قالت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، اليوم الاثنين، إن كبار أعضاء "حزب المحافظين" الحاكم في بريطانيا يطالبون زعيمهم، ريشي سوناك، بإجراء انتخابات عامة مبكّرة الربيع المقبل تفادياً لخسارة "مدوية" متوقعة إذا تم إجراء الانتخابات بموعدها في بداية 2025.
وجاءت هذه المطالب بعد هزيمتين موجعتين مُني بهما المحافظون في الانتخابات الفرعية التي شهدتها ثلاث مناطق نهاية الأسبوع الماضي هي (أوكسبريدج/ ساوث روزليب وسيلبي/آينستي وسامرتون/فروم) حيث فازوا في المنطقة الأولى بفارق ضئيل جداً، بينما هزمهم "حزب العمال" المعارض في المنطقة الثانية والحزب الديمقراطي الليبرالي في المنطقة الثالثة.
كما تأتي المطالب وسط أزمات حقيقية يعيشها الحزب الحاكم والناخبون معاً، في ظل غياب أي استراتيجية تبعث على الأمل أو تبشّر بانفراج على المدى المنظور.
الهزيمة تلوح في الأفق
ولم تكن الانتخابات الفرعية الأخيرة هي الإنذار الأول الذي يواجهه المحافظون منذ تولّي سوناك رئاسة الحكومة، حيث إنهم هُزموا أيضاً في الانتخابات المحلية، التي أُجريت قبل شهرين، وخسروا أكثر من ألف مقعد مقابل أكبر تقدّم يحرزه "حزب العمال" في انتخابات محلية منذ العام 1997 ليصبح أكبر حزب في الحكومة المحلية، وهي المرة الأولى منذ فترة زعامة توني بلير عام 2002.
ويلقي متشدّدو الحزب الحاكم باللوم على سوناك ويتهمونه بالفشل الذريع في توحيد الصفوف وإنهاء الانقسامات والسيطرة على التضخم وتلافي المزيد من التقشّف الاقتصادي قبل الوصول إلى الانتخابات العامة.
وفي مقابل هزائم صناديق الاقتراع، ثمة هزائم استطلاعات الرأي التي تشير منذ أشهر إلى انحدار غير مسبوق في شعبية المحافظين وزعيمه مقابل تقدّم حزب العمال المعارض وزعيمه أيضاً.
ويضاف إلى ذلك، ملف الاستقالات التي عصفت بالحكومة منذ وصول سوناك إلى الزعامة والتي كان محرّكها الأساسي قضايا فساد واختلاس وتحايل على القانون وخرق لبنوده، مع أن الزعيم المحافظ نادى بالشفافية والنزاهة المهنية والمحاسبة.
الأزمات لم تتغير والحلول كذلك
وفي حين أن سوناك لم يف بأي من تعهداته الخمسة التي وعد بها مع قدومه إلى "داونينغ ستريت" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ظلت الأزمات التي يعيشها الحزب دون علاج بل ازدادت سوءاً وسط غياب أي رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية.
ومن المتوقع أن ما عانته بريطانيا الشتاء الماضي، الذي شبّهه كثيرون بـ"شتاء السخط" في العام 1970، أن يستمر حتى الشتاء المقبل مع مضي القطاع العام بإضراباته غير المسبوقة ومع أزمة غلاء المعيشة المستمرة ومع تدفّق العناوين المفزعة عن الغلاء والجوع والمرض والموت على عتبة المستشفيات.
ورغم أن مستوى التضخم انخفض الأسبوع الماضي إلى 7.9 بالمائة، إلا أن سوناك كان وعد بخفضه إلى النصف مع حلول نهاية العام، ومع أن قوائم الانتظار في القطاع الصحي باتت أقل نسبياً إلا أن الممرضات مستمرات في الإعلان عن إضراباتهن بسبب عدم التوصل إلى اتفاق نهائي حول الأجور.
كما تعاني خطة "أوقفوا القوارب" لمواجهة طالبي اللجوء، رغم تمريرها في مجلسي العموم واللوردات، من أن خطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا لا تزال عالقة في المحاكم، ما يعني أن المزيد من تراكمات طلبات اللجوء سترهق خزائن وزارة الداخلية التي تعاني أصلاً من تراكمات مشابهة منذ بداية جائحة كورونا.
كما تُعتبر بريطانيا اليوم "دولة فقيرة" بحسب المحللين الاقتصاديين في "ذا تلغراف"، واقتصادها هو الأكثر تخلّفاً بين الاقتصادات المتقدمة الأخرى رغم الاستثمارات التي وجدت طريقها إلى المملكة المتحدة من خلال شراكات عديدة وقع عليها سوناك خلال جولاته الدولية الأشهر الماضية.
انتخابات مبكرة
ونقلت "ذا غارديان" عن كبار المحافظين اعتقادهم بأن مايو/أيار في العام المقبل سيكون الفرصة الذهبية بالنسبة للحزب لإجراء انتخابات مبكرة وإيقاف عجلة الخسارات، حيث قد يتاح الوقت أمام سوناك حتى ذلك التاريخ للسيطرة على التضخم ولامتلاك رؤية اقتصادية أكثر وضوحاً من الوقت الحالي.
كما أن إحدى مزايا الانتخابات المبكرة هي تخفيض الغرامة المحتملة المفروضة على حكومة المحافظين بسبب ارتفاع مدفوعات الرهن العقاري، "فأولئك الذين تمت حمايتهم من آثار أسعار الفائدة بسبب حصولهم على قروض عقارية منخفضة نسبياً وذات معدل ثابت يشهدون تدريجياً انتهاء صلاحية صفقاتهم"، وأشار آخرون إلى خشيتهم "هزيمة أخرى في الانتخابات المحلية القادمة في مايو/أيار 2024"، يليها صيف آخر حيث لا تزال مشكلة القوارب الصغيرة عالقة وحيث أزمة الشتاء والقطاع الصحي المتهالك وشيكة.
ومن بين المحافظين البارزين الذين تحدثت إليهم الصحيفة، دانيال فينكلستين، الذي كان مستشار جون ميجور في الفترة التي سبقت الهزيمة الساحقة للحزب عام 1997، إضافة إلى النائب دان بولتر، الذي اعتبر "أننا نتجه نحو تغيير الحكومة في غضون 15 أو 18 شهراً ما لم تتغير الأمور وتتحول"، محذراً من أن فرصة النصر "ضئيلة" وأن الحزب الحاكم في "مكان صعب للغاية".