رغم مرور أكثر من أسبوع على إعلان مكتب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي فتح تحقيق بحادثة تهديد قيادي بمليشيا "كتائب حزب الله"، يشغل بالوقت نفسه منصب معاون قائد "الحشد الشعبي"، لشرق الأنبار، ويدعى أحمد نصر الله، بقطع يد الجنرال ناصر الغنام، قائد الجيش العراقي في الأنبار، على خلفية إصدار الأخير أوامر بإزالة كل الريات والصور المنتشرة بمدن المحافظة، ورفع العلم العراقي فقط، ومنها تلك الصور والشعارات التابعة لـ"الحشد الشعبي"، إلا أن اللجنة لم تختلف عن غيرها من اللجان السابقة التي تشكلت من قبل حكومة الكاظمي، إذ لم تعلن هي الأخرى عن أي نتائج.
وبشأن ذلك، كشف مسؤول عسكري عراقي بارز في قيادة عمليات الأنبار عن وجود محاولات فرض إرادة من قبل قادة في "الحشد الشعبي" على قيادات وأمراء الوحدات في الجيش العراقي بمحافظة الأنبار، مبينا أن "حادثة إزالة صور (الحشد) والأزمة التي نتجت عنها لم تكن الأولى، وحاليا هناك محاولات من قيادات في (الحشد) تهدف لإقالة أو نقل قائد عمليات الأنبار ناصر الغنام بسبب عدم تجاوبه معها".
وأضاف المسؤول العسكري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ووزير الدفاع جمعة عناد، خذلا قادة الجيش في الأنبار، وبدا أنهما بوضع ضعيف يبحث عن إغلاق الموضوع والصلح بين قادة الجيش والحشد".
وبيّن أن "الهدف هو فرض الإرادات الذي تم ممارسته مع القائد السابق للجيش في الأنبار محمود الفلاحي بعد رفض محاولات إخضاعه، إذ تم تلفيق قصة تخابره مع الاحتلال الإسرائيلي وتخابره مع السفارة الأميركية لتتم إحالته لدائرة المحاربين القدامى، واليوم يتكرر الأمر ذاته مع القائد الجديد ناصر الغنام".
رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ووزير الدفاع جمعة عناد خذلوا قادة الجيش في الأنبار، وبدوا أنهم بوضع ضعيف يبحث عن إغلاق الموضوع والصلح بين قادة الجيش والحشد
وتابع أن "الأزمة كلها تخفي وراءها أنشطة المليشيات مع سورية، في عبور الأرتال العسكرية وتهريب المواد المنوعة من سورية وإليها، واستغلال موارد الجيش العراقي من آليات ووقود سيارات وذخيرة، وتفاصيل كثيرة".
وأكد أن "الوضع تحول لفرض إرادات وليّ أذرع، وفي حال ارتبكت حكومة الكاظمي ولم تدافع عن قادة الجيش وتدعم موقفهم في إحلال القانون والنظام، فإن ذلك سيكون مؤشرا خطيرا على مستقبل المؤسسة العسكرية ككل".
وكشف المصدر ذاته عن أن" فصائل مسلحة قامت بنصب صور ورايات ضعف ما كان موجودا سابقا بالأنبار لقيادات في الحشد الشعبي، منها لزعيم فيلق القدس الايراني قاسم سليماني في الأنبار، فضلا عن رفض عدة أرتال تتبع لتلك الفصائل المرور بحواجز الجيش والخضوع للتفتيش والتدقيق، كما هو الأمر بالنسبة للتشكيلات الأمنية الأخرى، وحتى أرتال المسؤولين والوزراء".
وانتشر مطلع الشهر الحالي تسجيل صوتي سربته منصات تابعة لفصائل مسلّحة موالية لإيران لمكالمة هاتفية للقيادي البارز في مليشيا "كتائب حزب الله"، أحمد نصر الله، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب معاون قائد عمليات شرق الأنبار بـ"الحشد الشعبي"، يهدّد فيها بقطع يد قائد عمليات الجيش العراقي في محافظة الأنبار الجنرال ناصر الغنام، بسبب قيام الأخير بإصدار أوامر بإزالة الأعلام والرايات والصور المنتشرة، والإبقاء على العلم العراقي فقط.
واكتفت الحكومة بفتح تحقيق بالتسريب الصوتي لمعرفة حقيقة الأمر، دون أن تعلن عن اتخاذ أي إجراء لمحاسبة نصر الله.
وحذر عضو البرلمان العراقي علي مانع مما وصفه بـ"خطورة محاولات لي الأذرع في المناطق المحررة"، مؤكدا أن "ذلك سيؤثر بشكل كبير على الأوضاع الأمنية".
وشدد مانع، في حديث لـ"العربي الجديد"، على ضرورة "الرجوع إلى قيادة العمليات العراقية المشتركة في حال وجود أي مشكلة"، مطالبا بأن تكون هناك مرجعية واحدة للقوات العراقية، "لأن تعدد المرجعيات سيؤدي إلى كثرة المشاكل"، معتبرا في الوقت ذاته أن الحادث "تصرف شخصي يمكن معالجته"، مضيفا "لم نكن نطمح أن تحدث مثل هذه الأمور ضمن الأجهزة الأمنية التي تمسك الأرض في المناطق المحررة".
وتعد محافظة الأنبار، الواقعة غرب العراق وتمتلك حدودا مع 3 دول، هي سورية والأردن والسعودية، واحدة من المناطق العراقية المحررة من سيطرة تنظيم "داعش" خلال الحرب التي شنت على التنظيم (2014–2017)، وعلى الرغم من تحريرها منذ 3 سنوات، إلا أن فصائل مسلحة لا تزال تتخذ من بعض مناطق المحافظة مقرات لها وترفض مغادرتها.
ويقر رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان السابق، حاكم الزاملي، بأن "بعض القيادات الأمنية، سواء كانت من الحشد أو الجيش، لديهم حساسية وعدم انسجام"، مضيفا أن "القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي)، يجب أن يقوم بتغيير القيادات غير المنسجمة وجلب قيادات تعمل بروح الفريق الواحد".
وأضاف الزاملي أن "قضية فرض القوة والإراداة، وخصوصا في المناطق المحررة، باتت تؤثر على الأمن، ويمنح تنظيم داعش فرصة لإعادة ترتيب صفوفه من خلال استغلال أي خلاف بين القيادات الأمنية"، مشددا، في حديث لـ"العربي الجديد"، على "ضرورة التزام الجميع باحترام الدولة والقانون".
يشار إلى أن تسبب فصائل عراقية مسلحة بإرباك الأمن في المناطق المحررة لا يقتصر على محافظة الأنبار، إذ سبق لسياسيين ومسؤولين أن تحدثوا عن وجود عمليات ابتزاز وتهديد تقوم بها مليشيات ضد السكان في محافظة نينوى، شمال البلاد، وكذلك الحال في محافظة صلاح الدين (شمالا)، التي تتغلغل المليشيات في عدد من مناطقها، وتتهم بارتكاب جرائم ضد مدنيين، آخرها المجزرة التي ارتكبت في منطقة الفرحاتية، جنوب المحافظة، والتي ذهب ضحيتها 12 شخصا وفقد آخرون، واتهمت مليشيا "عصائب أهل الحق" بتنفيذها.