بعد إعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، اليوم الخميس، عن "تحرير" مدينة ماريوبول الساحلية الأوكرانية، وأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإلغاء عملية اقتحام مصنع "آزوف ستال" الذي بقي آخر معاقل القوات الأوكرانية في المدينة، تتزايد التساؤلات حول كيفية استثمار موسكو لهذا التقدم، عسكرياً وسياسياً، وتأثيره على مسار عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
وبذلك تصبح ماريوبول التابعة لمقاطعة دونيتسك، ثاني مدينة أوكرانية كبرى تسيطر عليها القوات الروسية بعد خيرسون الاستراتيجية المطلة على البحر الأسود في موقع صب نهر دنيبر فيه والتي سقطت بين أيدي الروس في مطلع مارس/آذار الماضي.
وعلى الصعيدين السياسي والعسكري، تتيح السيطرة على ماريوبول للكرملين تحقيق بضعة أهداف استراتيجية، بما فيها تأمين ممر ربط شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014 بمنطقة دونباس الموالية لها ومقاطعة روستوف الحدودية الروسية، وحفظ ماء الوجه مع اقتراب احتفالات ذكرى النصر على ألمانيا النازية في 9 مايو/أيار المقبل، والإعلان عن التقدم في تحقيق أهداف "العملية العسكرية الخاصة"، وتركيز القوات في دونباس للسيطرة عليها بشكل كامل.
فشل عسكري كبير
وفي هذا الإطار، يشير الأستاذ في التاريخ بجامعة ماريا كوري سكلودوفسكا في مدينة لوبلين البولندية غيورغي كاسيانوف إلى أن السيطرة على ماريوبول ستوفر للقوات الروسية المبادرة الاستراتيجية للتقدم في دونباس من المحور الجنوبي، معتبراً، في الوقت نفسه، أن عجز روسيا عن تحقيق أهدافها فيها طيلة شهر كامل يشكل فشلاً عسكرياً، وفق اعتقاده.
ويقول كاسيانوف، في حديث لـ"العربي الجديد": "ظلت العمليات في ماريوبول تستحوذ على مجموعة هامة من القوات الروسية كان يمكن استخدامها للتقدم في دونباس من المحور الجنوبي، كما أن وجود القوات الأوكرانية في المدينة، ولو بأعداد بسيطة، منع الروس من تأمين ممر ربط روسيا بالقرم برا، ومن المبادرة الاستراتيجية المطلوبة للتقدم الناجح في دونباس".
وحول الأهمية السياسية التي تشكلها السيطرة على ماريوبول بالنسبة إلى الكرملين، يضيف أن "ماريوبول لها أهمية استراتيجية ومعنى سياسي رمزي، كما أنها مهمة بالنسبة إلى الروس من جهة نزع النازية"، في إشارة إلى محاصرة كتيبة "آزوف" القومية المتشددة في "آزوف ستال"، لافتا في الوقت نفسه إلى أن مساواة "آزوف" بالنازيين الجدد لا تخلو من المبالغة.
ومع ذلك، يصف كاسيانوف عجز القوات الروسية عن السيطرة على ماريوبول لمدة شهر كامل رغم التفوق في عدد الأفراد بمقدار خمسة أضعاف، بأنه "فشل عسكري كبير".
ويعلق على الأهمية التاريخية لماريوبول بالنسبة إلى أوكرانيا، قائلاً: "في التاريخ الحديث، خطط الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لماريوبول أن تكون مجمعاً للابتكار وعاصمة غير رسمية لدونباس، كما أن لها تاريخاً بطولياً للتصدي للروس منذ عام 2014".
وبعد اندلاع النزاع المسلح في دونباس في ربيع عام 2014، شهدت ماريوبول في مايو/أيار من ذلك العام، مواجهات عنيفة بين معارضي السلطة الأوكرانية الجديدة الموالية للغرب والقوات الأوكرانية، بما فيها الكتائب القومية، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى.
وحتى يونيو/حزيران 2014، ظلت ماريوبول خاضعة لسيطرة قوات "جمهورية دونيتسك الشعبية" المعلنة من طرف واحد، إلى أن تمكنت القوات الأوكرانية من إعادة السيطرة عليها.
ماريوبول في سطور
يعود تأسيس المدينة إلى عام 1780 على أيدي اليونانيين الأرثوذكس القادمين من القرم، وأتى الاسم الحديث لماريوبول من كلمة بولي ("Πόλη" في اليونانية، والتي تعني المدينة)، أما كلمة ماريو، فإنها تعود إلى اسم الإمبراطورة الروسية ماريا فيودوروفنا، حرم الإمبراطور بافل الأول، المنتمي إلى آل رومانوف. إذن، ماريوبول تعني مدينة ماريا.
ومنذ تأسيس المدينة، عمل سكانها في مجالات التجارة وصيد الأسماك، كما أن أضراراً كبيرة لحقت بالمدينة أثناء حرب القرم بين الإمبراطورية الروسية وتحالف بريطانيا وفرنسا والإمبراطورية العثمانية ومملكة سردينيا في أعوام 1853 - 1856.
وبعد وقوع ثورة البلاشفة في عام 1917، تمت إقامة سلطة السوفييت في ماريوبول، ليتم ضمها إلى جمهورية أوكرانيا السوفييتية، ضمن عمليات الضم التي يسعى الكرملين اليوم لاستثمارها للترويج للطابع "الاصطناعي" لأوكرانيا كدولة وتبرير غزوها.
وبحسب البيانات عن عام 2019، كان عدد سكان ماريوبول يقدر بنحو 519 ألفاً، كما أن المدينة تحتضن ميناء مطلاً على خليج تاغانروغ لبحر آزوف.
في المدينة عدد كبير من الشركات الصناعية الكبرى، بما في ذلك أكبر مشروع في دونباس - إيليتش الحديد ومصانع الصلب والأشغال المعدنية "Azovstal"، وهي آلة عملاقة لبناء مصنع "Azovmash"، حوض بناء السفن والصناعات الكيميائية وفحم الكوك والمواد الغذائية والصناعات النسيجية. أكبر شركات النقل والتجارة البحرية الميناء والمطار ومحطة للسكك الحديدية ومحطات الحافلات والنقل بين المدن (الترام، عربة القطار، والحافلات والحافلات الصغيرة).