تتعاظم وتيرة التحركات الإقليمية والدولية الهادفة إلى التوافق على مسار تهدئة يقلص فرص اندلاع مواجهة جديدة بين إسرائيل وحركة حماس. فمدير الاستخبارات العامة المصرية، عباس كامل، سيصل هذا الأسبوع إلى إسرائيل ورام الله للتباحث حول فرص إنجاز التهدئة.
ومن المرجح أن تهدف زيارة كامل إلى تحقيق هدفين أساسيين، وهما جسر الهوة بين إسرائيل و"حماس" بشأن شروط وظروف مسار التهدئة، إذ إنه من المرجح أن يبحث المسؤول الأمني المصري مع كل من رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ومستشاره للأمن القومي، مئير بن شابات، ورئيس "الشاباك"، نداف أرغمان، الشروط التي وضعتها "حماس" لإنجاز التهدئة، والتي نقلتها الحركة للقاهرة أخيراً. وفي رام الله، سيحاول كامل ثني رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن تنفيذ تهديداته بفرض مجموعة جديدة من العقوبات على غزة، يمكن أن تسدل الستار على أية إمكانية لنجاح الجهود الهادفة للتهدئة.
وقد كثف الجانب المصري جهوده الهادفة لإنجاز مسار التهدئة، في أعقاب مطالبة نتنياهو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في اللقاء الذي جمعهما على هامش مشاركتهما في اجتماعات الأمم المتحدة أخيراً بتكثيف الجهود المصرية لإنجاز التهدئة، وتحديداً محاولة احتواء معارضة قيادة السلطة لمسار التهدئة والعمل على ثنيها عن فرض المزيد من العقوبات على القطاع. لكن في حال فشلت الجهود الهادفة لمنع عباس من فرض المزيد من العقوبات على القطاع، فإن إسرائيل ستكون مطالبة باستثمار المزيد من مواردها السياسية لتحقيق هذا الهدف، إذ إنه يمكن لتل أبيب الضغط على عباس بشكل أكبر، إلى جانب أن الحكومة الإسرائيلية بإمكانها تجاوز قيود عباس على التهدئة من خلال عدم الالتزام بالاتفاقات الاقتصادية مع السلطة الفلسطينية. كما يمكن لتل أبيب أن توضح لعباس بأنه في حال فرض المجموعة الجديدة من العقوبات على القطاع فإنها ستعمل على تحويل نسبة من عوائد الضرائب، التي تجبيها لصالح السلطة، للوفاء بالموازنات التشغيلية للمؤسسات والمرافق الحيوية ولدفع رواتب الموظفين في قطاع غزة.
وقدرة عباس على الرد على أي قرار إسرائيلي بتجاوزه في مسار التهدئة محدودة للغاية. فعلى سبيل المثال، يمكن لعباس أن يرد بقرار موجع لإسرائيل، يتمثل بوقف التعاون الأمني مع تل أبيب، لكنه في المقابل يعي أن الوظيفة الأمنية التي توفرها سلطته هي التي تقنع حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب بعدم تغيير قواعد التعامل مع السلطة في الضفة الغربية. والقيادة الإسرائيلية، التي هي في حيرة من أمرها إزاء ما يتوجب عليها عمله من أجل إنجاز مسار التهدئة، تعي حالياً أن إنجاز هذا الهدف بات يمثل ضرورة كبيرة على المستوى الاستراتيجي وعلى صعيد الاعتبارات السياسية الداخلية. فكل المؤشرات تدل على أن فرص تبكير الانتخابات، وإجرائها في الشتاء المقبل، باتت كبيرة، بسبب الخلاف على قانون التجنيد بين "الليكود" والأحزاب الدينية الحريدية المشاركة في الائتلاف الحاكم. إلى جانب ذلك، فإن نتنياهو يرى في تبكير الانتخابات فرصة لاحتواء مفاعيل التطورات في ملفات الفساد التي تواجهه. وفي كل الأحوال، فإن نتنياهو معني أن يتم إجراء الانتخابات في ظل هدوء نسبي، على اعتبار أن إجراءها في ظل تصعيد أمني متواصل سيمنح خصومه، في اليمين والوسط، الفرصة لتعزيز مكانتهم على حسابه. إلى جانب ذلك، فإن هناك العديد من الاعتبارات الاستراتيجية التي تدفع إسرائيل للتهدئة، وعلى رأسها الخوف من اندلاع مواجهة تفضي إلى تورطها في القطاع بسبب عدم وجود طرف ثالث يمكن أن يتولى مقاليد الأمور في غزة بعد أية حرب، إلى جانب أن تل أبيب معنية بتهدئة الأمور في الجنوب في ظل حالة انعدام اليقين على الجبهات الأخرى، خصوصاً الجبهة الشمالية.
وفي المقابل، فإنه ليس بوسع حركة حماس العمل على وقف أو تقليص حراك مسيرات العودة على طول الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل في حال لم يتم التوافق بشكل نهائي على مسار تهدئة يضمن إحداث تحول في الواقع الاجتماعي والاقتصادي في القطاع. فقبل نحو شهرين، دفعت التوافقات، التي تم التوصل إليها مع القاهرة بشأن التهدئة، قادة "حماس" إلى طمأنة الفلسطينيين في غزة بأن تحولات دراماتيكية إيجابية ستغير الواقع الاقتصادي في القطاع، لكن القاهرة تراجعت بعد ذلك، وأصرت على أنه لا يمكن تبني أي مسار للتهدئة من دون إشراك السلطة الفلسطينية، وهو ما مس بمصداقية الحركة أمام الجمهور الغزي. من هنا، فإنه من غير المرجح أن تدفع "حماس" نحو أية خطوة تفضي إلى تراجع حراك مسيرات العودة، في حال لم تطمئن قيادتها، التي ستزور القاهرة مجدداً قريباً، إلى نتائج زيارة كامل. وسيتم اختبار الجهود المصرية واتجاهات الموقف الإسرائيلي، مطلع الشهر المقبل، وهو الموعد الذي حددته قيادة السلطة لفرض المجموعة الجديدة من العقوبات. وفي حال تواصل التصعيد على الحدود بين القطاع وإسرائيل، فإن فرص اندلاع المواجهة الشاملة سيتعاظم، رغم إدراك "حماس" وإسرائيل أن هذا التطور لا يخدم مصالحهما.