مارين لوبان تسلّم قيادة اليمين المتطرف في فرنسا لجوردان بارديلا

05 نوفمبر 2022
بارديلا يبلغ 27 سنة فقط (Getty)
+ الخط -

نقلت مارين لوبان، اليوم السبت، خلال المؤتمر الـ18 لحزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف في فرنسا، شعلة قيادة الحزب، إلى جوردان بارديلا، ابن الـ27 عاماً، الذي كان قد تسلّم قيادة الحزب بالوكالة منذ سبتمبر/أيلول 2021، عندما كانت لوبان تخوض حملة انتخابات الرئاسة الفرنسية للمرة الثالثة.

وحسب تقارير إعلامية فرنسية فقد حصد بارديلا، الذي يشغل منصب نائب بالبرلمان الأوروبي وتولى رئاسة "التجمع الوطني" بالإنابة منذ نحو سنة، ما مجموعه 84.84% من الأصوات في الانتخابات التي جرت صباح اليوم، وصوّت خلالها نحو 40 ألفاً من أنصار الحزب.

واستطاع بارديلا بذلك تحقيق انتصاره الذي كان متوقعاً على عمدة مدينة بربينيان (جنوب)، لويس أليوت، الذي حصل فقط على 15.16% من الأصوات. كذلك أصبح بارديلا أول زعيم يقود الحزب اليميني المتطرف من خارج عائلة لوبان، بعد تأسيسه عام 1972 من قبل جان ماري لوبان.

وكان متوقعاً على نطاق واسع فوز بارديلا بخلافة مارين لوبان وقيادة الحزب، في ظلّ صعوده السريع داخل هرمية "التجمع الوطني"، وقربه من العائلة، والنجاحات التي حقّقها مع لوبان أخيراً، لا سيما مع ارتفاع عدد نواب الحزب داخل البرلمان، إثر الانتخابات التشريعية التي أجريت في فرنسا في يونيو/ حزيران الماضي.

وتمكّن بارديلا، في غضون ذلك، من حجز مكان له كخطيب متمكّن، وصاحب حضور قوي في الإعلام الفرنسي، تمكّن من مقارعة معظم المسؤولين والوزراء على شاشات التلفزة مستفيداً من دوره السابق كمتحدث باسم الحزب. لكن تساؤلات عدة برزت منذ أن بات اسمه الأوفر حظاً لخلافة عائلة لوبان على رأس "التجمع"، وتتعلق بماهية تصوراته الأيديولوجية، وما إذا كان حقاً يملك أياً منها، علماً أنه يبقى بشكل خاص "الرئيس الذي صنعته مارين لوبان".

تقارير دولية
التحديثات الحية

وتسود قناعة بأنّ بارديلا هو "صنيعة لوبان". كما أنه الشريك في الحياة الخاصة لنولوين أوليفييه، ابنة أخت مارين، ماري كارولين لوبان. لكن الفضل يُنسب لابن ضواحي باريس الذي ولد في بيئة فقيرة، ولا تغادره اليوم ربطة عنقه، في أنه ساهم في سعي الحزب إلى التموضع إلى اليمين التقليدي، وإخراجه في عملية مستمرة، من دائرة الانعزال، ليصبح أكثر اقتراباً من المنظومة السياسية الفرنسية.

كما أنّ لبارديلا الفضل في جذب الفرنسيين الناقمين على حزب "الجمهوريين" (اليمين التقليدي)، إلى "التجمع الوطني"، وهو ما نجح الحزب في استثماره خصوصاً خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة (إبريل/ نيسان الماضي)، حين تمكّنت لوبان من الاقتراب أكثر من الإليزيه، وانتقلت مع الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بفارق نقاط مئوية قليلة عنه (23.15% مقابل 27% لماكرون).

وفاز بارديلا، اليوم، برئاسة الحزب الذي يبلغ عامه الـ50 بقيادة جديدة من خارج عائلة لوبان، للمرة الأولى منذ إنشائه على يد جان ماري لوبان الأب. وكان بارديلا قد تعهد، في حديث لوكالة "رويترز"، الأسبوع الماضي، بأنّ "التجمع الوطني" لن يعود أبداً إلى حزب "الجبهة الوطنية"، الاسم الأول لحزب اليمين المتطرف الفرنسي، من دون أن يشرح كثيراً طبيعة التحولات التي ساهم فيها بارديلا، مع حفنة من الوجوه الشابة داخل الحزب، وما إذا كان يلمّح إلى خروج الحزب من دائرة "الشعبوية" التي التصق فيها لعقود.

ومن بين هذه التحولات، أنّ "التجمع الوطني" خرج للمرة الأولى، قليلاً، في ظلّ قيادة بارديلا بالوكالة، من خطابه الشعبوي المركّز على الهجرة والإسلام والمسلمين في فرنسا، إلى خطاب لامس أكثر هموم المواطنين، حين قادت لوبان الحملة الرئاسية على أساس القدرات الشرائية للفرنسيين.

لكن ذلك لا يعني أنّ خطاب بارديلا، المولود في الضاحية الشمالية لباريس، سين سان دوني، والذي يعيد دائماً التذكير بقلّة حيلة عائلته المادية، لا يخلو من العنصرية، على اعتبار أنّ إثارة الهلع "من الآخر" هي إحدى ركائز الصبغة القومية الوطنية للحزب.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أثار بارديلا الجدل بتحذيره أنّ "40% من الولادات حالياً في فرنسا، تجري بين عائلات غير أوروبية"، معتبراً أنّ ذلك يشكّل "تبدلاً هائلاً وعنيفاً". واعتبر في أحد تصريحاته أنّ أي حراك في فرنسا دعماً للقضية الفلسطينية هو "عذر للقيام بالفوضى وتحريك المطامع الإسلامية وإثارة المشاعر اللاسامية".

وتثير تصريحات بارديلا شكوكاً لدى البعض، بسبب قربه من الصحافي اليميني المتطرف إريك زيمور، الذي ترشح أيضاً للرئاسة بدورتها الماضية، وأسّس حزب "الاسترداد". لكن أحداً لا يخفي براغماتية الشاب الذي انضم إلى "التجمع الوطني" في سنّ الـ16 عاماً، قبل أن يدخل الحياة الجامعية، من دون أن يكمل دراسة الجغرافيا في السوربون، للتفرغ للسياسة. ويؤكد متابعون أن بارديلا، حتى وإن ترشحت لوبان للرئاسة في 2027، فإنه سيكون على الأرجح مرشح اليمين المتطرف الفرنسي في رئاسيات 2032، وربما مع "تجمع وطني" أكثر نضجاً واندماجاً وتقبلاً شعبياً، بعيداً عن الأرياف.

يذكر أنّ بارديلا تدرج داخل "التجمع الوطني" منذ أن انتخب كأصغر سكرتير للحزب في منطقة سين سان دوني. ولم يترشح بارديلا لعضوية "الجمعية الوطنية" (البرلمان الفرنسي) في الانتخابات العامة الأخيرة، بعدما خسر هذا الرهان في 2017، لكنه فاز بعضوية البرلمان الأوروبي في 2019.

وعن السر وراء هذه السابقة في تاريخ الحزب، قالت صحيفة "لوموند"، في تقرير لها، إنّ انتقال زعامة "التجمع الوطني" إلى بارديلا، سيمكّن مارين لوبان من التركيز أكثر على عملها داخل البرلمان الفرنسي، والعمل على تقوية حظوظها للوصول إلى تولي رئاسة البلاد.

وأضافت الصحيفة أنّ بارديلا صرّح في مناسبات عديدة بأنه ينوي دعم ترشح مارين لوبان مجدداً لخوض السباق على الاستحقاق الرئاسي في عام 2027.

وتترك مارين لوبان بذلك زعامة الحزب اليميني المتطرف بعد 11 عاماً من قيادتها له، بعدما تسلمته من والدها إثر انقلابها عليه، وتقول إنها تريد مواصلة "عملها" وكفاحها السياسي، من دون استثناء ترشّحها لخوض السباق نحو الإليزيه للمرة الرابعة.

المساهمون