ليز تراس تبدأ تشكيل الحكومة البريطانية الجديدة: تعزيز الانقسامات

06 سبتمبر 2022
تراس عينت موالين وأصدقاء لها (Getty)
+ الخط -

فور عودتها من قصر بالموال في اسكتلندا وإلقائها لأول كلمة لها كرئيسة للحكومة البريطانية، بدأت ليز تراس بتشكيل حكومتها وملء المناصب السيادية الرفيعة على أن تستكمل تشكيلة حكومتها يوم الأربعاء. 

وحصلت تيريز كوفي على منصب نائب رئيس الحكومة ووزير الصحة في آن، منتزعة اللقبين من دومينيك راب وستيف باركلي. وتعتبر كوفي صديقة مقرّبة من تراس ومن أشدّ الموالين لها منذ زمن طويل، الأمر الذي سيحفّز المزيد من الانتقادات لتراس. ففي حين عُرف عن الزعيم السابق بوريس جونسون ولعه في مكافأة الموالين له وتعيينهم في مناصب رفيعة كما فعل مع تراس نفسها ومع ريشي سوناك وغيرهما، ترسم هذه التعيينات صورة جديدة عن تراس كسياسية مولعة بمكافأة الموالين والأصدقاء معاً.

وسبق لكوفي أن شغلت العديد من المناصب الحكومية منذ أن أصبحت عضواً في البرلمان عام 2010، والمنصب الأخير الذي حصلت عليه كان وزيرة الأعمال والمعاشات التقاعدية في حكومة جونسون. 

وفي منصب وزير الخارجية، عيّنت تراس وزير التعليم جيمس كليفرلي وهو أيضاً أحد الموالين لها والداعمين لوصولها إلى "داونينغ ستريت". وسبق لكليفرلي أن تحدّث في أكثر من مناسبة عن تعرّضه للتنمّر في"بلد الحريّات" كطفل مختلط الأعراق كما ألقى العديد من الكلمات في مؤتمرات "حزب المحافظين" حول كيفية فوز الحزب بدعم الناخبين السود. 

أما وزارة الداخلية، فمنحتها تراس للمدعي العام سويلا برافرمان التي رشّحت نفسها لمنصب رئيس الحكومة، لكنها استبعدت من السباق في أيامه الأولى، فتحوّلت على الفور للدفاع المستميت عن تراس وخططها. وتعرّضت، أخيراً، للعديد من الانتقادات بسبب خطابها في أحد المدارس والذي وصف بـ"الشرير" و"الشيطاني" حيث دعت إلى التمييز بحق الطلاب المتحوّلين جنسياً ما أثار ذعر الأساتذة والأهالي على حدّ سواء.
 
يُذكر أن وزيرة الداخلية في حكومة جونسون، بريتي باتيل (مهندسة خطة رواندا الخاصة بترحيل المهاجرين)، كانت قد استقالت، أمس الإثنين، من منصبها في خطوة مفاجئة بعيد ساعات قليلة على إعلان فوز تراس. وكان متوقّعاً منذ البداية ألا تضمّها التشكيلة الوزارية الجديدة كونها لم تعلن عن تأييدها لكلا المرشّحين واكتفت خلال الشهرين الماضيين بالترويج لتطوّرات عملها و"للإصلاحات" التي تقوم بها في أجهزة الشرطة والأمن والقضاء. 

أما وزير المالية، المنصب "الخطير" الذي أدّت استقالة ريشي سوناك منه إلى تنحّي جونسون، فمنحته تراس إلى جارها في السكن قبل أن تنتقل اليوم إلى "داونينغ ستريت" وصديقها وأقرب حليف لها، كواسي كوارتنغ صاحب الأصول المهاجرة. ولن يكون سهلاً على كوارتنغ تولّي هذا المنصب في أكثر المراحل الاقتصادية قتامة ووسط الكثير من الوعود التي أطلقتها تراس ولا تأكيدات بعد حول قدرتها على الوفاء بها. حيث ظلّ سوناك مصرّاً على انطباعاته حتى اللحظة الأخيرة، متّهماً منافسته بتبنّي خطط خرافية وغير قابلة للتحقيق وتزيد الأزمة تعقيداً. ولم يكن ولاء كوارتنغ محصوراً بتراس، فكان أيضاً من أكثر "الأوفياء" لجونسون حتى بعدما أجبر على التنحّي. كما يعرف بتأييده المطلق لـ"بريكست" وباستعداده لاعتماد سياسة مالية أكثر مرونة واقتراض المزيد لتحقيق معادلة الخروج، ما يجعله مناسباً لمنصب المستشار في حكومة تراس تحديداً.

ومنحت تراس لناظم زهاوي من أصول عراقية حقيبة المساواة والعلاقات الحكومية. وكان زهاوي وزيراً للتربية في حكومة جونسون إلا أن الأخير عيّنه وزيراً للمالية ليحلّ محل ريشي سوناك بعد استقالته. وكان قد سرّب عن زهاوي تهديده لجونسون بعد استقالة سوناك، بأنه سينضم إلى المستقيلين ويطالب بتنحّي جونسون إن لم يعيّنه بدلاً عنه. وما أن عيّن في منصبه حتى طالب بتنحّي جونسون. لكنه بخلاف الكثير من أعضاء البرلمان والوزراء، سارع لمناصرة تراس في السباق إلى "داونينغ ستريت" راسماً لنفسه طريق "عودة الابن الضال". وكان زهاوي أيضاً من أوائل من رشّحوا أنفسهم للمنصب خلفاً لجونسون إلا أنه استبعد من المنافسة. 

وكما كان متوقّعاً احتفظ بن والاس بمنصبه وزيراً للدفاع في مرحلة "حساسة" من الغزو الروسي على أوكرانيا. وكان متوقّعاً فور تنحّي جونسون أن يرشّح والاس نفسه رئيساً للحكومة وكان قد حصل مسبقاً على تأييد أكثرية الأصوات في الحزب لشعبيته التي عزّزتها استجابة المملكة المتحدة للغزو الروسي. إلا أن والاس نأى بنفسه عن السباق، وسارع لدعم تراس علناً عبر رسالة نشرها في "ذا تايمز" وكان أول من يدعمها بهذا الشكل الاحتفائي والعلني. يقال أيضاً إن والاس نأى بنفسه عن السباق لنيّته الترشّح لمنصب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد عام من الآن.  

وربما توحي النظرة الأولى للمناصب السيادية في حكومة تراس بلحظة تاريخية تتحيّنها الزعيمة الجديدة لحزب يغلب عليه كبار السن والأثرياء والبيض. إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك. فليس التنوّع العرقي الذي لا نعرف إن كانت قد تقصّدته، سوى واجهة هشّة لمسؤولين عُرفوا بتشدّدهم وبتمسّكهم بأفكار محافظة ويمينية و"كارهة" للآخر المختلف. كلّهم بلا استثناء، دعموا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي منطلقين من خطاب قومي ومحافظ. كلّهم أيضاً يرغبون بترحيل المهاجرين اليوم قبل الغد إلى رواندا وغيرها من البلدان. 

تحاول تراس أن تصنع لنفسها لحظة تاريخية من خلال تشكيلها لأول حكومة تخلو المناصب الرفيعة فيها من البيض. إلا أن الشعار هنا ليس مكتملاً، والأقلية العرقية في حكومتها لا تتعدّى معناها الرمزي والشكلي. وهموم الشريحة الأوسع من الناخبين لن تطمئنها الأعراق المتنوعة، بل السياسات الأقل يمينية وتشدّداً وعنصرية في مواضيع كثيرة من الهجرة إلى التحوّل الجنسي وحقوق العمال، والقطاع الصحي وعمل النقابات والفقر. 

لم يمضِ على فوز تراس 24 ساعة حين أظهر استطلاع للرأي لشركة "يوغوف" أن 50 بالمئة من البريطانيين أصيبوا بخيبة أمل من فوز تراس في السباق بينهم 33 بالمئة عبّروا عن خيبة كبيرة جداً وأكبر بكثير من 22 بالمئة عبّروا عن سعادتهم بوصولها إلى القيادة. 

ويأتي التصويت هذا بعد أيام قليلة على تصويت آخر يشير إلى أن أكثر من نصف البريطانيين بقليل يؤيد إجراء انتخابات عامة مبكرة هذا العام. وإن استبعدت تراس خلال خطابها المقتضب، أمس، هذا الأمر قائلة: "سنحقق فوزاً كبيراً لحزب المحافظين في عام 2024"، إلا أن عبارتها تلك لا تخلو من اعتراف مبطن بأن حظوظ الحزب ضعيفة جداً خلال الأشهر القليلة المقبلة".

الأمر اللافت الآخر في التشكيلة الوزارية الأولى لتراس هو عدم اكتراثها بالضغوط الرامية لردعها عن تشكيل حكومة موالين لها مما يزيد من الانقسامات في صفوف الحزب المتخلّف عن الأحزاب الأخرى في استطلاعات الرأي.

ولم تكتف تراس بمنح الموالين حقائب أساسية، بل إنها استبعدت أيضاً من حكومتها كل حلفاء منافسها سوناك كنائب رئيس الحكومة دومينيك راب ووزير الصحة ستيف باركلي ووزير النقل غرانت شابس.