مايكل لينك لـ"العربي الجديد": ينتهي الاحتلال إذا اتخذت خطوات حاسمة لمحاسبة إسرائيل

13 ديسمبر 2021
لينك: يفزعني أنّ المجتمع الدولي يقبل بالوضع بغزة (مارك غارتن/الأمم المتحدة)
+ الخط -

يرى المقرر الخاص للأمم المتحدة لحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مايكل لينك، في مقابلة مع "العربي الجديد" من نيويورك، أن إسرائيل لن تتوقف عن احتلالها وقمعها للفلسطينيين طالما بقي المجتمع الدولي صامتاً لا يجبرها على دفع ثمن ممارساتها، من خلال وقف مبيعات الأسلحة لها واستبعادها من الاتفاقيات التجارية والثقافية الدولية.


في تقريرك الأخير إلى اللجنة الثالثة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، المعنية بحقوق الإنسان، ذكرت أن الأمم المتحدة "قبلت منذ فترة طويلة تحملها المسؤولية الدائمة للإشراف على قضية فلسطين إلى أن يتم التوصل إلى حل دائم وعادل". بعد أكثر من سبعين عاماً على النكبة، يقف الفلسطينيون من دون حل لقضيتهم، هل تعتقد أن المجتمع الدولي خذل الشعب الفلسطيني بعدم تحمله لهذه المسؤولية؟

من دون شك، هذا الاحتلال لن ينتهي بشكل طبيعي. وأعتقد أنه سينتهي فقط على أساس عادل، عندما يقبل المجتمع الدولي بمسؤوليته الدائمة عن محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي خلال احتلالها.

وصلنا اليوم إلى وضع لا يمكن فيه، في أسوأ الأحوال، التمييز بين الاحتلال و(الأراضي التي) ضمّت. المجتمع الدولي أنشأ مجموعة القوانين الدولية الحديثة المتعلقة بالاحتلال، وهو الذي أصدر مئات القرارات في مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان، والتي يطالب من خلالها إسرائيل بالالتزام الصارم بالقوانين المتعلقة بالاحتلال، وعدم ضم أيّ أراضٍ وعدم بناء أي من مستوطناتها الـ300 في شرق القدس والضفة الغربية وإنهاء حصار غزة.

وهناك دليل قاطع على أن انتقاد إسرائيل، من دون عواقب، لم يؤد إلى شيء. وإسرائيل مستعدة لدفع ثمن بسيط بما يتعلق بسمعتها الدولية... بسبب الاختلال الاستثنائي في ميزان القوة بين إسرائيل والفلسطينيين.

الطريقة الوحيدة التي سينتهي بها هذا الاحتلال، والطريقة الوحيدة التي سيتمكن الفلسطينيون من خلالها من تقرير المصير، كما وعدتهم قرارات الأمم المتحدة، هي إذا اتخذ المجتمع الدولي خطوات حاسمة لمحاسبة إسرائيل، باستبعادها من الاتفاقيات التجارية والثقافية والاستثمارية، وكذلك من خلال وقف مبيعات الأسلحة لها، إلى أن توافق على إنهاء احتلالها وإزالة المستوطنات والاعتراف بحق الفلسطينيين في الاستقلال والحرية.

انتقاد إسرائيل، من دون عواقب، لم يؤدِّ إلى شيء

تتحدث في تقاريرك عن ضم الأراضي بفعل الأمر الواقع. هل يمكن أن توضح هذا وتضعه في السياق الأوسع؟ وما هي تبعات ذلك فلسطينياً ودولياً؟

مع نهاية الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة عام 1945، اعترف المجتمع الدولي بأن ضم الأراضي غير قانوني بموجب القانون الدولي، وأنه لا يُسمح للدول أن تكون لديها طموحات استحواذ خارج حدودها، سواء على شكل استعمار أو محاولة توسيع حدودها. لقد أصبحت الحدود، إن شئت، مقدسة في الممارسات الدولية الحديثة.

لذلك، في الحديث عن الضم، فإنّنا نفكر في ما يسميه المحامون "ضم الأراضي بحكم القانون" (De Jure annexation) والمقصود بها الضم عن طريق الإعلان الرسمي، وهو ما فعلته إسرائيل في عام 1980 بضم القدس الشرقية، وفي 1981 بإعلانها ضم الجولان السوري المحتل. في كلتا الحالتين، استنكر مجلس الأمن الدولي ذلك، كما لا يعترف معظم المجتمع الدولي بادعاء إسرائيل السيادة على تلك الأراضي المحتلة.

لكن هناك أيضاً مفهوماً آخر للضم وهو "الضم الفعلي". وفيه توضع الحقائق على الأرض؛ بناء المستوطنات المدنية فوق أراض محتلة بغية تغيير التوازن الديموغرافي، وتمهيد الطريق لضم رسمي في المستقبل. وهذا ما تقوم به إسرائيل منذ 54 عاماً بتأسيس مشاريعها الاستيطانية، حيث تُسكِن المستوطنين اليهود الإسرائيليين في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية والضفة الغربية، وفي وقت ما في غزة، من أجل أن تتمكن من تعزيز المطالبة بالضم الرسمي في وقت لاحق.

في القانون الدولي، كلا النوعين من الضم غير قانونيين. ولذلك، تجدر الإشارة إلى أن أي خطوات تتخذ وتتعامل مع أراض محتلة كنتيجة احتلال، كما تفعل إسرائيل في القدس الشرقية والضفة الغربية، هو أمر ممنوع بشكل صارم ومطلق بموجب القانون الدولي. يُعامل الضم الآن باعتباره جريمة عدوان مع التعديلات التي أُدخلت على قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 2010.

لا يبدو أن الأميركيين مستعدون للتحرك في حال مضت إسرائيل قدماً في خططها الاستيطانية

يبدو أن أولويات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بعيدة عن الشرق الأوسط عموماً، والقضية الفلسطينية تحديداً. كيف ترى ذلك؟ وما هو الدور الذي تلعبه الإدارة الأميركية الحالية برأيك؟

قامت الإدارة الأميركية الحالية بعدد من الخطوات الإيجابية من بينها إعادة تمويل وكالة تشغيل وغوث اللاجئين "أونروا"، ومنظمات (مدنية) فلسطينية. وهناك رغبة في إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس.

ولكن المخيب للآمال والذي يزيل هذه الخطوات الإيجابية هو مثلاً عدم إعادتهم مقر السفارة الأميركية إلى تل أبيب، كما ينصّ عليه قرار مجلس الأمن الدولي. كما أنهم لم يتراجعوا، حتى الآن، عن اعتراف إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بضم إسرائيل للجولان السوري المحتل. كذلك، يضعون أي محاولة للتوصل إلى حل نهائي قابل للاستمرار لقضية فلسطين وإنهاء الاحتلال، في مرتبة متدنية على قائمة أولوياتهم.

ونلاحظ أن الأولوية الرئيسية الوحيدة والإيجابية، التي يبدو أن إدارة بايدن تعمل عليها، هي رغبتها في الدخول مرة أخرى في اتفاقية نووية جديدة مع إيران. لكن بالقيام بذلك، يبدو أنه أياً كان رأس المال السياسي الذي تضعه الإدارة الحالية لسياستها في الشرق الأوسط، فإنه يأتي على حساب (التحرك من أجل إنهاء) الاحتلال الإسرائيلي.

الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتي تولّت الحكم في يونيو/ حزيران الماضي، ماضية قدماً في المشاريع الاستيطانية وخطط بناء آلاف الوحدات السكنية والمصادقة عليها. انتقدت الإدارة الأميركية ذلك، ولكن لا يبدو أنها مستعدة للتحرك في حال مضت إسرائيل قدماً في تلك الخطط.

كما اعترضت إسرائيل على إعادة فتح القنصلية الأميركية. ولا تزال الولايات المتحدة في مفاوضات حول الموضوع (مع الإسرائيليين)، لكن لا يبدو أن لديها الحاجة الملحة والرغبة بفتح القنصلية كنافذة للتعامل مع السلطة الفلسطينية.

أخشى أن هذا المفهوم الجديد "لتقليص الصراع"، الذي تبنته الحكومة الإسرائيلية الجديدة، قد حجّم المعارضة الدولية وخاصة الانتقادات الآتية من الإدارة الأميركية تجاه الاحتلال. بطريقة ما، فإن الحكومة الإسرائيلية الجديدة هي حكومة بنيامين نتنياهو، ولكنها تتصرف ظاهرياً بشكل أفضل. يبدو أن العالم يقبل بذلك على حساب رسم أي خط أحمر في ما يتعلق بالسلوك الإسرائيلي في إدارة الاحتلال.

لذا، لا توجد عندي آمال حقيقية في أن تتخذ الإدارة الأميركية الحالية أي خطوات حاسمة في ما يتعلق بالتمسك (الإسرائيلي) بالاحتلال، ويبدو أنها تسمح بقدر لا بأس به من الحرية للحكومة الإسرائيلية الجديدة لتواصل تأمين ديمومة ذلك الاحتلال، مع تحسين بعض الظروف المعيشية للفلسطينيين.

صنفت إسرائيل ست منظمات فلسطينية تعمل بمجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني "إرهابية". ويرى البعض أن هذه الخطوة جاءت في الوقت الذي تقوم فيه واحدة من تلك المنظمات، "الحق"، بتوثيق انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان وتقديمها للمحكمة الجنائية الدولية. ما هي قراءتك؟

هذه خطوة صادمة في نظر العديد من خبراء حقوق الإنسان. ويبدو أن الأدلة المتاحة للادعاءات الإسرائيلية، والتي كشفت عنها وسائل الإعلام، ضعيفة للغاية. لا أعرف ما إذا كان لدى إسرائيل المزيد من الأدلة الملموسة لدعم مزاعمها. الأدلة التي تم تقديمها حتى الآن ضعيفة للغاية، ولا تدعم ما تخطط إسرائيل لفعله بهذه المنظمات.

أنت محقة تماماً، يبدو أن أحد الأسباب لهذا التصنيف هو التحقيق الحالي لمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وأنشطة منظمة "الحق" في جمع الأدلة والبيانات القانونية، وبالتالي تفرض على المنظمة بشكل فعال إغلاق أبوابها.

وعموماً، لن تحاول أيّ ديمقراطية في العالم الحديث إغلاق منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني المشروعة، بغض النظر عن تقاريرها التي تنتقد قضايا حقوق الإنسان في أي بلد. ينتهي المطاف بمعظم الدول الغربية بالاستماع إلى منظمات حقوق الإنسان، من أجل محاولة تحسين سجلها، ولضمان امتثالها لالتزامات حقوق الإنسان الدولية.

في المقابل، تحاول إسرائيل منذ مدة طويلة تقليص الحيز الذي يمكن أن تعمل ضمنه منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والإسرائيلية والدولية... ولم أر ما يكفي من الانتقاد لهذه الممارسات الإسرائيلية من قبل الدول الغربية. وإذا تمكنت إسرائيل من تأطير تلك المنظمات كمنظمات إرهابية وإغلاقها، فإن ذلك سيكون ضربة جدية لمنظمات المجتمع المدني الفلسطيني ولمنظمات حقوق الإنسان الدولية.

تحاول إسرائيل منذ مدة طويلة تقليص الحيز الذي يمكن أن تعمل ضمنه منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية

في ما يخص الحصار المستمر منذ أكثر من عقد على غزة، نلاحظ أن الحروب التي شُنت في السنوات الأخيرة جعلت أغلب الغزيين بحاجة لمساعدات إنسانية. ومن الملاحظ عموماً أن هناك صمتاً من قبل المجتمع الدولي في ما يخص الوضع في غزة والحصار، مع بعض الاستثناءات طبعاً. كيف ترى هذا الحصار وتبعاته؟ وما هو الدور الذي تلعبه مصر ونقطة حدودها مع غزة؟

نقطتي الرئيسية في ما يتعلق بغزة هي استمرار الحصار الإسرائيلي لأكثر من 14 عاماً وخنق الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني في القطاع. أشعر بالأسى، لأنه يبدو أن هذا الحصار مدعومٌ من مصر لناحية إبقائها على الحدود مغلقة إلى حد كبير عبر معبر رفح. لا يخطر في بالي أي وضع مشابه في العالم المعاصر فيه أكثر من مليوني شخص تحت الحصار ولا يمكنهم الحركة.

أما المساعدات الدولية الشحيحة نسبياً، فبالكاد يمكنها جعل الاقتصاد يسير، وهذا في مكان 70 في المائة من السكان فيه دون الثلاثين. هناك أجيال كاملة في غزة لم تعرف في حياتها غير الحصار. مكان فيه النظام الصحي منهك، كما أن 96 في المائة من المياه الجوفية غير صالحة للشرب بسبب مياه الصرف الصحي ومياه البحر التي تتسرب إليها. وفوق كل هذا، فإن النسبة الرسمية للبطالة تصل إلى 45 في المائة. أما البطالة بين الشباب دون الثلاثين، فتصل إلى قرابة 65 في المائة.

أقدّر بشدة قدرة الغزيين على التحمل ومرونتهم. وأشعر بالفزع بأن المجتمع الدولي يقبل هذا الوضع. طالب مجلس الأمن الدولي عام 2009 برفع الحصار الإسرائيلي عن غزة. وها نحن نقف بعد قرابة 13 عاماً من القرار، وما زال الحصار موجوداً وخانقاً كما كان دائماً، ولا يمكن للمساعدات الإنسانية أن تكون الضمادة التي تعالج ذلك.

إن العقاب الجماعي مخالف للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. ولم تتسامح اتفاقية جنيف الرابعة مع العقاب الجماعي الذي يمارسه المحتل ضد الشعب القابع تحت الاحتلال، وهذا بالضبط ما يحدث في غزة. أشعر بأن هذه واحدة من الثغرات المظلمة التي سمح المجتمع الدولي باستمرارها. إنه يتسامح مع ما لا يمكن التسامح معه.

كل ما عليك القيام به هو النظر إلى صور الأقمار الصناعية الليلية شرقي ساحل المتوسط، وسترى من ناحية تل أبيب والمنطقة المحيطة كوكبة من الضوء الساطع، وعلى بعد 75 كيلومتراً منها قطاع غزة تحت ظلام شبه كامل. هذه الصورة بالنسبة لي، تلخص أكثر من أي شيء آخر التفاوت الهائل في القوة، وهذا الغياب الهائل للحقوق عندما نتحدث عن غزة.

يبدو أنّ الحصار على غزة مدعومٌ من مصر


ما تعليقك على إبرام دول عربية في الفترة الأخيرة لاتفاقيات مع إسرائيل وعدم مراعاة الجانب الفلسطيني؟

نعم، من المحبط أن نرى دولاً في العالم العربي تستأنف حواراتها وعلاقاتها الرسمية وغير الرسمية (مع إسرائيل) في الوقت الذي تبدو فيه القضية الفلسطينية أبعد ما تكون عن الحل.

وعموماً، جيد أن تقيم الدول علاقات دبلوماسية وتكتشف أهمية الازدهار والتعاون، إلا أن ذلك يأتي على حساب انتهاكات حقوق إنسان مقلقة للغاية. وعندما تنتهي هذه الاعترافات والعلاقات الدبلوماسية بتدعيم الاحتلال والضم الفعلي المستمر، فإن تلك الاتفاقات لا تصبح خطوة في الاتجاه الصحيح، وليست خطوة نحو السلام والازدهار للفلسطينيين. يبدو أن هذه خطوة إضافية تتجاهل محنتهم وتحكم عليهم باحتلال لا يطاق.

نبذة

يشغل مايكل لينك منصب المقرر الخاص لحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، منذ عام 2016. وهو منصب شرفي يُعيّن شاغله من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف. يقدم المقرر الخاص تقاريره ذات الصلة للمجلس ومنظمات الأمم المتحدة المختلفة.

يعمل لينك أستاذاً في القانون بجامعة "ويسترن أونتاريو" في كندا. لديه خبرة طويلة في البحث والعمل في مجال قانون العمل والقانون الدستوري وقانون حقوق الإنسان. وسبق أن عمل مع الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان وقضايا اللاجئين في القدس.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية
المساهمون