنة في الظهر من أعوان الإرهاب" هو تعبير ذاع صيته بعد أن استخدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في نهاية عام 2015، في إشارة إلى واقعة إسقاط قاذفة "سوخوي-24" الروسية على الحدود السورية التركية، والتي تسببت في أزمة غير مسبوقة في العلاقات الروسية التركية.

بدوره، رأى الأستاذ الزائر في كلية الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، رئيس الجمعية الروسية لدراسات الشرق الأوسط، مراد صادق زادة، أن تركيا أثبتت بإصرارها على تلبية شروطها قبل الموافقة على عضوية فنلندا والسويد في حلف الأطلسي اتّباعها سياسة مستقلة تنطلق من مصالحها الوطنية، ما يتناسب مع رؤية موسكو لفكرة إقامة العالم متعدد الأقطاب.

وقال صادق زادة في حديث مع "العربي الجديد": "شهدنا في السنوات الماضية أن تركيا أثبتت قدرة قد تحسدها عليها دول أكبر منها، على تحقيق مصالحها الوطنية. ترى موسكو أن تركيا لاعب قوي ومستقل، وتقتضي فكرة الكرملين لإقامة عالم متعدد الأقطاب تعزيز التعاون مع مثل هذه الدول، ومنها تركيا والسعودية والهند والصين وغيرها".

وإذ قلّل من أهمية تأثير تغيير الموقف التركي على العلاقات بين موسكو وأنقرة، قال "لا أعتقد أن تغير الموقف التركي شكّل مفاجأة كبيرة لموسكو، وهو لن يؤثر على العلاقات بين البلدين التي تخضع لأجندة مختلفة، والشراكات والتحالفات متبادلة المنفعة، مثل المحادثات السورية في إطار أستانة، والوساطة التركية لحلّ مشكلة الحبوب الأوكرانية، والتعاون في مجالي السياحة والطاقة".

ولفت إلى أن موقف تركيا الحازم في الإصرار على قبول شروطها لا يخلو من عوامل سياسية داخلية، معتبراً أن "هذه "وجبة حلوى" للناخبين الأتراك قبل الانتخابات الرئاسية بعام، للإظهار أمامهم أن أردوغان يتبع سياسة مستقلة، وأعاد أمجاد الجمهورية عند تأسيسها على أيدي كمال أتاتورك، وأن جميع اللاعبين الكبار يتحدثون مع تركيا على أساس التكافؤ".

"ثعلب ماكر"

في المقابل، لم تفوّت الصحافة الروسية الفرصة لاستثمار تخلي فنلندا والسويد عن دعم الأكراد، للترويج لإمكانية عزوف الغرب عن دعم أوكرانيا في مرحلة لاحقة.

وفي مقال بعنوان "أوروبا سلّمت الأكراد، وستسلّم الأوكرانيين"، نُشر في صحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الموالية للكرملين، اعتبر الكاتب القومي الروسي، رئيس حزب "من أجل الحقيقة" زاخار بريليبين، أن "الموقف المبدئي" لأردوغان الذي لم يسمح لفترة طويلة بانضمام السويد وفنلندا للناتو كان "مجرد فصل لا أكثر"، واصفاً الرئيس التركي بأنه "ثعلب ماكر".

ولخص بريليبين الأمر بأن "السويديين والفنلنديين سلّموا الأكراد لأردوغان رغم أنهم راعوا الأكراد لسنوات، وكانوا يفتتحون مكاتب تمثيل لهم، ويخصصون لهم ميزانية أنفقوها بسخاء، فشعر الأكراد بالحماية، وكأنهم أطفال ساذجون".

ومع ذلك، رأى الكاتب الروسي أن "هناك نبأ جيداً، ومفاده أن أوروبا تنسى وتسلّم الجميع، إذ كان الأكراد مناضلون من أجل الحرية، وتم تسليمهم لأردوغان"، متوقعاً أن يتكرر السيناريو ذاته مع أوكرانيا.

وعلى صعيد سياسي، لم تبدِ موسكو انزعاجاً كبيراً من انضمام فنلندا والسويد للناتو، إذ اعتبر بوتين أن مقارنة انضمامهما إلى الحلف مع إمكانية عضوية أوكرانيا في الحلف لا أساس لها من الصحة، في ظل انعدام أي نزاعات حدودية بين روسيا وهذين البلدين.

وقال بوتين في ختام قمة قادة دول قزوين في عاصمة تركمانستان عشق آباد، في وقت سابق من الأسبوع الحالي: "كان موقفنا يتلخص دائماً في أن الناتو هو أثر للحرب الباردة، وهو مطلوب كأداة السياسية الخارجية الأميركية لإخضاع حلفائها، وليس هناك شيء آخر هنا".

وأضاف أن "المقولة إننا كافحنا ضد توسع الناتو على حساب أوكرانيا، وحصلنا عليها في شكل قبول السويد وفنلندا، لا أساس جدياً لها من الصحة"، مشيراً إلى أن "عضوية فنلندا والسويد في الناتو تختلف بالنسبة إلينا تماماً عن عضوية أوكرانيا".

المساهمون