على الرغم من أن رئيسة الحكومة الدنماركية، ميتا فريدركسن (يسار وسط)، ظلت تردد قبيل اجتماعها في البيت الأبيض، اليوم الاثنين، بالرئيس الأميركي جو بايدن، أنها "سعيدة" بمنصبها رئيسة حكومة، تزايدت المؤشرات حول إمكانية انتقالها إلى منصب الأمانة العامة لحلف شمال الأطلسي "ناتو".
وترفع التخمينات الصحافية والسياسية المتزايدة عن خلافة الأمين العام الحالي للحلف، النرويجي ينس ستولتنبرغ، من حظوظ فريدركسن لتصبح أول سيدة تتقلد المنصب، خصوصاً أنها مرشحة تحظى برضا الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، وعدد آخر من الدول، بل والاتحاد الأوروبي، وستولتنبرغ نفسه.
وقبيل زيارتها إلى واشنطن استطاعت فريدركسن تأمين أغلبية برلمانية لتغطية رفع النسبة المئوية للإنفاق الدفاعي لبلدها إلى 2% من الناتج الإجمالي المحلي، ما ربطه محللون محليون بترتيب أوراق الزيارة وتعزيز مسألة الترشح. فسرعة تمرير زيادة الإنفاق، بعد تعهّد رئيسة الحكومة الأسبق هيلي تورنينغ شميت بذلك في 2014، وتخصيص مليارات لصندوق دعم أوكرانيا، في سياق "أطلسي"، قرأه سياسيون محليون باعتباره "تذليل عثرة أخرى في طريقها إلى المنصب".
المؤشر الآخر الذي يثار حول المنصب، وربما في مواجهة رئيسة وزراء إستونيا، كاجا كالاس، هو الرغبة الأوروبية في أن يبقى أمين عام حلف الأطلسي أوروبياً، فباريس لديها مع برلين الفكرة ذاتها التي ترى بأن بقاء المنصب أوروبياً يعتبر خطوة مهمة لتعزيز التعاون بين الحلف والاتحاد الأوروبي.
وبصورة ما يتشكل ما يشبه توافقاً على أن خليفة ستولتنبرغ يجب أن تكون امرأة أوروبية. فقد تقلصت قائمة المرشحين بانسحاب رئيس وزراء هولندا مارك روت، كما انسحبت نائبة رئيس الحكومة الكندية، كريستيا فريلاند، باعتبارها ليست من القارة العجوز، لينحصر الأمر في إطار تحقيق رغبات الفرنسيين والألمان وغيرهم في أوروبا، وعلى رأسهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ببقاء اسمين، فريدركسن وكالاس.
كالاس حظوظها أيضاً جيدة، باعتبارها من دولة صغيرة من دول بحر البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، ولها مواقف متشددة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وربما العداء الكبير لموسكو، يضع كالاس في مواجهة فريدركسن الدنماركية. الأخيرة أيضاً لديها حظوظ كبيرة بفضل علاقتها المتميزة بواشنطن، فبلدها الاسكندنافي الصغير (5.6 ملايين نسمة) شارك في أغلب غزوات أميركا، بما فيها العراق وأفغانستان، وتبنى مواقف متشددة في نطاق ما سمي "الحرب على الإرهاب".
يضاف إلى ذلك أن كوبنهاغن تشارك بشكل وثيق في صناعة المقاتلة الأميركية إف 35، من خلال شركاتها العسكرية، وخاصة "تيرما"، وهي تتسلح اليوم بتلك الطائرات، وباتت تضم ما يشبه ممرات حيوية للقوات والعتاد الأميركيين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي. وعبرت أخيراً عن حماسة كبيرة في مسألة تسليح أوكرانيا بكل ما يلزمها، بما في ذلك تدريب طياريها ومنحهم طائرات إف 16.
مؤشر آخر يقرأه محللون ومراقبون دنماركيون يتابعون إمكانية وصول ثان لسياسي من بلدهم إلى قيادة "الأطلسي"، بعد أن قاده سابقاً رئيس حكومة يمين الوسط الأسبق، أندرس فوغ راسمسون، قبل انتقال المنصب إلى رئيس حكومة النرويج الأسبق ستولتنبرغ، يتمثل في تهنئة فريدركسن السريعة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، حيث جاء في السياق نفسه، وفقاً لتلك القراءات. فالخطوة كانت أسرع بكثير من مرات سابقة، وتقرأ على أنها محاولة تذليل أية عقبات تركية محتملة، شبيهة بتلك التي تحاول استوكهولم تذليلها لتمرير الموافقة التركية من أجل عضوية كاملة في حلف "الناتو".
في تهنئة فريدركسن لأردوغان كان لافتاً تشديدها على التطلع إلى "التعاون القوي والبناء بين البلدين، بما في ذلك كحلفاء في الناتو".
فريدركسن تعرف أن أندرس فوغ راسموسن الذي سعى إلى المنصب نفسه في 2009 اضطر إلى تقديم تنازلات لأردوغان، تعلقت بصورة رئيسية بقناة تلفزيونية كردية (روج) كانت تبث من كوبنهاغن، حيث جرى وقف بثها، وخرج راسموسن على قناة عربية معبراً أيضاً عن أسفه لتداعيات قضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد.
ومع أن فريدركسن بقيت طيلة الأيام الماضية تكرر أنها سعيدة بمنصبها في بلدها إلا أنها تعيد بذلك الأسطوانة نفسها التي كررها فوغ راسموسن، الذي شارك الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بحماسة في غزو أفغانستان ثم العراق، حتى انتخب بالفعل لمنصب الأمين العام لحلف الأطلسي.
في كل الأحوال، زيارة فرديركسن إلى البيت الأبيض، بعد رفع نسبة الإنفاق الدفاعي، وتسلّحها بمواقف أوروبية أثنت على شخصها وعلى قدرتها في قيادة الحلف، تحاول جعل الطريق معبداً أمامها، في مقابل المرشحة المدعومة من بعض دول الجناح الشرقي في أوروبا، كاجا كالاس الإستونية.
ويمكن أن تحسم الأيام المقبلة، قبيل قمة حلف شمال الأطلسي الشهر المقبل، الجدل حول من سيخلف ينس ستولتنبرغ قبل مغادرته منصبه في أكتوبر/تشرين الأول القادم، وسط تحديات كبيرة يواجهها الحلف في علاقته بروسيا.