لوكاشينكو يجدّد ولاءه لروسيا

11 فبراير 2015
يسعى لوكاشينكو إلى الموازنة بين روسيا والغرب (ساشا موردوفيتس/Getty)
+ الخط -
تعرّض "الاتحاد الأوراسي" الناشئ لأول اختبار من نوعه، كاد أن يهزّ أركانه، لولا تبيان حقيقة التصريحات التي أدلى بها رئيس روسيا البيضاء، ألكسندر لوكاشينكو، في مؤتمر صحافي كبير عقده، أواخر، الشهر الماضي. فقد اتضح أنه تمّ نزع تصريحات لوكاشينكو، من سياقها العام، في مؤتمره الذي دام سبع ساعات، بدا خلالها وكأن "الاتحاد الأوراسي" على وشك التفكك، وأن لوكاشينكو يهاجم روسيا فعليّاً.

غير أن لوكاشينكو، لم يهاجم موسكو، فعلاقته معها أشبه بعلاقة رئيس الحزب "الليبرالي الديمقراطي" اليميني المعارض، فلاديمير جيرنوفسكي، معها. فالرجل الراغب في البقاء في السلطة أطول مدة ممكنة، يدرك أن اللعب مع روسيا قد يكلّفه أكثر ممّا يحتمل شخصيّاً ويحتمل شعبه. مع العلم أن الغرب يعمد في كل سانحة، على تذكيره بـ"قدرة روسيا على ابتلاع بلاده في أي لحظة واستعدادها لذلك".

وتكمن الصعوبة في فهم خطاب لوكاشينكو، لتداخل مزاحه مع الجدّية في أقواله. فحين تحدث عمّا يُسمّى بـ"العالم الروسي"، قال، إن "هناك بعض الأذكياء الذين يعتبرون أن روسيا البيضاء، هي جزء من العالم الروسي، بل ومن روسيا تقريباً. أنسوا، أن روسيا البيضاء دولة مستقلة وذات سيادة".

كما اضطر إلى تفسير مزاحه في حديثه عن أراض لبلاده تحت السيطرة الروسية، الأمر الذي تم تفسيره على أنه يعكس رغبة في استعادة هذه الأراضي، فقال "عندما تحدثت عن أراضي بسكوف وسمولينسك (أراضٍ روسية على الحدود مع روسيا البيضاء)، ذكرت ذلك في إجابة عن سؤال حول احتمال مجيء بوتين لاحتلال أراضينا. لكنني قلت ذلك على سبيل التهكم".

مع العلم أن أي تباعد بين مينسك وموسكو، سيكون غير واقعي، وفقاً للوكاشينكو بالذات. فقد اعتبر في الموضوع الأوكراني أنه "إذا استمرت العمليات الحربية شرق أوكرانيا، فسوف يتجمع في مستنقعه مرتزقة من جميع أنحاء العالم، الذين سيزحفون بعد ذلك إلى روسيا وإلينا، وهذا أكثر ما يقلقني".

ورأى أنه "ستؤدي الحرب الأهلية المتصاعدة في أوكرانيا، إلى نزاع بين الدول، ويمكن أن تنجرّ إليها بالتدريج جميع الدول المتاخمة لأوكرانيا. وأن روسيا البيضاء، تقف في مقابل الدول المرتبطة بحلف الأطلسي، وتربطها اتفاقات تحالف مع روسيا".

وكان واقعيّاً في قوله، إن "جيشنا الآن ليس قويّاً، وهو مرتبط بالجيش الروسي في جميع مجالات نشاطه عمليّاً. فنظام دفاعنا الجوي متكامل كليّاً مع النظام الروسي، وكذلك نظام الإنذار المبكر. وقد تم تزويد مينسك، بمنظومة إس 300، من دون مقابل، وهناك كتيبتان منها منتشرتان في بريست وغرودنو، على الحدود مع بولندا".

وعنى لوكاشينكو بذلك ضرورة إبعاد الغرب عن حدود رابطة الدول المستقلة (الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي السابق) لمسافة 150 كيلومتراً على الأقل. توقف عند حقيقة أنّ العقيدة العسكرية الروسية موجهة بشكل واضح، لضمان الدفاع عن الفضاء المشترك للاتحاد الأوراسي، مما يمنح موسكو الأفضلية في حال ظهور تهديدات دولية محددة. ومن الصعب جدّاً تصوّر امتناع مينسك عن تقديم أي مساعدة للقوات المسلحة الروسية، إذا ما احتاجت لمساعدة ما فجأة". ولم يفته تأكيد خصوصية العلاقة مع روسيا، فقال "لدينا لغتان رسميتان للدولة: الروسية والبيلاروسية. وهذا السؤال محلول طالما أن لوكاشينكو يخدم روسيا البيضاء رئيساً".

وأضاف أن "خيانة روسيا والتذبذب بين روسيا والغرب لن يحصل أبداً. روسيا بالنسبة لي مقدسة. ولكن هذا لا يعني أننا إرضاءً لأحد ما سنُحارب مع الغرب، وأنا واثق من أن القيادة الروسية لا تريد ذلك". وفي سياسة مينسك الخارجية، تحدث لوكاشينكو عن تعددية، ولكن مشروطة وتبريرية، فقال "لم نبتعد قيد أنملة عن تعددية سياستنا الخارجية. نعم في الشرق يعيش شعبنا، ولكن ماذا تفعل إذا كان الغرب اليوم متطوّر تكنولوجيّاً؟ الجميع يسعى إلى التعاون مع الغرب، وحتى روسيا تريد ذلك. فهل يمكن لومنا إذا ما أردنا حياة هادئة مع الغرب؟".  وتابع "اعطوني وقائع على أنني أتلاعب مع الغرب، لم نتلاعب، يوماً، مع الغرب ولم نركع. وهذا موقفي المبدئي. لن يحبوا لوكاشينكو في الغرب أبداً".

وعن الروابط الاقتصادية مع روسيا، كشف لوكاشينكو أنّ "على روسيا البيضاء تسديد مبلغ 4 مليارات دولار هذه السنة، للإيفاء بالتزاماتها الخارجية، وما بين 1.5 و1.7 مليار دولار أخرى في العام المقبل". وأشار إلى أن "بلاده تحتاج إلى قروض، ولدي اتفاق صلب مع الرئيس، بوتين، ورئيس الوزراء، ديمتري ميدفيديف، فإذا ما اشتدت معاناتنا فإن روسيا ستمدنا بالعون".

وقد أفادت صحيفة "غازيتا. رو"، بأن "روسيا البيضاء تقترض منذ سنوات لدى روسيا، وأن بنك التجارة الخارجي الروسي (في تي بي) صادق العام الماضي على منح مينسك قرضاً بقيمة مليارين دولار على دفعات". كما أفادت وكالة "تاس" بأن "موسكو مستعدة، في حال الضرورة القصوى، للنظر في طلب مينسك مساعدة مالية". وكان وزير المالية الروسي، أنطوان سيلوانوف، قد أعلن على قناة "سي إن بي سي"، عن دراسة تقديم مساعدات لمينسك، وذكر بأنه "ندرس الوضع الآن مع زملائنا في روسيا البيضاء".

وفي السياق، أكد لوكاشينكو أن" التكامل اليوم مع روسيا أعمق بكثير مما هو في إطار الاتحاد الجمركي، وفي الفضاء الاقتصادي المشترك والاتحاد الاقتصادي الأوراسي". وركز على أن العالم كله يتكامل و"ينبغي علينا الحفاظ على وحدتنا، وإنه لأمر جيد بالنسبة لبلدنا، البالغ عدد سكانه 10 ملايين نسمة أن تكون هناك سوق لمنتجاتنا من 170 مليون مستهلك"، في إشارة إلى سوق "الاتحاد الأوراسي".

ولم يفته تأكيد فوائد الصداقة مع موسكو. فروسيا البيضاء تحصل على الغاز الروسي بسعر 134 دولاراً لألف متر مكعب، في حين تدفع أوكرانيا ما يصل إلى 400 دولار لقاء هذه الكمية. ولفت لوكاشينكو إلى أنه "نحن ملزمون باستخدام الإمكانيات التي يتيحها الاتحاد الاقتصادي الأوراسي". علماً بأن روسيا البيضاء تترأس الاتحاد منذ ولادته في 1 يناير/كانون الثاني الماضي. ولم يتأخر لوكاشينكو في تجديد الولاء لبوتين، حين التقاه في منتجع سوتشي، يوم الأحد، مؤيداً كل خطوات روسيا في شأن أوكرانيا، ولقاء ميسنك اليوم الأربعاء.
المساهمون