انطلق المؤتمر الـ25 للاتحاد العام التونسي للشغل بمدينة صفاقس، جنوب تونس، اليوم الأربعاء، في مرحلة صعبة ومعقدة من تاريخ البلاد، وتعلق آمال عديدة على انتهاء هذا المؤتمر ليتفرغ الاتحاد بعد ترتيب بيته وملفاته الداخلية للشأن العام الوطني والاستحقاقات التي لا تنتظر.
وعشية انطلاق المؤتمر، مساء أمس الثلاثاء، أكد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبّوبي أن هذا "المؤتمر ينعقد في وضع استثنائي إلى أبعد الحدود، ولم يسبق له مثيل، ويتطلب توفر إرادة وطنية وحاجة تونس لأبنائها"، متوقعاً أن "يخطّ المؤتمر بخطوط عريضة مستقبل تونس التي تسيطر عليها اليوم التجاذبات العميقة والمناكفات"، بحسب تعبيره.
وقال الطبوبي لوكالة الأنباء التونسية: "لا أحد، مهما كانت صفته، يستطيع أن يسلب التونسيين والتونسيات حريتهم في التعبير، وحريتهم في التنظيم والتظاهر، وغيرها من الحريات العامة والفردية في شتى المجالات، وواهم من يعتقد ذلك، لأن الحرية تُفتك، والتاريخ وكل الحقبات الزمنية بينت أن المجتمع المدني وأبناء وبنات تونس كانوا دائماً سداً منيعاً أمام النيل من الحريات العامة التي تبقى الأساس في تعديل البوصلة نحو الخيارات الوطنية".
وأكد الطبوبي أن "الاتحاد سيلعب دوره الوطني مجدداً، وكما فعل دائماً منذ تأسيسه من أجل إنقاذ تونس"، مضيفاً في السياق ذاته: "وسينهض بهذا الدور بالنظر إلى روح المسؤولية العالية لديه، وباعتباره قوة خير وقوة اقتراح في ما هو إيجابي، ترسيخاً لقيم الدولة المدنية الاجتماعية الديمقراطية، يختلف فيها التونسيون ويجتمعون على المصلحة العليا للوطن"، بحسب تعبيره.
وبخصوص الوضع الدقيق الذي ينعقد فيه هذا المؤتمر، يقول الأمين العام المساعد في الاتحاد العام التونسي للشغل، المتحدث الرسمي باسم المنظمة سامي الطاهري، في حوار مع "العربي الجديد"، إن "كل مؤتمرات الاتحاد كانت تتزامن مع منعرجات وطنية مهمة من حيث الظرفية التي حصلت فيها، ولكن ما يحصل في البلاد اليوم من وضع سياسي واقتصادي واجتماعي يعطي هذا المؤتمر طابعاً خاصاً".
وأشار إلى أن "هذا المؤتمر مهم، ويحتاج إلى عقل هادئ لتحديد السياسات القادمة، فقد انطلق الإعداد له منذ 3 سنوات، بعد حوار كبير وتشاور بين نقابيين، ومع الخبراء وأهل الاختصاص"، لافتاً إلى أن "هناك عدة مضامين يمكن أن تكون خلال المرحلة القادمة ضمن برنامج قيادة الاتحاد المنتخبة".
وأضاف الطاهري أن "الاتحاد العام التونسي للشغل سينظر في الأزمة السياسية ويبحث تفاصيلها، وسيحدّد كيف يمكن أن يدفع الاتحاد نحو حلّ تشاركي مبني على الحوار وقادر على سد ثغرة 10 سنوات من التناحر بين الأحزاب".
وأضاف أن "أي إصلاح في المنظومة السياسية سيكون له انعكاس على بقية المنظومات الأخرى، وهذا الدور الذي سيلعبه الاتحاد بعد مؤتمره لدفع رئيس الجمهورية إلى صيغة تشاركية وعدم التفرد بالرأي، وفي الوقت نفسه لدفع التغيرات التي انطلقت من 25 يوليو/تموز في اتجاه مسار إصلاحي حقيقي، وليس مجرد محطات تتعطل من وقت إلى آخر، ونخسر خلالها مزيداً من الوقت".
وبخصوص الدور الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد في حوار وطني محتمل، وخصوصاً أنه نجح في البقاء على مسافة من الأطراف المتصارعة، بيّن المتحدث أنه "منذ مدة، حرص الاتحاد على بعث رسالة واضحة للجميع، فالحياد غير ممكن في مثل هذه الأوضاع، خصوصاً ما آلت إليه البلاد منذ 25 يوليو إلى الآن، فلم نعطِ صكاً على بياض لأحد، كما أننا لن نقبل استغلال تعثرات 25 يوليو بالدعوة للعودة إلى ما قبله".
وتابع الطاهري: "لهذا الاتحاد بقي على مسافة، ليس بمعنى الحياد، ولكن ليبقي لنفسه القدرة على تعديل الكفة في الوقت المناسب"، قائلاً: "نبهنا من أن الحل لا يكون بالتفرد بالرأي، فالنقد موجه للجميع، وموقعنا الآن أكثر راحة للتعديل ولتقديم مبادرات للخروج من الأزمة".
ولفت المتحدث ذاته إلى أن "الوضع الاقتصادي والاجتماعي مهم جداً، ونسجل اليوم ضعف الدولة في أن تكون دافعة للاستثمار والإنقاذ الاقتصادي ودعم المؤسسات، وهناك الجانب الاجتماعي وتدهور المقدرة الاجتماعية، وهناك حديث الآن عن رفع الدعم دون بدائل حقيقية وبصفة فردية، دون الأخذ بعين الاعتبار الطبقات الضعيفة".
الموقف من مفاوضات صندوق النقد الدولي
وبخصوص انطلاق التفاوض مع صندوق النقد الدولي، أوضح الطاهري أن "الاتحاد لن يقبل مفاوضات آخر لحظة، تعطي انطباعاً بأنها حصلت على مصادقة الاتحاد التي تشترطها الجهات المانحة، ولا تأخذ بعين الاعتبار الفئات الضعيفة، وتذهب إلى اتفاقات غير مشرفة، وغير جدية، ولا تحقق العدالة الاجتماعية"، مذكراً بتوصية الهيئة الإدارية السابقة بـ"عدم مشاركة الاتحاد في مفاوضات صندوق النقد الدولي إلا على قاعدة برنامج واضح، ولا يدعو إلى الخصخصة ورفع الدعم عن المؤسسات، والاتحاد لن يقبل بأي مقايضة أو صفقة تمسّ قوت الناس، ولن يقبل بدفع فاتورة إخفاقات الحكومات المتتالية".
وذكّر الطاهري بأن "الاتحاد قابل للتضحية، ولكن عن أي تضحية نتحدث؟ نحن مستعدون لتضحية يساهم فيها الجميع وليس الأجراء فقط الذين تدهورت أوضاعهم، فالبلاد في أزمة، وتونس لم تجد دعماً من القطاع الخاص في هذه الأزمة، ومن الضروري أن يكون المؤتمر صارماً في هذا الاتجاه، ولن يقبل الاتحاد بأي صفقة أو أي مقايضة تمسّ قوت الناس وأجورهم ومؤسساتهم العمومية التي من المفترض أن تحافظ عليها الدولة وتطورها لاستعمالها في الأزمات والإنقاذ، مثل الأزمة الحالية".
وقال إنه "بالنسبة للاتفاقات مع الصناديق المانحة، كل الحكومات قدمت لها وعوداً برفع الدعم، وبيع المؤسسات العمومية، وتجميد الأجور، والقيام بإصلاحات موجعة هي غير قادرة على تنفيذها، ببنما دور الاتحاد كبح جماح هذه الوعود الزائفة، والتي لن تحلّ الأزمة، وبالتالي لن نوافق على أي توجيهات أو توصيات لا تراعي المحافظة على تصور تونسي محلي لحلّ الأزمة، بعيداً عن الوصفات الخارجية التي لا تلائم الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية، وهي تؤدي للإفلاس ووضع اليد على اقتصاديات البلدان".
وأضاف الأمين العام المساعد في الاتحاد العام التونسي للشغل أنه "لا يمكن إبرام أي اتفاق دون إصلاح يضمن العدالة الاجتماعية، ويدفع للتشغيل، ولن ندخل في أي مفاوضات دون برنامج مسبق".
وبخصوص الخلافات التي سبقت المؤتمر، ودعوة بعض النقابيين لتأجيله، وتقديمهم لقضايا في المحاكم لإيقاف أشغال المؤتمر، بيّن المتحدث لـ"العربي الجديد"، أن "العراقيل ومحاولات التشويش دائماً موجودة من داخل الاتحاد وخارجه، لتشتيت اهتمام النقابيين، وهذا ليس انشقاقاً، بل هناك أقلية لا تريد الاقتناع برأي الأغلبية وتريد أن تفرض رأيها، واستعملت القضاء، واستعملت الهرسلة والحملات والتشويه، وكنا متحفظين على الرد، وكنا نشتغل ميدانياً وعملياً".
وبيّن أن "الاتحاد سيعقد مؤتمره، ويهمنا أن يكون الاتحاد موحداً، وسيبقى كذلك رغم بعض الأصوات التي كان لها رأي آخر، وهذا من حقها"، مشيراً إلى أنه "سيتم خلال المؤتمر الاستماع لرأي الأقلية"، مبيناً أن "المؤتمر السابق في سوسة استمع لجميع الآراء، وسيكون المؤتمر اليوم كذلك، وسندير الخلافات، والأهم أن نخرج بسياسات واضحة، يمكن أن نواجه بها تحديات المرحلة الدقيقة".
وأكد أنه "بانطلاق المؤتمر، ينطلق اشتغال الاتحاد بوضع البلاد بكل دقة ووضوح، ويوم 19 فبراير/شباط، بانتهاء المؤتمر، ستتسلم القيادة الجديدة، وتنطلق في العمل مباشرة، فنحن في وضع يشبه الحرب، والجميع مجنّد ويدرك دقة الوضع، والمضامين سيحددها المؤتمر، والاتحاد سيتفرغ نهائياً لها، ليبدأ العمل بعد أن يكون قد رتب بيته الداخلي".