"زميني" أو الأفعى، تسمية تطلق على جزيرة صخرية صغيرة في البحر الأسود لا تتجاوز مساحتها 20 هكتاراً، ولم يسمع عنها كثيرون حتى بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، ولكن الوضع تغير جذرياً بعد إعلان العسكريين الروس في اليوم الثاني من الحرب السيطرة على الجزيرة.
إلا أن إعلان وزارة الدفاع الروسية، أمس الخميس، انسحاب القوات الروسية من جزيرة الأفعى بعد تعرضها لهجمات أوكرانية مضادة متكررة بأحدث الأسلحة الغربية، قد يدل على تقليص نطاق العملية العسكرية الروسية والتركيز على التقدم في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك اللتين اعترفت موسكو باستقلالهما عن أوكرانيا تحت مسمى "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" عشية بدء الحرب.
وتشكل جزيرة الأفعى أهمية استراتيجية من جهة السيطرة على القسم الشمالي الغربي من البحر الأسود، حيث إن نشر نظم الدفاع الجوي فيها كان سيتيح لروسيا مراقبة كاملة لجنوبي أوكرانيا، بالإضافة إلى كون الجزيرة بوابة إلى ثالث أكبر مدينة أوكرانية: أوديسا ومينائها، الذي يعد منفذاً مهماً لتصدير المواد الغذائية الأوكرانية إلى العالم الخارجي.
وفي الوقت الذي أرجعت فيه وزارة الدفاع الروسية سحب القوات من جزيرة الأفعى إلى بادرة حسن نية والإظهار أمام المجتمع الدولي أنها "لا تعرقل جهود الأمم المتحدة لتنظيم ممر إنساني" لإخراج الحبوب من أوكرانيا، فإن الصحافة المستقلة الروسية شككت في دقة هذه الرواية، لا سيما على ضوء تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في ختام قمة قزوين في عاصمة جمهورية تركمانستان عشق آباد، أن الهدف النهائي من العملية العسكرية هو "تحرير دونباس".
واعتبرت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، في عددها الصادر يوم الجمعة، أن انسحاب القوات الروسية من جزيرة الأفعى يدل على أن موسكو "تتجه نحو تقليص نطاق العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا".
ونقلت الصحيفة عن الخبير العسكري المتحدر من منطقة دونباس، شرقي أوكرانيا، فلاديلين تتارسكي، قوله إن السبب الرئيس لانسحاب القوات الروسية من جزيرة الأفعى هو عدم امتلاك الأسطول الروسي والقوات الجوية الفضائية الروسية وسائل استطلاع وتصويب قادرة على استهداف الطيران وصواريخ "كاليبر" المجنحة بصورة فعالة.
ومع ذلك، أعرب تتارسكي عن اعتقاده بأن روسيا يمكنها إعادة بسط السيطرة على جزيرة الأفعى في حال السيطرة على أوديسا أو قبيل التوقيع على اتفاق الهدنة بشكل مباشر.
وبدوره، اعتبر مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو فاسيلي كاشين أن انسحاب القوات الروسية من جزيرة الأفعى كان قراراً صائباً من وجهة النظر العسكرية البحتة، بعدما تبين أن الإبقاء على السيطرة على الجزيرة أصعب من احتلالها.
وأوضح كاشين في حديث لصحيفة "إر بي كا" الروسية، أن جزيرة الأفعى عبارة عن صخرة مسطحة يستغرق تجهيزها للدفاع عدة أشهر لإقامة تحصينات طويلة الأجل، مشيراً إلى أن الإبقاء على السيطرة على الجزيرة لم يعد ممكناً بعد حصول أوكرانيا على ما يكفي من المدفعية بعيدة المدى، مثل مدافع الهاوتزر التابعة لحلف شمال الأطلسي، ذات عيار 155 مليمتراً والقادرة على إصابة الجزيرة التي تبعد عن الساحل 35 كيلومتراً فقط.
وعلى مدى أكثر من أربعة أشهر من القتال، ظلت جزيرة الأفعى في قلب المعارك الروسية الأوكرانية، ووصل الأمر إلى حد مشاركة الطراد الصاروخي "موسكفا" في المعركة من أجل جزيرة الأفعى، ولكنه غرق في منتصف إبريل/نيسان الماضي، على أثر اندلاع حريق على متنه، وفق رواية وزارة الدفاع الروسية، بينما زعمت أوكرانيا آنذاك أنها أصابت "موسكفا" بصاروخين أطلقا بواسطة منظومة "نيبتون" الساحلية الأوكرانية المضادة للسفن.