ما احتمالات شنّ واشنطن هجوماً على إيران بعد استهداف موقع "البرج 22"؟

29 يناير 2024
يتزايد الضغط على إدارة بايدن بعد ارتفاع الهجمات على القواعد الأميركية في المنطقة (Getty)
+ الخط -

خلاصة الرسالة التي خرجت من الهجوم الذي استهدف القوات الأميركية في موقع "البرج 22"، شمال شرقي الأردن، على الحدود مع سورية، أمس الأحد، أن المنطقة برمتها على كف عفريت بالفعل، وأن احتمالات اتساع الحرب في المنطقة قد تكون أقوى من قبل.

فعلى الرغم من تأكيد كل من إيران والولايات المتحدة أنهما لا تريدان حرباً إقليمية، إلا أن التجارب التاريخية تقول إن الحروب غالباً لا تبدأ بقرارات مسبقة، وإنما نتيجة تطورات ميدانية معينة، عندما تكون فاصلة.

الهجوم الأخير على القواعد الأميركية يمثل تصعيداً ومنعطفاً ميدانياً في الهجمات التي تتعرض لها هذه القوات على يد حلفاء طهران منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث أودى الهجوم بحياة ثلاثة جنود أميركيين وأسفر عن إصابة 34 آخرين، وهي المرة الأولى التي تعلن فيها الولايات المتحدة عن مقتل عسكريين أميركيين في الهجمات في المنطقة منذ بداية الحرب.

وعلیه، ثمة تساؤلات مشفوعة بترقب وانتظار شديدين بشأن طبيعة ردة الفعل الأميركية ووجهاتها، خاصة في ظل وابل من الاتهامات الأميركية التي اتجهت صوب إيران بالوقوف وراءها، رغم نفي طهران ذلك، مع دعوات صدرت من شخصيات أميركية وازنة، أمثال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، تدعو إدارة جو بايدن إلى ضرب أهداف داخل إيران، مع اتهام الإدارة بـ"الفشل" في التصدي لإيران بعد تعرض القوات الأميركية في المنطقة لأكثر من 100 هجوم في الآونة الأخيرة.

لا شك أن مثل هذه التصريحات الجمهورية الأميركية تزيد الضغط على بايدن في هذه الظروف الانتخابية التي تفرض حسابات معينة عليه، وهو جاء على ذكر إيران في بيانه حول الهجوم من دون اتهامها بشكل مباشر بتنفيذه، مكتفياً بالقول إن هذا الهجوم تم تنفيذه من قبل جماعات مدعومة منها.

إيران تستعدّ لهجوم أميركي محتمل

وتقول مصادر إيرانية مسؤولة لـ"العربي الجديد"، اليوم الاثنين، إنّ طهران "رفعت مستوى الجهوزية للدفاعات الجوية والقوات الإيرانية وهي على أهبة الاستعداد لصد أي هجوم" أميركي رداً على هجوم التنف، وذلك في أعقاب الهجوم والتهديدات الأميركية.

وتؤكد المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها إنّ "القوات الإيرانية لن تنتظر وقتاً، وأنها سترد بحزم وسرعة على أي اعتداء داخل الأراضي الإيرانية"، غير أنها استبعدت قيام الإدارة الأميركية بـ"هذه المغامرة"، لافتة إلى أن "ذلك لا يمنعنا من أن تكون قواتنا على أهبة الاستعداد للرد على أي هجوم".

محاولة لاحتواء الموقف

حاولت إيران احتواء الموقف دبلوماسياً، من خلال نفي البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة، اليوم الاثنين، "أي علاقة لإيران" بالهجمات على القوات الأميركية، بما فيها هجوم أمس الأحد على شمال شرق الأردن، بالقرب من الحدود السورية.

ورأت البعثة الإيرانية، في تصريح لوكالة "إرنا" الإيرانية، أن ما يجري هو "مواجهات" بين الجيش الأميركي وفصائل "المقاومة" في المنطقة، حيث يقوم الطرفان بهجمات متبادلة.

من جهتها، ذكّرت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان، اليوم الاثنين، بتحذيرات طهران المتكررة من "خطر اتساع المواجهات في المنطقة" على خلفية استمرار العدوان على غزة ومواصلة أميركا دعمها "اللامحدود لحرب الإبادة" ضد الفلسطينيين.

وجدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني التأكيد أنّ "فصائل المقاومة في المنطقة لا تأتمر بأوامر الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، معلناً عدم الترحيب باتساع المواجهات في المنطقة، و"عدم التدخل في قرارات مجموعات المقاومة".

ورفض كنعاني اتهام بلاده بالوقوف وراء الهجمات على القوات الأميركية، مؤكداً أنها "ترصد تطورات المنطقة، وهي في حالة جهوزية ويقظة"، مع تحميله "من يروج للمزاعم الباطلة مسؤولية عواقب الاتهامات الاستفزازية ضد إيران".

هجمات قريبة على الحلفاء

ويرجح المحلل الإيراني أحمد زيد أبادي، في حديث مع "العربي الجديد"، قيام الإدارة الأميركية بضرب أهداف إيرانية في المنطقة، قائلاً إن "هذه الهجمات واردة جداً وقريبة، لكن ليس داخل الأراضي الإيرانية وإنما في سورية أو العراق".

ويضيف زيد أبادي أنه "ما لم تتشكل إرادة حازمة وواضحة داخل الحكومتين الإيرانية والأميركية للاتفاق على قضايا إقليمية مهمة، فإن ما يحدث حالياً بين البلدين سيتحوّل إلى مواجهات عسكرية كبيرة".

ويؤكد الكاتب الإيراني أن "الوضع يتجه نحو الأسوأ"، في ظل السياسات الراهنة.

من جهته، يقول المحلل الإيراني صلاح الدين خديو إن البيت الأبيض اليوم "على مفترق طرق" للرد على الهجوم الأخير الذي "تجاوز الخطوط الحمراء" الأميركية بعد مقتل جنود أميركيين.

ويضيف خديو في حديث مع "العربي الجديد"، أن الإدارة الأميركية، "إذا لم تقم بالردّ المباشر، فإن ذلك سيحسب على أنه ضعف وتقاعس، ويسبّب تآكلاً للردع الأميركي بالتدرج"، مشيراً إلى أنه "في الوقت نفسه أيضاً، إذا قامت بالردّ المباشر، فحينئذ ستواجه مخاطر اتساع حرب غزة إلى المنطقة".

ويلفت الكاتب الإيراني إلى أن تحوّل هذه الحرب إلى "مواجهة إقليمية شاملة، هو آخر ما يفكر فيه البيت الأبيض المنشغل جداً في الحرب الأوكرانية واحتواء الصين".

ويتوقع خديو قيام واشنطن بـ"هجمات أشد على حلفاء إيران في سورية والعراق"، مستبعداً ضرب أهداف داخل إيران، كونه سيوسع نطاق التوترات في المنطقة.

طبيعة الرد الإيراني

إلى ذلك، يرى القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني حسين كنعاني مقدم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الولايات المتحدة الأميركية اليوم "في وضع عصبي صعب من جراء هجوم التنف والهزائم الإسرائيلية في غزة والإخفاقات التي يواجهها التحالف الأميركي الغربي في البحر الأحمر".

وعليه، يستنتج كنعاني مقدم بأن واشنطن "قد تسعى إلى القيام بشيء ما ضد إيران على أعتاب الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكنهم يعلمون أنهم لا يملكون أي تصريح دولي قانوني لذلك، لأن إيران لم تنفذ أي هجوم عليها، ومجموعات المقاومة في المنطقة هي التي تتصدى للأميركيين والصهاينة".

ويؤكد القيادي السابق في الحرس الثوري أن أي هجوم أميركي على إيران سيعرّض كلّ القواعد الأميركية لخطر الاستهداف من قبل الصواريخ الباليستية الإيرانية، مستبعداً قيام واشنطن بضرب إيران بشكل مباشر "لتبعات ذلك الكبيرة".

ويؤكد كنعاني مقدم أن بلاده إذا ما أقدمت على ضرب القواعد الأميركية في المنطقة رداً على أي هجوم، "فإنها هذه المرة لن تخطرهم مسبقاً بالهجوم"، وذلك في إشارة إلى ما حصل في مطلع عام 2020 بعد استهداف إيران قاعدة "عين الأسد" الأميركية في العراق، رداً على اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" السابق، حيث أعلنت طهران حينها أنها أبلغت الحكومة العراقية بأنها ستقوم باستهداف القاعدة قبيل تنفيذ الهجوم. 

ويتوقع كنعاني مقدم أن الإدارة الأميركية "قد تقدم على هجمات محدودة في سورية والعراق ولبنان"، مؤكداً أنه "يستبعد أن يسعى الأميركيون إلى توسيع الحرب".