كشفت مصادر ليبية متطابقة عن مساعٍ جديدة في كواليس أزمة القوانين الانتخابية في ليبيا، ترمي لكسر حدة الانسداد الناتج عن الخلاف حولها، للدفع بمبادرة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، وإنجاح هدفها في جمع القادة الأساسيين حول طاولة خماسية.
وتركز المساعي الجديدة على عقد لقاء ثنائي يجمع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، وبحضور باتيلي في إحدى العواصم العربية، والتي من المرجح أن تكون العاصمة المغربية الرباط، بحسب مصادر ليبية مقربة من مجلسي النواب والدولة.
وأفادت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، بأن هذه المساعي تجري برعاية أميركية، وفق مقترح يقضي بتركيز النقاش بين صالح وتكالة حول بند تشكيل حكومة موحدة في القوانين الانتخابية الذي بات يشكل العقبة الرئيسية في طريق عقد طاولة الحوار الخماسي التي اقترحها باتيلي، حيث يصرّ مجلس النواب على تشكيل حكومة جديدة لإنهاء الانقسام الحكومي في البلاد الذي تمثله حكومة الوحدة الوطنية وحكومة مجلس النواب، للإشراف على الانتخابات، فيما يرفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة تسليم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة.
وفيما أكدت المصادر إبداء صالح وتكالة قبولهما المبدئي للقاء وحصر النقاش بينهما في هذا البند، أفادت بأن الاتصالات لم يجرِ خلالها طرح أي تصور أو مقترح يخص طريقة إنهاء الانقسام الحكومي، لكنها أكدت أن تلك الاتصالات التي أجراها مسؤولون أميركيون شددت على ضرورة تجاوز عقبة الخلاف الحكومي، وعقد الحوار الخماسي الموسع لتلبية شواغل جميع الأطراف، وتبديد هواجسهم في القوانين الانتخابية.
وعلى الرغم من اتفاق مجلسي النواب والدولة على القبول بمخرجات لجنة 6+6 المشكلة من المجلسين لإعداد القوانين الانتخابية، فإن الخلافات بينهما عادت إلى المربع الأول، بعد أن أصدر مجلس النواب القوانين الانتخابية مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفقاً لنسخة معدلة أعدتها لجنة 6+6 بناءً على ملاحظات أبدتها البعثة الأممية ومجلس النواب، حيث تمسك مجلس الدولة بالنسخة الأولى التي أصدرتها اللجنة مطلع يونيو/ حزيران الماضي باعتبار نصوص الإعلان الدستوري التي تؤكد نهائية وإلزامية مخرجات اللجنة، وعدم أحقية المجلسين في المطالبة بتعديل القوانين.
وبعد أن كانت بنود ترشح العسكريين وحملة الجنسيات الأجنبية محور الخلاف بين مجلسي النواب والدولة، شكّلت أزمة الانقسام الحكومي خلافاً جديداً في القوانين الانتخابية، حيث تنصّ الأخيرة على ضرورة تشكيل حكومة موحدة للإشراف على الانتخابات، خاصة بعد إعلان المفوضية العليا للانتخابات استعدادها لإجراء الانتخابات، وفقاً للقوانين الصادرة عن مجلس النواب، إلا أنها اشترطت تشكيل حكومة موحدة قبل البدء في الانتخابات، تنفيذاً لنصوص القوانين، حيث عبّر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عن تحفّظه على القوانين الانتخابية، ورفضه تسليم السلطة "إلا لسلطة منتخبة"، ودعا إلى صياغة قوانين "عادلة لا تقصي أحداً".
وإثر هذه الخلافات، طرح باتيلي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي مبادرة تقضي بعقد حوار خماسي بين القادة الأساسيين الخمس، وهم صالح وتكالة والدبيبة بالإضافة لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، وقائد مليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر، لمناقشة القضايا العالقة في القوانين الانتخابية، إلا أنه انتقد مواقف القادة الخمس في إحاطته أمام مجلس الأمن منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وقال باتيلي إن الدبيبة رفض مناقشة تغيير الحكومة، أما صالح فقد اشترط تركيز الحوار في تشكيل حكومة جديدة، رافضاً مشاركة الدبيبة، في وقت اشترط حفتر مشاركة رئيس حكومة مجلس النواب أسامة حماد. وفيما أبدى المنفي دعمه الواضح للحوار، أكد تكالة رفضه نسخة القوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب.
وبعدة مدة من تراجع الحديث حول مبادرة باتيلي وتراجع المشاورات حولها، أجرى وفد أميركي مكوّن من المبعوث الأميركي السفير ريتشارد نورلاند، ونائب مساعد وزير الخارجية الأميركي جوشوا هاريس، الأسبوع قبل الماضي، لقاءات مكثفة مع القادة الخمس، أكد الوفد الأميركي خلالها أهمية دعم مبادرة باتيلي، قبل أن يستأنف الأخير الأسبوع الماضي سلسلة لقاءات جديدة مع القادة ذاتهم لحثّهم على ضرورة القبول بالحوار الذي اقترحه.
وأظهر بيان صالح الأخير، عقب لقائه باتيلي، الثلاثاء الماضي، تغيراً في شرطه المتشدد في تغيير الحكومة، حيث قال المكتب الإعلامي لمجلس النواب إن صالح أبلغ باتيلي تمسّكه برفض "فتح باب الحوار من جديد بشأن القوانين الانتخابية"، إلا أنه "من الممكن دراسة شروط انتخاب رئيس الوزراء" في إشارة لقبوله مناقشة تصورات وسيناريوهات بشأن بند تشكيل حكومة موحدة في القوانين الانتخابية.