اختتمت في الدوحة، الثلاثاء، أعمال الدورة العاشرة للمؤتمر السنوي حول قضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي، حيث ناقشت جلسات اليوم الرابع من المؤتمر أثر العوامل الخارجية في مسارات الانتقال في السودان والجزائر.
وعرضت في الجلسة السابعة من أعمال المؤتمر ورقة بعنوان "حكومة الثورة الانتقالية في السودان والتطبيع مع إسرائيل: الخلفية التاريخية وجدل الراهن السياسي"، استعرض فيها أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة قطر، أحمد أبو شوك، الموقف التاريخي للسودان من قضية التطبيع مع إسرائيل، باحثاً عن الأسباب الموضوعية التي دفعت حكومة الثورة الانتقالية إلى التحول عن رفض التطبيع والمضي في قبوله، وأوضح أن الأمر يرتبط برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما دفع بالحكومة الانتقالية إلى إقرار ما سمي "اتفاقيات أبراهام".
وخلص أبو شوك إلى أنّ موافقة الحكومة الانتقالية على التطبيع لم تكن أولوية انتقال ديمقراطي؛ فقد وصفت أغلب أطياف المعارضة السودانية موافقة الحكومة الانتقالية على التطبيع بـ "الابتزاز السياسي"، الذي وقع تحت إغراءات استراتيجية تخدم الرؤية الأميركية الساعية لضمان أمن إسرائيل، وأخرى ماليّة تتعلق بالحد من آثار الأزمة الاقتصادية في مسار الانتقال في السودان.
وبحثت الورقة الثانية في المؤتمر، التي كانت بعنوان "التقارب مع العسكر: التأثير الخارجي في مسار الانتقال الديمقراطي في السودان" للباحثة مرافئ عبد الله الباهي الحسين من جامعة الخرطوم، أثر الارتباطات الخارجية للمكون العسكري في مسار الانتقال، وبيّنت أن التدخّل الخارجي أخذ اتجاهات تنوعت بتنوع المصالح الاستراتيجية للفاعلين الخارجيين، وأن كل فاعل عمل على ضبط جوانب من التحوّل الديمقراطي بما يخدم مصالحه، عبر طرق مختلفة، منها الدعم الاقتصادي أو العسكري والوساطة وغيرها، وانتهت إلى تأكيد ما ذهب إليه منظّرو نظرية الأمننة من أن ظاهرة الأمن علائقية، وقضاياها لا يمكن تناولها بمعزل عن المحيط الإقليمي المعقد، الذي تتداخل فيه التأثيرات وعناصر الاعتماد المتبادل بين وحدات الإقليم والفاعلين الأساسيين.
وبحثت الجلسة الختامية للمؤتمر في "التحولات الجيوسياسية وحراك 2019 في الجزائر"، حيث أكد الأستاذ بقسم الدراسات الإنسانية في جامعة ولاية فتشبرغ، ياسر درويش جزائرلي، أن التغيرات والعوامل الخارجية عززت مساعي الحكومة الجزائرية لتجاوز الحراك، وأن مرونة النظام الحاكم داخلياً وخارجياً مكّنته من الادعاء بأنه استجاب لمطالب الحراك، في حين أعطت حلفاءه الدوليين مبرراً للوقوف معه.
وبيّن جزائرلي أن ما جرى في شمال أفريقيا ودول الساحل وضع أمام الحكومة الجزائرية تحديين: تمثّل الأول في تعاظم دور الجماعات المسلحة على حدود الجزائر الجنوبية؛ ما اقتضى من الجيش مواجهتها، في حين تمثّل الثاني في خلل توازن القوى في شمال أفريقيا بعد سقوط القذافي، وفي الآن ذاته، توافرت فرصتان: أولاهما أن القوى العالمية رأت ضرورةً أن تحظى بدعم جيش قوي في الجزائر لمواجهة التحديات التي عجزت عنها في مالي؛ ما يضمن وقوفها وتعاونها مع الجيش الجزائري، والثانية تمثلت في توظيف النظام هذه التحديات لحضّ الشعب الجزائري على الوقوف إلى جانبه في هذه الأوقات التي وصفها بـ "العصيبة".
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة حسيبة بن بوعلي في الشلف بالجزائر، عربي بومدين، فقد تطرّق إلى حدود التدخلات الدولية والإقليمية في توجيه مسار الحراك الشعبي الجزائري، مقارنةً بدول عربية أخرى بدا فيها الدور الخارجي فاعلاً محورياً، وحاول الباحث تفسير مسألة غياب التدخلات الخارجية في الحراك الشعبي الجزائري، فضلاً عن تفسير غياب المستلزم الديمقراطي وحضور المستلزم الاستراتيجي في علاقة الجزائر بالقوى الخارجية، وخلص في الأخير إلى أنّ مسألة غياب التدخلات الإقليمية والدولية في الحراك الشعبي الجزائري ترتبط بالمستلزم الجيوسياسي والاستراتيجي، بعيداً عن الاعتبارات القيمية والمعيارية، حيث يتحدد سلوك الموقف الخارجي بالموقع الجيوسياسي للجزائر. وأكد أنّ مخاطر عدم الاستقرار في الجزائر من شأنها خلق تحديات أمنية شديدة التعقيد في منطقة البحر الأبيض المتوسط، فضلًا عما تبرزه من أهمية الجزائر في معادلة التوازنات الاستراتيجية للمنطقة، خاصة بالنسبة إلى الأمن الأوروبي.