مؤشرات لتحرك عسكري في إدلب: الفصائل تتأهب للدفاع أو المبادرة بالهجوم

03 يونيو 2022
عنصران من "تحرير الشام"، إبريل الماضي (عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن الفصائل السورية المسلحة في الشمال الغربي من البلاد، باتت تلمس تراجعاً روسياً في دعم وإسناد النظام خلال العمليات العسكرية المقبلة، لا سيما مع ورود معلومات عن تخفيض الروس لقواتهم، بشكل غير معلن، مع تقدم عمر الحرب في أوكرانيا، والاستفادة من القوات والإمكانات الموجودة لديهم في سورية هناك.

وترى الفصائل في هذه المتغيرات فرصة لفرض واقع ميداني جديد، في ظل التحضيرات التركية مع "الجيش الوطني" المعارض في الشمال والشمال الشرقي من البلاد، لشن عمل عسكري تجاه مواقع "الوحدات الكردية" بأرياف حلب والحسكة والرقة.

مؤشرات التحرك العسكري في إدلب

وحصلت "العربي الجديد"، من مصدر عسكري مطلع في "الجبهة الوطنية"  المنضوية تحت صفوف "الجيش الوطني" المعارض على معلومات تفيد بأن فصائل المعارضة العسكرية إلى جانب "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) عززت مواقعها في محيط مدينة سراقب، عند خطوط التماس مع قوات النظام والمليشيات المدعومة من إيران.

وتضمّن ذلك رفع الجاهزية وتحضير نقاط هجومية ودفاعية. وكذلك كان الوضع في بعض المواقع في ريف حلب الغربي على خطوط التماس مع قوات النظام، وسبق ذلك تدعيم المواقع والنقاط سواء للمعارضة العسكرية أو القوات التركية، جنوبي إدلب، تحديداً في جبل الزاوية، أي على تخوم معرة النعمان ومحيطها.

وأضاف المصدر أن الفصائل العسكرية الموجودة في إدلب، ستتحرك بشكل رئيسي باتجاه ريف حلب الغربي، في مساعٍ لاستعادة بعض المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام والمليشيات الإيرانية، بعد خرق التفاهمات الروسية ـ التركية، وأبرزها مناطق قبتان الجبل وعينجارة والفوج 45.

وكشف المصدر أن تعزيز قوات الفصائل في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، يأتي تحسباً لهجوم قوات النظام من تلك المناطق، موضحاً أن أي محاولة تقدم للنظام في تلك المناطق ستكون فرصة لفصائل المعارضة بالتقدم نحو سراقب ومعرة النعمان.


الفصائل العسكرية في إدلب ستتحرك بشكل رئيسي باتجاه ريف حلب الغربي

وفي سياق متصل، نشرت "هيئة تحرير الشام" تسجيلاً مرئياً قبل أيام، لمناورات أجرتها على خطوط التماس مع قوات النظام استمرت قرابة أربعة أشهر.

وأظهر التسجيل تحضيرات لـ"الهيئة" تضمنت رفع الجاهزية لقوات المشاة ووحدات المدفعية والقناصة، بالإضافة إلى نقل العربات العسكرية والمدرعات والدبابات.

وعقب المناورات أصدر القائد العسكري لـ"الهيئة" أبو الزبير الشامي تصريحاً، يوم الاثنين الماضي، أشار فيه إلى أنه "بعد انتهاء الحملة الأخيرة التي قام بها المحتل الروسي والنظام المجرم على الشمال المحرر، بدأنا في الجناح العسكري بهيئة تحرير الشام بإعداد الوحدات العسكرية عبر خطط تدريبية متكاملة، والعمل على تنفيذها ضمن جدول زمني محدد".

وأضاف الشامي: "من هذه الخطط قمنا بإجراء مناورات عسكرية، بغية رفع الجاهزية القتالية لكافة وحداتنا، ورفع مستوى الرصد والاستطلاع والتنبؤ بالثغرات والمشاكل التي قد تقع أثناء تنفيذ العمليات العسكرية، واستمررنا في تنفيذ المناورات قرابة 4 أشهر، شملت كافة الجبهات في الشمال المحرر (جبل الزاوية، ريف إدلب الشرقي، الساحل، ريف حلب الغربي). وتعدّ هذه المناورات كما أسلفنا جزءا من خططنا التدريبية الدورية المعتمدة لدينا ضمن الجناح العسكري".

وأشار إلى أن "جميع الألوية العسكرية في الهيئة شاركت في المناورات، وأشرفت قيادة الجناح العسكري على تنفيذها بالشكل المطلوب، لتحسين أداء الألوية ورفع جاهزيتهم العسكرية استعدادا لأي حدث أو معركة قادمة".

ودائماً ما تتوعد الفصائل بكافة تشكيلاتها في إدلب ومحيطها، بضرورة استعادة مواقع خسرتها في إدلب ومحيطها، أي "منطقة خفض التصعيد الرابعة" التي تضم كافة محافظة إدلب وأرياف حلب الغربي والجنوبي وحماة الشمالي والغربي واللاذقية الشرقي، وذلك بعد أن تقدم النظام بدعم روسي وإيراني للسيطرة على مساحات واسعة منها في معارك متفرقة منذ عام 2018 وحتى ربيع عام 2020.

وتخضع هذه المنطقة وفقاً لتفاهمات روسية – تركية للمراقبة من قبل القوات التركية بالإشراف عليها، لكن النظام مع الروس والإيرانيين تجاوزوا تلك التفاهمات وقضموا مساحات كبيرة منها، ما أدى لتهجير حوالي مليوني مدني عن مدنهم وقراهم لا سيما في أرياف حماة الشمالية والغربية، وحلب الغربية والجنوبية، وإدلب الجنوبية والشرقية.

من جهته، أكد النقيب ناجي المصطفى، المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" المنضوية تحت صفوف "الجيش الوطني"، العاملة كذلك ضمن غرفة عمليات "الفتح المبين" في إدلب ومحيطها، بأن الجاهزية من قبلهم دائماً مرفوعة نظراً للتصعيد المستمر من قبل النظام والروس على جبهات إدلب ومحيطها.

وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد" بأن هناك تحركات أخيرة للمليشيات الإيرانية على الميدان، تطلّبت الاستعداد لأي سيناريو قد يحدث، سواء كان للدفاع من خلال تحرك النظام وحلفائه نحو مناطقنا، أو للهجوم من خلال تحضير خطط هجومية على عدة محاور تحسباً لأي تغير قد يدفع لفتح معركة.

وأشار المصطفى إلى أنهم دائماً ما يتابعون ويرصدون التحركات المعادية، وبالتالي التعاطي مع أي تحرك مطلوب من خلال الاستعداد ووضع الخطة المناسبة له.


سراقب ومعرة النعمان في مرمى الفصائل في حال شنّ النظام هجوماً

أما العقيد مصطفى بكور، القيادي في فصيل "جيش العزة" المنضوي ضمن غرفة عمليات "الفتح المبين"، والتي تضم إلى جانب فصيله كلا من "هيئة تحرير الشام" وتشكيلات "الجبهة الوطنية للتحرير"، فقال لـ"العربي الجديد" إن "إعلان هيئة تحرير الشام عن المناورات يأتي في إطار غرفة عمليات الفتح المبين".

ولفت إلى أن هذه المناورات بالقرب من بعض المحاور تأتي "للتأكيد على جاهزيتها العسكرية لصدّ أي هجوم معاد أو المبادرة بالهجوم عندما تتحقق الظروف المناسبة لذلك".

وأضاف القيادي العسكري: "ينظر الكثيرون إلى العملية العسكرية التركية المرتقبة في الشمال السوري، على أنها يمكن أن توفر ظرفاً مناسباً للبدء بعملية عسكرية جنوبي إدلب، لكن لا يخفى على أي متتبع للوضع في سورية أن التفاهمات الدولية هي التي تتحكم بالتحركات العسكرية، ولا أدلّ على ذلك من تأخير العملية العسكرية التركية بعد الإعلان عنها إثر التحذيرات الأميركية والروسية والإيرانية منها وعدم الموافقة عليها".

تنسيق وتأهب عسكري في إدلب

وحول مشاركة فصيله في أي تحرك مقبل، أكد بكور أن "جيش العزة" ضمن غرفة عمليات "الفتح المبين" وينسّق مع الفصائل الأخرى بكافة النشاطات العسكرية في أماكن انتشاره.

ورأى أن حظوظ الفصائل في إحراز تقدم في إدلب ومحيطها كبيرة جداً، واستعادة الكثير من المواقع التي خسرتها، في حال كان هناك توافق دولي للسماح بعمل عسكري في إدلب.

وتتيح الظروف الحالية للمعارضة العسكرية الكثير من الفرص للتحرك عند جبهات إدلب، لا سيما أن المليشيات المحسوبة على روسيا، وفي مقدمتها "الفرقة 25 – مهام خاصة" و"الفيلق الخامس"، قد خففت وجودها في إدلب لصالح تعزيزات في البادية في ظل تجدد نشاط تنظيم "داعش" هناك.

كما تعد جبهة سهل الغاب بريف حماة الغربي حالياً، أضعف خاصرة للنظام، لكون "الفرقة الرابعة" التي تسيطر بنسبة 50 في المائة على مواقع ريف حماة الغربي، سحبت عدداً كبيراً من قواتها وآلياتها نحو البادية كذلك.

ويبقى الانتظار مطلوباً لمعرفة نتيجة التحركات التركية لإقناع المجتمع الدولي والغرب بشن عمل عسكري شرقي سورية، أي ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وأي تنازل من قبل تركيا عن أي مساحة تريد التقدم إليها قد يفضي لإعطائها الضوء الأخضر للتحرك مع حلفائها في إدلب ومحيطها.

لكن الباحث المختص بالعلاقات الدولية والشأن التركي طه عودة أغلو، لا يتوقع أن تقوم تركيا بشن عمل عسكري واسع في الوقت الحالي، على الرغم من الحشد العسكري والإعلامي لذلك، متوقعاً في حديث لـ"العربي الجديد"، بأنه إذا لم تنجح المقايضات الدولية حول العملية، فمن المرجح أن تندلع المعركة بعد قمة مدريد المقبلة لدول حلف شمال الأطلسي (بين 29 و30 يونيو/حزيران الحالي).