ماكرون يبحث عن مخرج لأزمة فرنسا

22 مارس 2023
يواصل ماكرون مشاوراته مع جميع الأطراف التي تسانده (فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال تداعيات تمرير قانون إصلاح نظام التقاعد في فرنسا، والذي يعدّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته حجر الزاوية للحفاظ على نظام التقاعد في هذا البلد، وتحسين النمو، تحرم ماكرون وفريقه تذوق طعم الفوز، حتى بعدما نجت حكومة إليزابيث بورن من مذكرة لحجب الثقة، بفارق 9 أصوات فقط.

إذ فيما تتحضر فرنسا لاحتجاجات عارمة مقررة هذا الأسبوع، بدعوة من النقابات العمّالية، واصل ماكرون، أمس الثلاثاء، مشاوراته مع جميع الأطراف التي تدعمه أو تسانده بشكل أو بآخر، بعدما عاشت فرنسا نهاية أسبوع صعب، وغداة تظاهرات تخللتها توترات ومواجهات حادة في العديد من المدن الفرنسية، ومنها العاصمة باريس.

واستقبل ماكرون أمس، بورن، التي كانت قد أكدت عزمها، مساء الإثنين، على "الاستمرار في تحقيق التحولات اللازمة لبلدنا"، كما اجتمع مع نواب المعسكر الرئاسي، بعد تمريره الأسبوع الماضي القانون استناداً إلى المادة 49.3 من الدستور التي تسمح بتمريره من دون تصويت برلماني.

فريق الرئاسة الفرنسية يخرج ضعيفاً

وكان من الممكن أن يعود القانون ليَسقط، إذا ما تمّ حجب الثقة عن حكومة بورن، التي تخطت، الإثنين، احتمال إطاحتها، في مواجهة معارضة يسارية ويمينية متطرفة، كانت موحدة لهذا الهدف. وحصل مقترح أول لحجب الثقة قدمته أحزاب عدة على 278 صوتاً، في حين يتطلب الحجب الحصول على 287 صوتاً (عدد نواب البرلمان الفرنسي 577)، ولم يحصد مقترح آخر مقدم من اليمين المتطرف سوى 94 صوتاً.

يراهن تحالف المعارضة اليسارية على إجراء استفتاء شعبي

لكن حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي، بزعامة جان لوك ميلانشون، أكد أن ماكرون لا خيار أمامه سوى عرض المشروع على الاستفتاء أو حلّ البرمان. من جهتها، قالت زعيمة حزب "التجمع الوطني" (اليمين المتطرف) مارين لوبان إن بورن "يجب أن ترحل" أو "يتعين على الرئيس إقالتها"، فيما أكد تحالف الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد "نوبس" اليساري (تكتل أحزاب اليسار) أن "القتال مستمر".

تقارير دولية
التحديثات الحية

وعلى المقلب النقابي، حذر الاتحاد العمالي العام من أن "لا شيء يقوض عزيمة العمال"، بينما دعا الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الفرنسي للعمل لوران بيرجيه إلى التعبئة في الإضرابات والتظاهرات المقررة بعد غدٍ الخميس. وأعرب بيرجيه عن قلقه حيال "الغضب" و"العنف" الذي قد ينجم عن اعتماد قانون لا يحظى "بالأغلبية في الجمعية الوطنية".

وقالت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أمس، إن السؤال المطروح من قبل النواب الذين يرون أن المعركة تمضي خارج أسوار مقري مجلسي الشيوخ أو النواب، هو إلى متى بالإمكان أن تصمد هندسة المشروع. وتستند المعارضة في الوقت الحالي إلى الطعون المقدمة إلى المجلس الدستوري لمراجعة القانون، كما ستطلب رئيسة الحكومة من المجلس الدستوري النظر في نص إصلاح نظام التقاعد في أقرب وقت.

يقرّ حتى فريق الرئيس الفرنسي بصعوبة المرحلة

واستناداً إلى أن قانون إصلاح نظام التقاعد لم يتمّ بعد إصداره رسمياً، تقدّم نواب "نوبس"، نهاية الأسبوع الماضي، بطلب لتنظيم استفتاء، ويراهنون على جمع تواقيع 4.7 ملايين لإسقاط المشروع، في إطار ما يعرف باستفتاء المبادرة المشتركة (بحسب المادة 11 من الدستور). لكن قبل ذلك، على النواب المتقدمين بالطلب الحصول على ضوء أخضر من المجلس الدستوري، الذي إذا ما وافق، يتمّ تجميد الإصلاح لـ9 أشهر، حتى إجراء الاستفتاء.

ويقرّ حتى فريق الرئيس الفرنسي بصعوبة المرحلة. ورأى النائب عن حزب "النهضة" (حزب ماكرون)، جيل لو جاندر، في حديث لـ"ليبراسيون"، أن على الرئيس "اقتراح خريطة طريق على الفرنسيين وعرضها للاستفتاء الشعبي"، مشدداً على أنه ليست وحدها حكومة بورن اليوم في موقع ضعف، بل الرئاسة والأكثرية الرئاسية، واعتبر أن العدو الأول للرئيس "هو النكران"، إذ عليه "ألا يتصرف كالمعتاد ومواصلة التفكير بالبزنس". وشبّه لو جاندر خطورة الوضع بعامي 1958، حين كاد التدخل في الجزائر يشعل حرباً أهلية في فرنسا، و1968، مع ثورة الطلاب والعمّال والتي تحولت إلى إضراب عارم استمر أسابيع.

وتقترب مذكرات حجب الثقة عن الحكومات الفرنسية في عهد الجمهورية الخامسة من عدد المرات التي استخدمت فيها هذه الحكومات المادة 49.3 من الدستور، التي تتيح لها تمرير مشروع قانون دون تصويت البرلمان. واستخدمت الحكومات الفرنسية هذا الاستثناء منذ عام 1958، مائة مرة، منها 11 مرة استخدمتها حكومة بورن وحدها منذ وصولها للسلطة. ولتبنيها، على مذكرة سحب الثقة أن تحصد الأكثرية المطلقة، ويعني ذلك إذا ما حصل، استقالة الحكومة. أما إذا لم يتم حجب الثقة، فيعني ذلك أن القانون مرّ بقوة الاستثناء، أي المادة 49.3، وهو ما تصفه المعارضة بـ"التمرير بالقوة". ومنذ 1958، نجحت مذكرة واحدة لحجب الثقة في إسقاط حكومة جورج بومبيدو في أكتوبر/ تشرين الأول 1962.

ويعتبر سنّ التقاعد في فرنسا من الأدنى في أوروبا، واختارت الحكومة الفرنسية رفع سنّ التقاعد القانوني استجابة للتدهور المالي الذي تشهده صناديق التقاعد، خصوصاً في ظلّ التهرم السكّاني المتفاقم. ويرى محللون أن إصلاح النظام تقاعد والاحتجاجات التي نتجت عنه، سيتركان أثراً لا يزول في ولاية ماكرون الثانية، بعدما جعل الرئيس الفرنسي من هذا المشروع رمزاً لسياسته الإصلاحية.

وأعلنت النقابات الفرنسية العمّالية، أول من أمس الإثنين، أنها "أخذت علماً بفشل مذكرة حجب الثقة عن الحكومة في البرلمان، داعية إلى تكثيف التحشيد، واتخاذ كل المبادرات اللازمة في الشركات والإدارات وأماكن الحياة، لرفع شعار رفض نظام التقاعد". وقال الأمين العام لحركة "القوة العمّالية" فريديريك سويو: "سنضغط على كل الأزرار: تظاهرات، إضرابات، والمجلس الدستوري".

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

تقارير دولية
التحديثات الحية
المساهمون