كشفت مصادر ليبية مطلعة، اليوم الأحد، عن تكثيف المجلس الرئاسي جهوده لتوحيد المؤسسة العسكرية، وبدء مشاورات مباشرة مع قادة أطراف الصراع والمجاميع المسلحة في البلاد.
وفيما أشارت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إلى أن تلك الجهود تجري بالتنسيق بين المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش، ولجنة 5+5 العسكرية المشتركة، أكدت أنها تستفيد في ذات الوقت من ضغوط دولية وإقليمية على الأطراف المسلحة في البلاد للتشاور في عدة رؤى وتصورات بشأن شكل المؤسسة العسكرية وقيادتها.
وقالت إنه "في الوقت الذي أجرت عدة مشاورات مع حفتر تسعى بالتزامن إلى معالجة الوضع في غرب البلاد من خلال خلق قيادة عسكرية للمجموعات المسلحة، التي كانت تابعة لحكومة الوفاق السابقة".
والأحد الماضي التقى المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبتيش، حفتر في لقاء مشترك مع نائب رئيس المجلس الرئاسي موسى الكوني، قال الأخير، في تغريدة على حسابه، إن "اللقاء استكمال لمساعي توحيد مؤسسات الدولة، والمؤسسة العسكرية على وجه التحديد، خصوصاً بعد أحداث تشاد الأخيرة"، قبل أن يعلن، أمس السبت، عقد لقاء آخر جمعه بعدد من ضباط المنطقة الجنوبية وعسكرييها، قال بشأنه في تغريدة أخرى: "لقد أسس اجتماعنا مع قادة القوات المسلحة في فزان، وعلى طاولة واحدة، لخطوة ذات أهمية خاصة باتجاه توحيد المؤسسة العسكرية الليبية".
ورغم أن الأوضاع في تشاد ألقت بظلالها على الوضع في الجنوب، إلا أن تلك الجهود تنصب بشكل أكبر على الشرق والغرب الليبيين، حيث تتركز القوتان الأبرز، إذ نقلت المصادر عن كواليس تلك المشاورات مخاوف قادة المجموعات المسلحة في غرب ليبيا من معاودة حفتر وقواته السعي للسيطرة على البلاد إذا قبلت بحل نفسها أو التخلي عن الدعم التركي العسكري.
المجلس الرئاسي يدرك بشكل جيد أن المجاميع المسلحة في غرب البلاد تمثل قوة ضاربة ضد مشروع حفتر العسكري ومساعيه لتقويض أي تسوية سياسية
ويبدو أن المجلس الرئاسي يدرك جيداً أن المجاميع المسلحة في غرب البلاد تمثل قوة ضاربة ضد مشروع حفتر العسكري ومساعيه لتقويض أي تسوية سياسية، لكنه - بحسب المصادر - لا يزال يجد صعوبة في جمع كلمة قادة هذه المجاميع تحت قيادة واحدة. لذا، فقد عاد للتعامل مع رئيس الأركان، الفريق محمد الحداد، المعين من حكومة الوفاق السابقة، ومع قائدي منطقة طرابلس العسكرية، اللواء عبد الباسط مروان، والمنطقة الغربية، اللواء أسامة الجويلي.
ووفقاً للمصادر، فالمجلس الرئاسي يعمل مع لجنة 5+5 في اتجاه إعادة تحوير الجيش من المجاميع المسلحة المنضبطة والقوات النظامية لكونها أمراً واقعاً، ولتكون يداً ضاربة لأي مجموعات أخرى يمكن أن تعمل خارج إرادة السلطة المدنية أو تتمرد عليها.
وعن جديد تلك الجهود، قالت المصادر إن "مستجدات الوضع في البلاد باتت تسير في اتجاه تبني مقترح ساعدت القاهرة ممثلي حفتر وحكومة الوفاق السابقة على الوصول إليه في أثناء استضافتها لست جلسات بين الطرفين"، موضحة أن هذا المقترح تخللته إضافات من جانب السلطة الجديدة في أثناء مشاوراتها الحالية.
ورعت القاهرة محادثات بين ضباط ممثلين لحفتر وآخرين ممثلين لحكومة الوفاق منذ مطلع عام 2017، قبل أن تدخل الأمم المتحدة على خط الجهود المصرية وتتبنى نتائجها ضمن المسار العسكري كأحد ثلاثة مسارات لتسوية الأزمة في ليبيا.
وحول مضمون المقترح المصري، أوضحت المصادر أن القاهرة اقترحت خلال المحادثات العسكرية السابقة بين ممثلي طرفي الصراع، إنشاء مجلس عسكري يضم ستة ضباط من كل الأطراف المسلحة في البلاد دون أن يتمتع بصلاحيات مطلقة وتحظى قراراته بإجماع كامل أعضائه وبالتنسيق مع المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش، مشيرة إلى أن المقترح المصري تضمن أيضاً تبعية القوات الجوية والبحرية لوزارة الدفاع مباشرة، فيما يترك للمجلس العسكري إمرته على القوات البرية وباقي الأركانات والمناطق العسكرية.
القاهرة اقترحت، خلال المحادثات العسكرية السابقة بين ممثلي طرفي الصراع، إنشاء مجلس عسكري يضم ستة ضباط من كل الأطراف المسلحة
وفي ما يتعلق بنتائج المشاورات الجارية، أفصحت المصادر عن اتفاق بين مختلف الأطراف على اختيار نائبي وزارة الدفاع، التي يتولاها رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، من ضباط لجنة 5 + 5 ممثلين عن الشرق والغرب، بالإضافة إلى مقترح لإعادة تشكيل جهاز الحرس الرئاسي كجسم يمكن أن ينفذ من خلاله خطط تفكيك وإعادة دمج المجاميع المسلحة المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد.
لكن المصادر استدركت بالقول إن نتائج تلك الجهود لا تنتظر انتهاء تفاهمات بين عدة عواصم إقليمية ودولية لارتباط أزمة السلاح والصراع في البلاد بملف القوات الأجنبية والمقاتلين المرتزقة، لكنها في ذات الوقت اعتبرت أن كواليس الجهود الليبية الحالية تعكس انفراجة في هذا الملف بين عديد الأطراف، ولا سيما في القاهرة الرافضة للوجود التركي العسكري في ليبيا، مع تغير كبير في موقف باريس من حفتر بعد انكشاف حقيقة سيطرته على الجنوب الليبي الذي تسربت منه حركات تشادية، على علاقة بمقاتلي الفاغنر، سببت الفوضى التي تعيشها تشاد.
وتبدي تصريحات القادة الليبيين تفريقاً واضحاً بين القوات الأجنبية الموجودة في ليبيا، فبينما طالبت وزيرة الخارجية، نجلاء المنقوش، صراحة بضرورة خروج القوات التركية، رغم أنها جاءت وفق اتفاق رسمي بين الدولتين، تشير تصريحات أخرى لرئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، إلى انزعاجه من استمرار وجود القوات "غير المقننة"، في إشارة واضحة إلى مقاتلي الفاغنر والمسلحين الأفارقة، لكونهم جاؤوا بشكل غير قانوني.