باستدعاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للهيئة الناخبة وتحديد موعد الانتخابات النيابية في 12 يونيو/ حزيران، يكون تبون قد دفع بالأزمة السياسية إلى صناديق الاقتراع مجدداً، على الرغم من الإخفاق الكبير للاستفتاء الأخير على الدستور في نوفمبر/ تشرين الثاني؛ بسبب المقاطعة الشعبية الكبيرة التي بلغت 77%.
وقرر الرئيس الجزائري الذهاب إلى الانتخابات البرلمانية المبكرة، بمن حضر من الأحزاب ترشحاً وبمن شارك من الناخبين. خطوة تبدو تكتيكاً سياسياً ينقل به الرئيس المعركة التي يواجهها مع الحراك الشعبي، إلى داخل الأحزاب السياسية والحراك نفسه، حيث يسود الانقسام في الوقت الحالي بين طرح يعتبر أنّ المشاركة في الانتخابات تخلٍّ عن الثورة الشعبية وقبول بالدخول في حسابات وتوازنات السلطة، وبين من يعتبر أنها فرصة لموازاة حراك داخل المؤسسات بما يحقق مطالب التغيير السياسي.
في السياق، لا يغيب عن أذهان الجزائريين الرمزية السياسية لاختيار الرئيس لتاريخ 12 يونيو/ حزيران المقبل كموعد تنظيم الانتخابات النيابية المسبقة، وينعش هذا التاريخ الذاكرة الانتخابية للجزائريين ويتضمن رسائل سياسية تعني في شقين منها احترام الإرادة الشعبية كيفما كانت، وفي شق آخر مغازلة كتلة شعبية واسعة مازالت تعيش على ذكرى وبقايا مرحلة انتخابية زاهية، كانت أول عهد الجزائريين بالانتخابات التعددية.
في 12 يونيو/ حزيران 1990 جرت أول انتخابات تعددية في التاريخ السياسي للجزائر منذ الاستقلال، وكانت خاصة بالبلديات، وحسمتها "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" (محظورة منذ مارس/ آذار 1992) لصالحها بالفوز بـ 853 بلدية من مجموع 1541 بلدية، وفازت بـ31 مجلساً ولائياً من أصل 48 مجلساً ولائياً.
في 12 يونيو 1990 جرت أول انتخابات تعددية في التاريخ السياسي للجزائر منذ الاستقلال
وعلى الرغم من مناخ التجاذب السياسي الحاد الذي كان حاصلاً في تلك الفترة، وبعد سنة ونيف على دخول البلاد عهد التعددية السياسية، بين التيار الإسلامي والتيارات التقدمية، فإنّ التاريخ السياسي للجزائر يحتفظ لتلك الانتخابات بكونها الأكثر نزاهة في مجموعات الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها الجزائر منذ الاستقلال، وآخر انتخابات شهدت مشاركة شعبية غالبة، لم يكن لها مثيل بعد ذلك.
وإذا كان الرئيس تبون قد اختار إرسال إفادة سياسية للرأي العام باختيار رمزي لهذا التاريخ، فإنه حرص في المقابل على توجيه رسائل طمأنة إلى قادة الأحزاب السياسية التي استقبلها منذ 13 فبراير/ شباط الماضي، فإضافة إلى كون الانتخابات البرلمانية المبكرة، ستكون الأولى من نوعها في تاريخ الجزائر التي تشرف عليها بالكامل هيئة مستقلة، فإنّ الرئيس تبون وضع بين يدي قادة الأحزاب تعهدات شخصية بضمان نزاهة الانتخابات النيابية المقبلة، وإبعاد تام لأعوان الإدارة وطرح أكبر قدر من الضمانات القانونية والسياسية لإحاطة استحقاق 12 يونيو/ حزيران المقبل بالنزاهة الكاملة، خاصة مع تشديده على استبعاد المال السياسي عن التأثير في أي من محطات المسار الانتخابي.
يدخل في هذا السياق الإعلان الخميس عن محاكمة مدير الأمن الداخلي (الاستخبارات) السابق واسيني بوعزة، في 30 مارس/ آذار الجاري، بشأن تورطه في قضية محاولة تزوير الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 ديسمبر /كانون الأول 2019، والتي ستكون تفاصيلها رسالة أخرى وعبرة لكل المسؤولين في المؤسسات الحكومية والأجهزة الأمنية، بأنهم قد يلقون نفس مصير بوعزة واسيني، في حال التدخل أو محاولة توجيه الانتخابات المقبلة.
لكن سؤالاً يطرح في السياق، عما إذا كانت القوى السياسية مطمئنة إلى ضمانات وتعهدات تبون بشأن نزاهة الانتخابات.
رئيس حركة "مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري، أكد، مساء الخميس، في مؤتمر صحافي عقده في مدينة ورقلة جنوبي الجزائر، أنّ الانتخابات المقبلة "يجب أن تمثل محطة حقيقية للسلطة للقطع مع كل الممارسات السياسية السابقة التي كانت تضر بشفافية الاقتراع وصدقية المؤسسات المنتخبة"، مشيراً إلى أنه "يتعين على المسؤولين في الدولة العمل على أن تكون الانتخابات حلاً سياسياً لأزمة البلد وليس لأزمة النظام وانسداده".
وحذر مقري من "محاولات مسبقة التدخل في التنافس داخل المشهد الحزبي والسياسي، وسعي مسؤولين في الدولة للتدخل في المنافسة السياسية"، وقال "لا تخافوا من الشعب الجزائري فهو شعب حكيم ويحب بلاده ولا تحاولوا السيطرة عليه وسيصنع لكم انتخابات تاريخية".
من جهتها، سارعت حركة "البناء الوطني" إلى الترحيب بقرار تنظيم الانتخابات المبكرة، إذ أعلن رئيس الحركة عبد القادر بن قرينة، في بيان له، أنّ مجلس الشورى الوطني، سينعقد، بعد غد السبت، "من أجل اتخاذ القرار والمساهمة الفعالة في إنجاح هذا الاستحقاق الانتخابي بما يحقق مصلحة الشعب الجزائري ويعيد له حقه في ممارسة سيادته في اختيار من يمثله"، وفق البيان.