أعلنت السلطات الفرنسية، اليوم الجمعة، قرار فتح جزء من أرشيف ثورة التحرير في الجزائر، قبل 15 سنة من الآجال المحددة في القانون الفرنسي المنظم للأرشيف، ما من شأنه أن يكشف عن المزيد من الحقائق حول التعذيب الممنهج الذي مارسته القوات الفرنسية في الجزائر، وكذلك ظروف موت عدد من المناضلين.
وقالت وزيرة الثقافة الفرنسية روزلين باشلو، في تصريحات صحافية لقناة "بي إف إم"، إن الحكومة الفرنسية قرّرت رفع السرية عن أرشيف الثورة التحريرية، الذي يشمل فقط أرشيف الوثائق المتعلقة بتحقيقات الشرطة والدرك الفرنسيين خلال فترة الثورة التحريرية، مشيرة إلى أن هذا القرار يهدف إلى إعادة بناء التاريخ دون تحريف.
وقالت: "هناك تحريف للتاريخ، وأريد أن نسلّط الضوء على الحقيقة، وهذا التحريف هو ما يؤدي إلى التيه، وفي اللحظة التي يتم فيها وضع الأحداث على الطاولة، يتم حينها بناء قصة أخرى، لدينا أشياء كثيرة يجب إعادة تشييدها مع الجزائر".
ورداً على سؤال حول ما إذا كان فتح أرشيف التحقيقات سيؤدي إلى كشف حالات التعذيب الواسعة والممنهجة التي مارسها الجيش الفرنسي ضد المقاومين والمناضلين الجزائريين، قالت باشلو: "هذا لا يخيفني، فمن مصلحة بلادنا الاعتراف بذلك".
هل يزيد فتح الأرشيف من حدة الانقسام حول تاريخ الثورة؟
ولفت أستاذ التاريخ ذاته إلى أن "القرار الفرنسي سيتيح للباحثين في قضايا التاريخ الاطلاع على وثائق وتقارير الشرطة والدرك الفرنسي، وملفات التحقيقات التي كانت تجريها مع وحول المناضلين الجزائريين ومختلف الأحداث خلال ثورة التحرير، ومن شأنها أن تكشف عن أسرار كثيرة، بما فيها عن العملاء الجزائريين الذين كانون يتعاونون مع الاستعمار الفرنسي".
ويُعدّ ملف فتح أرشيف ثورة التحرير الجزائرية أمام الباحثين في قضايا التاريخ أحد أبرز المطالب السياسية التي ترفعها الجزائر إزاء باريس خلال المفاوضات المتعلقة بقضايا الذاكرة، إضافة إلى مطلب استعادة الأرشيف الجزائري الذي نهبته فرنسا مباشرة بعد احتلالها للجزائر عام 1830.
وفي سياق آخر، يؤكد الباحث في قضايا التاريخ، قادة دين، أن القرار الفرنسي "قد يكون بخلفيات سياسية"، وقال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "القرار الفرنسي الأخير يخص رفع السرية عن أرشيف تحقيقات جهاز الشرطة، وهو إجراء يخضع لظروف ما يسببه ذلك الأرشيف من ضرر على الفاعلين الذين لا يزالون على قيد الحياة. ويفترض بعد مضي الزمن الملائم أن يفتح للعامة، لكن في مثل هذه القرارات، يجب أن نأخذ في عين الاعتبار العوامل السياسية بسبب طبيعة العلاقة مع فرنسا".
وأضاف دين: "لا يُستبعد أن تكون هناك أغراض سياسية من ورائه، خصوصاً في سياق توجهات ماكرون، واستعماله كورقة انتخابية لصالحه، في استمالة الجالية الجزائرية التي تمثل كتلة ناخبة مهمة، وفي سياق تلطيف الأجواء مع الجزائر"، في أعقاب الأزمة السياسية الحادة بين البلدين منذ التصريحات الأخيرة للرئيس ماكرون بحق الجزائر.
وأضاف قادة دين: "التداعيات ستحدّد الهدف الرئيس لهذا النوع من القرارات، سوف ننتظر لنرى النتائج وأية جهة تخدم".
تساؤلات عن مدى جاهزية الجزائريين لتقبّل ما قد يكشفه الأرشيف
لكن بعض الباحثين في قضايا التاريخ يطرحون مشكلة مدى جاهزية المجتمع الجزائري الذي تشكلت علاقته بالثورة ووقائعها على نحو معين، لتقبل ما يمكن أن يكشفه الأرشيف.
وفي هذا السياق، يعبّر الباحث والكاتب في قضايا التاريخ محمد أرزقي فراد، عن جزء من هذه المخاوف، ويقول، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الأرشيف الفرنسي الجزائري سلاح ذو حدين، والحذر بشأنه مطلوب، بالنظر إلى غياب الوعي التاريخي لدى الجمهور العريض، وإلى وجود تيارات أيديولوجية متطرفة عندنا، تقوم بلي عنق التاريخ لتغذية الصراع السياسي".
وأكد أنه "من واجب القائمين على الأرشيف عندنا أن يضعوا نصب أعينهم قاعدة أنه "ليس كل ما يعرف يقال"".
وتابع: "يمكن النظر مثلاً إلى تداعيات قضية أحداث قرية ملوزة (عملية قتل فيها عدد من السكان نسب تنفيذها إلى جنود جيش التحرير الجزائري)، والتي لم تحسن الدولة التعامل معها، والنتيجة هي تشويه سمعة أطراف هي بريئة في الأصل. ثم علينا أن نضع في الحسبان الجدار الوطني المرصوص بالدرجة الأولى، حتى لا يكون الأرشيف سبباً في إحداث التصدع فيه".