لم تكد تنتهي حملة مداهمات وتفتيش واسعة النطاق في محافظة الرقة شرقيّ سورية، حتى بدأت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) حملة أخرى في ريف دير الزور بعد منتصف ليل الجمعة، في استمرار لحملات تقوم بها هذه القوات، حسب ما تقول، لـ"ملاحقة خلايا تنظيم داعش"، فيما يشكك البعض في جديتها وجدواها.
وقالت مصادر من أبناء ريف دير الزور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن مجموعات أمنية تابعة لـ"مجلس دير الزور العسكري" العامل ضمن صفوف "قسد"، نفذت حملة اعتقالات إلى جانب مجموعات أمنية أخرى من "قسد" في بلدية الصبحة وبريهة بريف دير الزور الشرقي، مؤكدةً أن الحملة طاولت عدة منازل في البلدتين، واعتُقل عدة أشخاص، لكن لم يتم التأكد من أعداد المعتقلين حتى اللحظة.
وأشارت المصادر إلى أن سبب المداهمات ملاحقة "قسد" لأشخاص تظاهروا يوم أمس الجمعة في بلدة الصبحة بريف دير الزور الشرقي، مطالبين إياها بالإفراج عن المعتقلين في سجونها، وتحسين الواقع المعيشي والخدمي في المنطقة، وترافق ذلك مع قطع الطرقات بالإطارات.
وكان الطفل أحمد الجداع، البالغ من العمر 13 عاماً، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، قد قُتل يوم أمس الجمعة، إثر إطلاق عناصر "قسد" الرصاص على المتظاهرين في بلدة الصبحة، وأدى إطلاق النار إلى إصابة متظاهر آخر بجروح خطرة متفاوتة، فيما لا تزال الطرقات المؤدية إلى البلدتين مقطوعة من قبل "قسد"، بالتزامن مع فرض حظر للتجوال، بُغية الضغط على الأهالي لتسليم المتظاهرين.
وذكرت شبكة "نهر ميديا" المحلية أن "قسد" أعلنت -عبر مكبرات الصوت- حظراً للتجوال لمدة ثلاثة أيام، في بلدتي الصبحة وبريهة، محذرة كل شخص يكسر الحظر من إطلاق النار عليه مباشرةً.
وتوقع الناشط الإعلامي عهد الصليبي في حديث مع "العربي الجديد" أن تقوم قوات "قسد" بـ"محاصرة المنطقة التي تشهد الاضطرابات لفصلها عن محيطها"، مضيفاً: "قسد ستتخذ من التوتر الموجود في المنطقة ذريعة للقيام بحملة مداهمات واعتقال المعارضين لها".
ولطالما شهد ريف دير الزور الشرقي التابع لقوات "قسد" احتجاجات ومظاهرات للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وتحسين الحالة المعيشية للسكان، ومحاسبة المتجاوزين من عناصر "قسد" بحق المدنيين والحد من الفساد المستشري في مفاصل هذه القوات.
وشنت قوات "قسد" خلال العام الفائت العديد من الحملات على ما تقول إنها خلايا تابعة لتنظيم "داعش"، وخصوصاً في ريف دير الزور الشرقي، الذي يُعَدّ المنطقة الأكثر اضطراباً في مناطق سيطرة هذه القوات بسبب استمرار المظاهرات التي تطالب بظروف معيشية أفضل.
وكانت قوات سورية الديمقراطية قد أنهت الأربعاء الفائت حملة واسعة شملت مدينتي الطبقة والرقة وعدة بلدات في ريفهما استمرت عدة أيام حملت عنوان "حملة الانتقام لشهداء الرقة"، هدفها ملاحقة خلايا "داعش"، وخصوصاً "العناصر الخطيرة وتدمير قنوات التواصل بينهم"، وفق بيان.
وتخلل عمليات تفتيش المنازل الكثير من التجاوزات التي وصلت إلى حد سرقة الأموال والمصاغ من هذه المنازل. وجاءت هذه الحملة في خضم غضب شعبي في عموم محافظة الرقة، بسبب مقتل امرأة وابنتها على يد عنصر من عناصر هذه القوات التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي. وربما حاولت هذه القوات صرف الاهتمام الإعلامي والشعبي عن هذه الجريمة، وخصوصاً أن أهالي محافظة الرقة يطالبون بإعدام المتهم، غير أن الإدارة الذاتية التابعة لـ"قسد" تحاول التهرب من خلال الادعاء أن قوانينها لا تسمح بالإعدام.
وكانت "قسد" قد أطلقت في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي عملية واسعة النطاق تحت اسم "صاعقة الجزيرة" في ريفي الحسكة والقامشلي، شمال شرقيّ سورية، لملاحقة خلايا "داعش"، استمرت لمدة أسبوع، واعتُقل خلالها نحو 260 شخصاً، بعد تمشيط 55 قرية ومزرعة في الهول وتل حميس وتل براك ومساحات واسعة من الحدود السورية العراقية، وفق إحصائيات المركز السوري لحقوق الإنسان.
مشاكل بنيوية
ويشكك فراس علاوي، مدير مركز "الشرق نيوز"، في حديث مع "العربي الجديد" بجدوى هذه الحملات التي تقوم بها "قسد"، مشيراً إلى أن هذه القوات "تعاني من مشاكل بنيوية".
وقال: "ليس لديها استراتيجية أمنية"، مضيفاً: "تعتمد على التقارير التي غالباً ما تكون كيدية من عملاء محليين، ما يؤكد وجود فساد أمني في هذه القوات غير المقبولة اجتماعياً، بسبب تجاوزاتها".
ويعتقد علاوي أن "قوات قسد تتخذ من تنظيم داعش ذريعة لتحقيق أهداف، بغضّ النظر عن جدية وفعالية الحملات التي تقوم بها بين وقت وآخر".