ما خيارات المعارضة التونسية في الانتخابات الرئاسية؟

15 اغسطس 2024
من وقفة أسبوعية لجبهة الخلاص الوطني 22 يونيو 2024 (العربي الجديد)
+ الخط -

تبدو المعارضة التونسية في حيرة من أمرها حيال الانتخابات الرئاسية المنتظرة قي 6 أكتوبر/ تشرين الأول القادم. وتزايد هذا الارتباك مع حصر المنافسة بين ثلاث شخصيات فقط، هي الرئيس الحالي قيس سعيد والأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي، وأمين عام حركة عازمون، العياشي زمال. وجرى استبعاد كل المرشحين المحتملين الذين كانوا يحملون، بنسب متفاوتة، آمال المعارضة التونسية، في منافسة الرئيس قيس سعيّد، في انتظار قرارات المحكمة الإدارية التي لجأ إليها من جرى إقصاؤهم من الانتخابات، وسيتم الإعلان عنها بداية من يوم غد الجمعة.

وكانت لمعارضي سعيد آمال معلقة، وغير معلنة، على كل من الأمين العام لحزب العمل والإنجاز، عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي وذاكر الأهيذب ومنذر الزنايدي، وغيرهم، بعد أن استبعد ترشيح شخصيات مثل الأمين العام للحزب الجمهوري، المعتقل عصام الشابي والأمين العام السابق لـ"التيار الديمقراطي" في تونس، غازي الشواشي ولطفي المرايحي، ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي بالنسبة للدستوريين.

ويتساءل المتابعون في تونس عن الخيارات الفعلية التي بقيت أمام المعارضة اليوم، خصوصا وأن الجدال احتدم بين الداعين إلى المقاطعة وإلى المشاركة.

القيادي البارز بحركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني، رياض الشعيبي، أكد لـ"العربي الجديد" أن قرار هيئة الانتخابات "لم يكن مفاجئا في إسقاطه لكل الترشحات الجدية للانتخابات الرئاسية، لأن هذا القرار جسّد بشكل مباشر إرادة رئيس الدولة لإقصاء منافسيه. وهذا الأمر عبّر عنه بوضوح في كلماته المتشنجة التي تتهم منافسيه بأبشع الجرائم والنعوت".

وقال الشعيبي: "الآن سننتظر قرارات المحكمة الإدارية، التي ستكون أمام اختبار صعب، فإما أن تحافظ على مصداقيتها واستقلاليتها وتنصف المترشحين الذين طعنوا لديها في قرارات هيئة الانتخابات، أو أنها ستلتحق ببقية المؤسسات القضائية التي دجنتها السلطة ووضعت عليها يدها".

وأوضح الشعيبي أنه "بالنسبة لمن وقع قبول ترشحه، فسننتظر ما سيعبّر عنه من مواقف لنحدد موقفنا بدعمه، أو ربما بمقاطعة ما تبقى من المسار الانتخابي بعد الخروقات الخطيرة التي اكتنفته".

وقال القيادي في "النهضة": "لقد قلنا منذ البداية إن أي مرشح يتبنى استعادة المسار الديمقراطي وتتفق حوله كل القوى الديمقراطية، فسيجد منا الدعم المؤكد. لذلك ما زلنا ننتظر موقف المرشحيْن من مسار 25 يوليو2021، وأهمية العودة لدستور 2014، وتبني مطلب العفو التشريعي العام، وأولوية إعادة بناء المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء، والدعوة لانتخابات عامة مبكرة".

وعن احتمالات المقاطعة أو المشاركة، ووجاهة ومبررات كل خيار، أشار الشعيبي إلى أن "المقاطعة في حد ذاتها ليست موقفا إيجابيا، وآثارها على وحدة الدولة التونسية واستقرار مؤسساتها خطيرة. كما أن المقاطعة تعمق الأزمة السياسية في البلاد. لذلك حاولنا تجنب هذا الخيار، واعتبرنا أن توفر الحد الأدنى من الضمانات قد يكون كافيا للمشاركة في هذه الانتخابات".

ولفت إلى عوامل عديدة تقوي موقف دعاة المقاطعة "ممن يرفضون أن يتحولوا إلى ديكور انتخابي"، مشيراً إلى أن "المعقولية السياسية تحمّل المعارضة، مثل السلطة، مسؤولية ما يمكن أن يفضي إليه أي خيار بين خياري المشاركة أو المقاطعة".

وعن موقف جبهة الخلاص وقراءتها للمشهد الانتخابي وتطوراته المحتملة، قال الشعيبي إن "جبهة الخلاص تشكلت لمقاومة الانقلاب والنضال من أجل استئناف المسار الديمقراطي، وسلكت في ذلك مسلك النضال الميداني من خلال عشرات الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات الوطنية، ودفعت بسبب ذلك ضريبة مؤلمة تمثلت في إحالة أغلب قياداتها على المحاكمة وإيقاف أربعة أعضاء من هيئتها السياسية".

وتابع: "لكن عندما واجهها استحقاق الانتخابات الرئاسية لم يكن بإمكانها أن تتغاضى عن هذا الحدث الهام".

ورقة المقاطعة ما تزال في يد المعارضة التونسية؟

من جانبه، يرى الباحث زهير اسماعيل، أن "الشخصيات التي تم استبعادها من الترشح للانتخابات الرئاسية، لجأت إلى المحكمة الإدارية دفاعا عن سلامة ملفاتها المقدمة وعن حقها في الترشح. وينتظر أن يمثّل موقفها الذي يتجه نحو موقف موحد ضغطا فعليا على هيئة الانتخابات لكي تكون في مستوى ولايتها على الانتخابات".

واضاف إسماعيل لـ"العربي الجديد" أن "الحصيلة الأولية أسفرت عن قبول ثلاثة ملفات (سعيد، المغزاوي، الزمال). وأثارت هذه النتيجة جدلا قويا داخل المعارضة الديمقراطية وبروز تقييمين". ويوضح الباحث التونسي الاتجاهين بالقول: "يرى التقييم الأول أن الحركة الديمقراطية خسرت ما سمي بمبدئية المقاطعة بتقديم شخصيات معروفة بمناهضتها للانقلاب، فلا هي ربحت موقفها المبدئي الذي يعتبر المشاركة في انتخابات 6 أكتوبر بشروط الانقلاب ليس أكثر من تزكية للانقلاب، ولا هي ضمنت المشاركة بشروطها".

وأوضح القول: "ثمّ إنّ حرمان شخصيات وطنية وديمقراطية وازنة من الترشح مثل الزنايدي والدائمي بتعلات واهية يؤكد وجاهة موقف المقاطعة ومصداقيته. غير أنّ سؤالا واجه أصحاب هذا الموقف وبقي معلقا بلا إجابة: لماذا يمنع الانقلاب خصومه من الترشح إذا كانت مشاركتهم مجرد تزكية له؟".

زهير إسماعيل: لماذا يمنع الانقلاب خصومه من الترشح إذا كانت مشاركتهم مجرد تزكية له

ويوضح إسماعيل: "يمثل هذا السؤال ضمنيا أساس الموقف المقابل داخل الحركة الديمقراطية، والذي يرى أنّها لم تخسر مطلقا مبدئية المقاطعة. وأنّها عبرت منذ الإعلان عن موعد الانتخابات أنّ موقفها المبدئي بالمشاركة لا يحتاج إلى تروٍّ. لأنّ موعد 2024 الانتخابي يحيل على مرجعية دستور 2014. فلا يمكن للحركة الديمقراطية إلاّ أن تشارك وأن مشاركتها تتنزل موضوعيا ضمن عنوان استعادة الديمقراطية".

ويؤكد اسماعيل أن "ورقة المقاطعة ما تزال في يد المعارضة. وأنها ربحت الجولة الأولى بإظهار الانقلاب على حقيقته المعادية للحرية والديمقراطية وخوفه من المنافسة الفعلية بسبب افتقاده لشعبية يدعيها باطلا". وشدد إسماعيل على أن "الحركة الديمقراطية مطالبة بموقف من الانتخابات إذا انحصر الاختيار في الشخصيات الثلاث".

وقال: "في مواجهة هذا المعطى يتواصل الانقسام داخل المعارضة والحركة الديمقراطية بين موقف المقاطعة بحججه الأولى، وموقف جنيني لم يعبر رسميا عن نفسه وما زال أقرب إلى الهمس ومتوقع أن يظهر أكثر ويقوى. حيث إن الحركة الديمقراطية تستبعد من اختيارها سعيّد والمغزاوي، ولم يبق أمامها سوى الزمال".

وأوضح: "يرى هذا التقدير أنّ المقاطعة ليست في صالح الحركة الديمقراطية، مع ضعفها وتشتتها وانكسار تعبيراتها، وقد تراهن من بين المرشحين الثلاثة على العياشي الزمال الذي أكّد التزامه بشرطي الحركة الديمقراطية (قيادة تملك برنامج إنقاذ اقتصادي، وتصل بالمشهد السياسي ولو على مراحل إلى الديمقراطية والانفراج المتدرج)". واختتم: "لذلك هي مطالبة بحماية الانتخابات ومنع أي تلاعب بسيرها ونتائجها. لتجعل منها مخرجا للبلاد من أزمتها الخانقة وتلافيا لأسوأ ما ينتظرها من سيناريوهات".

المساهمون