حددت محكمة العدل الدولية موعد أولى جلساتها بالدعوى المرفوعة ضد النظام السوري، التي تتركز على تهم تعذيب بحق السوريين، ويأتي ذلك فيما أقرّ البرلمان الفرنسي توسيع صلاحية المحاكم الفرنسية لتشمل ملاحقة متهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، شرط أن يكونوا مقيمين على الأراضي الفرنسية.
وذكرت محكمة العدل الدولية في تغريدة على تويتر أول أمس أن الجلسة الأولى للاستماع ستعقد في 19 يوليو/ تموز المقبل، وستُبَثّ عبر الموقع الإلكتروني الرسمي للأمم المتحدة، مشيرة إلى أن الجلسة تأتي استجابة لطلب الإشارة إلى "التدابير الطارئة"، الذي قدمته كندا وهولندا في وقت سابق إلى المحكمة والمتعلق بالانتهاكات في سورية.
وكانت كل من هولندا وكندا قد رفعتا قبل حوالى شهر دعوى مشتركة على النظام السوري، بسبب مسؤوليته عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي صدّقت عليها سورية عام 2004.
وتشمل التدابير الطارئة إصدار أوامر للنظام بالإفراج عن السجناء المحتجزين تعسفياً، والسماح للمراقبين الدوليين بدخول مراكز الاحتجاز.
وتشير الدعوى إلى انتهاكات النظام السوري عبر "استخدام التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية للمحتجزين، والظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز، والاختفاء القسري، واستخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف ضد الأطفال"، إضافة إلى استخدام الأسلحة الكيميائية لتخويف السكان المدنيين ومعاقبتهم.
وعادة ما تستغرق القضايا المعروضة على محكمة العدل الدولية سنوات للوصول إلى حكم نهائي، ولكن يمكن إصدار أوامر طارئة في غضون أسابيع، مثل "التدابير الطارئة" في الدعوى المشتركة المقدّمة من هولندا وكندا.
وقدمت كل من كندا وهولندا دعوى قضائية ضد سورية، حمّلتا فيها الحكومة الحالية مسؤولية عمليات تعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان، خلافاً لاتفاقية مناهضة التعذيب التي أقرتها الأمم المتحدة وصدّقت عليها دمشق عام 2004.
لمكافحة إفلات النظام من العقوبة
وتفاوتت ردود السوريين على هذا التطور، واعتبره العديد من الناشطين مؤشراً إيجابياً، وسيكون له مفاعيل سياسية وحقوقية، حيث دعا الناشط السياسي مضر حماد الأسعد عبر صفحته في "فيسبوك" جميع السوريين في الخارج إلى مساعدة المحكمة في تقديم الشهادات أو الوثائق القانونية بما يدين نظام بشار "الأسد الإرهابي أو المليشيات الداعمة له".
كذلك، اعتبر المحامي السوري زيد العضم، المقيم في باريس، أن هذه الخطوة تأتي في إطار محاسبة النظام السوري على ما اقترف من انتهاكات بحق السوريين، وهي "تعزز مبدأ مكافحة إفلات النظام من العقوبة".
واعتبر العضم في حديث مع "العربي الجديد" أن أهمية هذه المحاكمة "تكمن في رمزيتها أيضاً من خلال مقاضاة أركان النظام السوري دولياً في محكمة لاهاي". ورأى أن تمرير المحكمة للدعوة أمر وارد، ولا سيما أن المحكمة تختص بالنزاعات التي تثيرها الدول ضد الدول الأخرى، كذلك إن محكمة العدل الدولية لا تشترط إجراءات محددة مثل تلك التي تطلبها المحكمة الجنائية الدولية.
إشكالية قانونية
غير أن المحامي والناشط الحقوقي أنور البني، رأى أنه من الناحية القانونية، قد لا تمرر المحكمة الشكوى المقدمة إليها، لأن أية قضية ترفع أمام محكمة العدل الدولية تحتاج لموافقة جميع الدول، بما فيها سورية، وهذا مستبعد طبعاً، إضافة إلى أن المحكمة تنظر في القضايا القائمة بين دول إحداها متضررة من الثانية، لكن في هذه الحالة لا كندا ولا هولندا متضررتان من عمليات التعذيب في سورية.
وأضاف البني في حديث مع "العربي الجديد" أن أهمية الدعوة تكمن في أنها تسلط الضوء على خرق النظام السوري للاتفاقيات الدولية، وأن من يحكم سورية "زمرة مجرمين مدانين بالكثير من الجرائم عبر تحقيقات أجرتها منظمات دولية والأمم المتحدة، وهو ما يجعل أفعال النظام أكثر من مجرد انتهاكات، بل جرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي يتطلب إحالة مسؤولي النظام على محاكمة تعاقب المجرمين، وليس معاتبة النظام على انتهاكه اتفاقية مناهضة التعذيب".
وأضاف البني أن أهمية هذه الخطوة أنها تعيد وضع قضية التعذيب وضحايا التعذيب في سجون النظام السوري تحت الضوء، و"نتمنى إنشاء محكمة خاصة بهذه الجرائم، وهذه خطوة أهم وأكثر فاعلية".
البرلمان الفرنسي يقرّ توسيع صلاحية المحاكم لملاحقة مجرمي الحرب
وفي السياق، كان البرلمان الفرنسي قد أقرّ قبل أيام توسيع صلاحية المحاكم الفرنسية لتتمكن من ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب الدوليين، إن كانوا مقيمين على الأراضي الفرنسية.
ووفق صحيفة "لوموند" جرى تبنّي تعديل المواد القانونية المتعلقة بـ "الولاية القضائية العالمية"، حيث أُلغي شرط التجريم المزدوج بما يتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، الذي كان يشترط أن يكون المتهم مداناً في بلده أيضاً، وليس فقط في فرنسا.
وأضافت الصحيفة في عددها الصادر في الرابع من الشهر الحالي أن مجلس الشيوخ اعتمد التعديل بمبادرة من السيناتور الاشتراكي لورا جان بيير سوير، مع إزالة فكرة التجريم المزدوج الذي يشكل خطراً على عدد من الإجراءات، ولا سيما تلك المتعلقة باللاجئين السوريين.
ويتطلب "التجريم المزدوج"، حسب الصحيفة الفرنسية، أن يكون التجريم الذي يحاكَم بسببه الفرد في فرنسا بموجب الولاية القضائية العالمية، عرضة للإدانة لذات السبب في بلده الأصلي، علماً أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية غير واردة في قانون العقوبات السوري.
ووفق الصحيفة، فإنه مع اعتماد هذا التعديل في مجلس الشيوخ وإقراره بالأغلبية في الجمعية الوطنية بالبرلمان الفرنسي، من المتوقع عرضه على اللجنة المشتركة في الخريف المقبل قبل دخوله حيّز التنفيذ، مشيرة إلى أن التعديل يوسع من صلاحية القضاء الفرنسي بهدف ملاحقة مجرمي الحرب في سورية.
وكانت محكمة النقض قد حكمت بجلسة عامة قبل شهرين ضد التجريم المزدوج الضروري للتمكّن من محاكمة مجرم حرب أو ضد الإنسانية في فرنسا، لكن كان من الضروري تكريس هذا المبدأ في القانون كما يشير السيناتور سوير، وذلك من أجل تجنب أي غموض في التفسيرات اللاحقة.
وأصدرت محكمة النقض في حينه حكمين، رفضت بموجبهما الطعون المقدمة من قبل جهة الدفاع عن قضيتي الناطق السابق باسم "جيش الإسلام" مجدي نعمة المعروف باسم "إسلام علوش"، والعنصر السابق بأجهزة مخابرات النظام السوري عبد الحميد شعبان، المعتقلَين في فرنسا بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في سورية.