مؤتمر بروكسل7 للمانحين السوريين: تشكيك بالالتزام المالي وإشكالية حول "التعافي المبكر"

17 يونيو 2023
تضرر 8.8 ملايين سوري بالزلزال (Getty)
+ الخط -

يفتح إعلان "مؤتمر دعم مستقبل سورية والمنطقة" الذي انعقد في العاصمة البلجيكية بروكسل بنسخته السابعة، أول من أمس الخميس، عن تقديم 10.3 مليارات دولار لتمويل العمليات الإنسانية في سورية، الباب لطرح أسئلة عدة، تتعلق بالتزام الدول المشاركة بالمبالغ التي تعهدت بها، مع الأخذ بالاعتبار عدم التزام الكثير من الدول بتعهداتها المالية في النسخ السابقة من المؤتمر. كما ينظر إلى الكتلة الكبيرة من الأموال التي يتم اقتطاعها من أموال التبرعات لصالح النفقات التشغيلية للمنظمات الدولية المشرفة على الإنفاق والمشاريع، ومن ضمنها رواتب الموظفين العالية وتكلفة عقد الاجتماعات والحجوزات وأجور المكاتب وغيرها من النفقات، التي تؤثر بشكل كبير على حجم الكتلة الرئيسي وما يصل منها للمحتاجين. 

مؤتمر بروكسل 7... تشكيك بالأرقام المعلنة

وأعلن الاتحاد الأوروبي، أول من أمس، جمع مبلغ 9.6 مليارات يورو (10.3 مليارات دولار) لدعم الشعب السوري في سورية ودول الجوار، وذلك في ختام المؤتمر. وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لويس ميغيل بوينو، في تغريدة له عبر "تويتر" عقب المؤتمر: "قمنا بحشد 9.6 مليارات يورو لصالح الشعب السوري في سورية وفي الدول المجاورة لها، وأكدنا دعمنا للعملية السياسية التي يقودها المبعوث الخاص للأمم المتحدة (غير بيدرسون). لا للتطبيع ونحن مع الشعب السوري". 

ينظر إلى الكتلة الكبيرة من الأموال التي يتم اقتطاعها من أموال التبرعات لصالح النفقات التشغيلية للمنظمات الدولية المشرفة على الإنفاق والمشاريع

من جهته، شكّك فريق "منسقو استجابة سورية" بالأرقام المعلنة بالتعهدات، وقال الفريق المختص برصد الاحتياجات الإنسانية في شمال غرب سورية في بيان، إن جميع المبالغ المعلن عنها هي مبالغ وهمية كعادة كل النسخ السابقة من المؤتمر المذكور من خلال الإعلان عن دفعات تمويل هائلة، لا يتم الالتزام بها من قبل المانحين. وذكّر الفريق بأن "هذا ما ظهر واضحاً في النسخة السابقة من المؤتمر، حيث لم تتجاوز عمليات التمويل للاستجابة الإنسانية أكثر من 11 في المائة فقط" من المبالغ التي تم التعهد بدفعها. 

تقارير عربية
التحديثات الحية

وأشار بيان الفريق إلى أن الدول المانحة "لم تستطع منذ انطلاق مؤتمر بروكسل خلال السنوات الماضية الالتزام الحقيقي بما يتم التعهد به وتلجأ كافة الوكالات الدولية إلى إطلاق مناشدات عاجلة لتمويل عملياتها الإنسانية في سورية". 

ونوّه الفريق بأنه "على الرغم من إعلان مسؤولي الاتحاد الأوروبي في المؤتمر أن عمليات التطبيع مع النظام السوري غير محبذة له، لكن في المقابل تم السماح لجهات تابعة للنظام السوري بالحضور داخل المؤتمر في ازدواجية واضحة وتصريحات غير مبررة". 

وقال مدير الفريق محمد حلاج، إنهم استندوا في المعطيات التي وردت ببيانهم إلى تقارير لديهم، وهي معلومات من خلال انتشار الفريق على الأرض، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن كل التقارير لديهم يمكن الإفصاح عنها عندما يحين الوقت المناسب. 

وأشار الفريق في بيانه إلى أنه "لم تستطع العديد من المنظمات المعنية بالشأن الإنساني حضور اجتماعات مؤتمر بروكسل للمانحين، وذلك بسبب العديد من التعقيدات التي طبقتها بروكسل من خلال الموافقات القنصلية وغيرها من التعقيدات". 

وحصلت "العربي الجديد" على نصّ رسالة من مجموعة من المنظمات وممثليها، مقدمة إلى الحكومة البلجيكية قبل انطلاق المؤتمر سجلوا فيها تحفظهم على عدم منحهم الموافقات المطلوبة للسفر وحضور المؤتمر.

ومن المنظمات الموقعة على الرسالة: "حركة البناء "، "مؤسسة الصياد"، "منظمة بلدي"، وغيرها. كما هناك منظمات سجلت انزعاجها لعدم دعوتها من الأساس، وهي "نون لبناء السلام"، و"نسيج" من دمشق، "تسامح" من درعا، "جذور" من السويداء.

وتعد منظمة "بنفسج" من أبرز المنظمات الفاعلة في العمل الإنساني شمال غرب سورية، ولم تحضر كذلك المؤتمر، لكن علاء بكور وهو مدير برامج الشباب والحماية في المنظمة، أشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنهم عقدوا مؤتمراً محلياً وشاركوا نتائجه مع بروكسل، وسينظمون جلسة أو اجتماعا مع المانحين لوضعهم في ضوء هذه النتائج.

وحول آلية أو خط سير التعهدات من المتعهد (أي الدول) وحتى المستفيد، قال بكور إنه "ليس بالضرورة أن تصرف التعهدات، مع العلم أنه في بعض الأحيان تكون المبالغ التي تقدم من الدول أكبر من التعهدات". وأضاف بكور بأن "المبالغ المقدمة سينفق الكثير منها في مناطق سيطرة النظام، مع الإشارة إلى أن هناك مستويات عدة من التعهد وحتى وصول الدعم للميدان أو المستفيد، وخلال هذه المستويات سيتم أخذ كل جهة لنفقاتها وأجورها من الكتلة المخصصة لكل منطقة".

من جهتها، قالت المديرة الإقليمية لهيئة الإغاثة الإنسانية الدولية، هدى أتاسي، إن حوالى 5.5 مليارات من المبلغ المعلن عنه سيذهب للدول المجاورة، فيما ستذهب حوالي 4.5 للأمم المتحدة. وأضافت لـ"العربي الجديد" أن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الشريكة يمكنها اقتطاع 50 في المائة من هذا المبلغ للنفقات والأجور والرواتب، فيما تسلم الباقي للمنظمات الشريكة في سورية، وهذه المنظمات هي التي تأخذ على عاتقها العمل في الميدان بحسب الاحتياجات.

من جهته، قال المدير التنفيذي لـ"رابطة المحامين السوريين الأحرار"، سامر ضيعي، والذي حضر المؤتمر، إن أبرز الطروحات التي تناولتها هذه النسخة من بروكسل، تتلخص في "معالجة الاحتياجات الأساسية و(التعافي المبكر)، وبذلك تمّت مناقشة استراتيجيات لتحسين تقديم الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة والتعليم، فضلاً عن جهود المنظمات الدولية التي تعمل في التعافي المبكر بالسياق السوري". 

وأضاف ضيعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه تمّ التركيز أيضاً خلال المؤتمر على "تمكين القيادة المحلية، إذ ركزت المناقشات والمقترحات على كيفية زيادة القدرة، وسلطة اتخاذ القرار للجهات الفاعلة والسلطات المحلية في سورية، بما في ذلك وضع استراتيجيات للتمويل، وتصميم استجابة المعونة والتسليم، وبناء القدرات". 

وأشار ضيعي إلى أنه تمّت مناقشة مسألة "العدالة والمساءلة" من خلال "نقاش آليات محاسبة الأفراد والجماعات على انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي في سورية"، والجهود الدولية المبذولة وجهود المنظمات السورية، وآخرها دعوى ضد الحكومة السورية أمام محكمة العدل الدولية.

وشملت المناقشات وفق شرحه دور "الآلية الدولية المستقلة والمحايدة لسورية" والمنظمات الدولية والمحلية العاملة بالتنسيق مع الحكومات والجهات القضائية الأوروبية، ودعم مقترحات لإنشاء آلية جديدة تختص بقضية المختفين قسراً في سورية خلال سنوات النزاع عند جميع الأطراف". ولفت إلى أنه "تمّ سماع صوت عائلات الضحايا ونقل رسائل بضرورة الإفراج عن المعتقلين عند النظام السوري وملاحقة مرتكبي جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في سورية". 

جدل مشاريع "التعافي المبكر" في سورية

وعلمت "العربي الجديد"، من خلال مشاركين، بأن المؤتمر شهد جدالاً بما يخص نقاش مشاريع "التعافي المبكر"، وأن مسؤولاً من الأمم المتحدة دافع عن هذه المشاريع بحيث تتضمن تنفيذها في مناطق سيطرة النظام بكونها مشاريع إنسانية تتعلق بالتعليم والصحة والبنى التحتية. 

دافع مسؤول أممي عن مشاريع "التعافي المبكر" بحيث تتضمن تنفيذها في مناطق سيطرة النظام

وذكر الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بشكل حرفي خلال المؤتمر عبارة "التدخل في مناطق الحكومة السورية"، في ما يخص مشاريع "التعافي المبكر"، بحسب مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد" من داخل المؤتمر. علماً أن رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سورية، دان ستوينيسكو، يفعّل التواصل مع مناطق سيطرة النظام أكثر من مناطق سيطرة المعارضة السورية، ويجري زيارات مستمرة إلى دمشق. 

ورغم ذلك، شدّد الاتحاد الأوربي خلال المؤتمر، على اللاءات الغربية الثلاث: لا لعودة اللاجئين الى سورية إلا عودة آمنة، لا للتطبيع مع النظام السوري، ولا لرفع العقوبات ضد النظام. 

وكانت منظمة الدفاع المدني "الخوذ البيضاء" قدّمت توصيات خلال مداخلة مديرها رائد الصالح، وشملت التأكيد على أن "هناك أكثر من 15.3 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في أنحاء سورية، في حين تضرر 8.8 ملايين شخص بالزلزال في أنحاء البلاد، خصوصاً في محافظتي حلب وإدلب، وبدرجة أقل اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة".

وأشارت المنظمة إلى أنه "في شمال غرب سورية، تأثرت نسبة 85 في المائة من سكان المجتمعات بالزلزال، وذلك في شكل مباشر أو بتأثير تدفق النازحين من المناطق المتضررة، علماً أنه جرى تهجير 55 ألف أسرة تحتاج إلى مأوى ومياه ومنشآت صرف صحي وأموال لجلب أغراض وتامين خدمات". وأضافت أن الزلزال ألحق كذلك "أضراراً واسعة في 10 آلاف و600 مبنى بينها مدارس ومستشفيات وبنى تحتية أساسية". 

وأشارت "الخوذ البيضاء" إلى أن "النظام السوري واصل رغم كارثة الزلزال هجماته على شمال غرب سورية بدعم من القوات الروسية وحلفاء له وأطراف أخرى، وبلغ عدد الهجمات 107 استهدفت 49 بلدة في شمال غرب سورية". وهذا الأمر، بحسب المنظمة، "قوّض بشدة الاستجابة الإنسانية للآثار المدمرة للزلزال، علماً أن الافتقار إلى العدالة والمساءلة عن جرائم الحرب واستمرار الإفلات من العقاب يعزز مواصلة النظام الفظائع بلا هوادة ضد الشعب السوري". 

وأوصت "الخوذ البيضاء" بتحسين قدرة السكان المتضررين من النزاعات والزلزال على المساءلة، والعمل لرفع درجة الإحساس بالنزاع وروابط المساعدات الإنسانية، وضمان الوصول المستدام وغير المقيّد وغير الخاضع لعوائق للمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، من خلال تسهيل عبورها كل نقاط الدخول الممكنة، والدعوة إلى إيجاد حل طويل الأجل ومستدام لنقل المساعدات الإنسانية عبر الحدود التي يجب أن تبقى مفتوحة".

وأوصت المنظمة أيضاً بـ"تشجيع مناقشة الأسس القانونية للمساعدات عبر الحدود التي تقدمها الأمم المتحدة، وزيادة الدعم لتلبية الاحتياجات الإنسانية في سورية، والدعوة إلى توطين أكبر للمساعدات الإنسانية، وزيادة الدعم نحو بناء قدرات المنظمات المحلية، وتعزيز التعافي المبكر". 

وفي عام 2018، جمع مؤتمر المانحين الخاص بسورية 3.36 مليارات، ثم 3.82 مليارات عام 2020، و4.22 مليارات عام 2021، و4.44 مليارات العام الماضي. وتشير الكثير من المنظمات الفاعلة بالشأن الإنساني في سورية، إلى أن الكثير من الدول لم تلتزم بكل تعهداتها خلال النسخ السابقة. 

المساهمون