تتفق آراء عدة على أن منح إسرائيل صفة مراقب في منظمة الاتحاد الأفريقي يخالف مبادئ المنظمة، فيما لا تزال هذه القضية تثير سجالات وانقسامات منذ أن تفجرت للمرة الأولى عندما عمد مفوض الاتحاد، موسى فكي، بصورة فردية إلى منح إسرائيل صفة مراقب في 22 يوليو/تموز 2021، من دون استشارة الدول الأعضاء.
وأدى ذلك يومها إلى قيادة الجزائر وجنوب أفريقيا جهوداً لتعليق القرار والتراجع عنه، وهو ما تحقق في قمة الاتحاد الأفريقي، التي عقدت في فبراير/ شباط 2022، عندما قررت تعليق منح إسرائيل صفة مراقب وتشكيل لجنة من سبعة رؤساء دول، من بينها الجزائر، لإصدار توصية في القضية.
وأوضح فكي أمس الأحد أنه "في العام الماضي كان هناك نقاش حول وضع إسرائيل كمراقب في الاتحاد الأفريقي، والقمة الماضية قررت تشكيل لجنة خاصة تتكون من رؤساء دول للبت في القضية، وهذا يعني أن وضع إسرائيل يبقى معلقا إلى حين بتّ لجنة الرؤساء فيه".
شهدت المناقشات حول ضم إسرائيل خلافات بين الدول الأفريقية
وتعرّض الوفد الإسرائيلي، الذي حضر من تل أبيب للمشاركة في القمة التي انطلقت أعمالها أول من أمس السبت، للطرد من قاعة مؤتمرات الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في اليوم نفسه. ورافق أفراد أمن الاتحاد الأفريقي الوفد إلى خارج القاعة. وضمّ الوفد نائبة وكيل الخارجية للشؤون الأفريقية شارون بار لي، ومسؤولين آخرين.
وقال مصادر دبلوماسية عربية إنّ مسألة منح إسرائيل صفة "مراقب" في منظمة الاتحاد الأفريقي، جرى تداولها في أروقة الاتحاد قبيل انعقاد القمة، وشهدت المناقشات حولها خلافات بين الدول الأفريقية. ولفتت المصادر إلى أن المجموعة العربية داخل الاتحاد بقيادة الجمهورية الجزائرية، مدعومة بدولة جنوب أفريقيا، ضغطت في سبيل منع إعطاء إسرائيل صفة "مراقب"، وأن الموضوع عُلِّق إلى "أجل غير مسمى".
ضمّ إسرائيل يخالف مبادئ الاتحاد الأفريقي
وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أستاذ القانون الدولي العام، أيمن سلامة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الهدف الأول الذي تأسست عليه منظمة الوحدة الأفريقية في مايو/ أيار 1963 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، هو بذل الجهود لتحقيق مبدأ حق تقرير المصير لكل الشعوب الأفريقية التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار".
أيمن سلامة: المبادئ تعلو وتسمو على القواعد
ولفت إلى أنّ "منظمة الوحدة الأفريقية، لم يغب عن حسبانها أن ميثاق منظمة الأمم المتحدة الذي صدر عام 1945 أيضاً، من ضمن مبادئه: نيل الشعوب حقها في تقرير مصيرها، وهذا يعني أن الشعوب تختار النظام السياسي والنظام الاقتصادي الذي ترتضيه لحكمها. وأيضاً منظمة الاتحاد الأفريقي، وهي المنظمة الخلَف لمنظمة الوحدة الأفريقية، سارت على ذات النهج الذي تبنته المنظمة السلَف".
ولفت إلى أنّ "من غير المتصور، لا من الناحية القانونية، أو المنطقية، أو العقلانية، أن يكون هناك ترحيب ليس فقط بعضوية إسرائيل وانضمامها إلى منظمة الاتحاد الأفريقي، ولكن حتى مجرد أن تحضر تلك الدولة التي تحجر على الفلسطينيين منذ عام 1967، نيل حقهم في تقرير مصيرهم والتحرر وإقامة دولة قابلة للحياة بأركان الدولة المعروفة في القانون الدولي".
وشدد سلامة على أنه "إذا فعلت منظمة الاتحاد الأفريقي ذلك، فإنها تتنكر لمبادئها، والمبادئ تعلو وتسمو على القواعد، ولذلك كان الإجراء الذي اتخذته الدولة المضيفة للقمة في طرد من حضر من إسرائيل، جهاراً نهاراً وأمام الشاشات التلفاز والكاميرات المختلفة لوسائل الإعلام، إجراءً طبيعياً ومنطقياً".
وفي الوقت الذي قال فيه المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، ليئور هايات، إن بلاده "تأخذ على محمل الجد الحادث (الطرد)"، عبّر عن أسفه لأن الاتحاد الأفريقي "اختُطِف رهينةً في يد مجموعة قليلة من الدول المتطرفة مثل الجزائر وجنوب أفريقيا اللتين تحركهما الكراهية وتقعان تحت تأثير إيران، ونحن ندعو الدول الأفريقية إلى الوقوف في وجه هذه الأنشطة التي تمسّ بمنظمة الاتحاد الأفريقي نفسها والقارة بأسرها"، على حد قوله.
وفي السياق، قال سلامة إن "الجزائر تحديداً، ونتيجة الويلات والجرائم الدولية، سواء كانت جريمة العدوان في عام 1830 (تاريخ بدء الاستعمار الفرنسي)، ثم الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب العديدة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان منذ 1830 وحتى استقلالها في يوليو 1962، ولكون الجزائر إحدى أكبر الدول في الشرق الأوسط التي رزحت تحت نير الاحتلال العسكري الفرنسي الغاشم لمدة ناهزت قرناً ونصف قرن من الزمان، كانت ولا تزال إحدى أكبر الدول الداعمة لحق الدول في تقرير مصيرها، مثلها مثل دولة جنوب أفريقيا، التي عانت تحت وطأة النظام العنصري البغيض حتى عام 1994".
اهتمام إسرائيلي قديم بالقارة الأفريقية
من جهته، أوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبد الشافي، لـ"العربي الجديد" أن "الاهتمام الإسرائيلي بالقارة الأفريقية ليس حديث العهد، فقد سعت إسرائيل لتطبيع علاقاتها مع الدول الأفريقية منذ لحظة التأسيس عام 1948، ومع وصول بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة عام 2009، شهدت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية تطوراً ملحوظاً، تجسد في الزيارات التي قام بها للقارة، وأعلن خلالها أن إسرائيل تعود إلى أفريقيا، وأفريقيا تعود إلى إسرائيل. تلا ذلك ثلاث زيارات أخرى، شارك نتنياهو في واحدة منها، وهي قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إكواس) في ليبيريا 2017".
وأضاف: "كذلك شهدت تلك الفترة زيارات متعددة لرؤساء دول أفريقية لإسرائيل، واستئناف العلاقات الدبلوماسية معها، كما حدث مع غينيا 2016، وتشاد في عامي 2019 و2023، فضلاً عن افتتاح سفارة تنزانيا في إسرائيل عام 2018، لتصبح الدولة الأفريقية الخامسة عشرة التي لها بعثة دبلوماسية في إسرائيل، كذلك أصبح لإسرائيل 11 بعثة دبلوماسية في عدد من دول القارة مثل توغو، وتشاد، وأوغندا، وكينيا، ورواندا، وإثيوبيا، وغانا، وكوت ديفوار، وغينيا وغيرها".
عصام عبد الشافي: تطبيع عدد من الدول العربية، انعكس إيجابياً على علاقة إسرائيل بالدول الأفريقية
وأضاف عبد الشافي أن "عام 2020 جاء ليشهد تطبيعاً إسرائيلياً مع عدد من الدول العربية، وهو ما انعكس إيجابياً على علاقة إسرائيل بالدول الأفريقية، وخصوصاً أنه من بين الدول التي قامت بالتطبيع دولتين أفريقيتين، هما المغرب والسودان. وبعد ذلك، ذهب الرئيس التشادي (محمد ديبي) إلى إسرائيل في الأول من فبراير/ شباط الحالي لافتتاح سفارة بلاده في تل أبيب، وفي التوقيت نفسه تقريباً، كان هناك وفد إسرائيلي برئاسة وزير الخارجية إيلي كوهين يزور الخرطوم، ليكون في استقباله رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ليعلن بذلك سقوط لاءات السودان الثلاث تجاه إسرائيل (لا سلام، لا صلح، لا تفاوض)".
ولفت إلى أنه "أمام كل هذه الاعتبارات، يمكنني القول إن طرد وفد إسرائيل من قمة الاتحاد الأفريقي لن يؤثر بحضورها وتغلغلها في القارة، وإنه سيجري احتواؤه سريعاً، في ظل استراتيجية إسرائيلية مدعومة أميركياً للانتشار والتغلغل، ولو كان بالضغط المباشر من أميركا وشركائها الإقليميين في المنطقة".
وأضاف: "أما بخصوص المصير المنتظر للطلب الإسرائيلي للحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، فمنطقياً حسب المعطيات التي لدينا، ستحصل إسرائيل على صفة المراقب آجلاً أو عاجلاً، لكن دون ضجة إعلامية كبيرة، كما اعتادت في كثير من المناسبات، في ظل استراتيجيتها الدبلوماسية القائمة على المهادنة حيناً والضغط أحياناً".
إلى ذلك، وعلى الرغم من عدم تعليق مصر رسمياً على واقعة طرد الوفد الإسرائيلي من الجلسة الافتتاحية لقمة الاتحاد الأفريقي، فإنّ الموقف المصري من القضية، عبّرت عنه القاهرة سابقاً، من خلال مشاركتها في اجتماع مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، في 10 سبتمبر/ أيلول من عام 2012، والذي أعرب فيه المجلس عن "الرفض والأسف إزاء الخطوة الأحادية التي أقدم عليها رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بتاريخ 22 يوليو 2021، والمتمثلة بتسلّم أوراق اعتماد سفير إسرائيل لدى إثيوبيا "كعضو مراقب".
وعبّر عن الدعم للاعتراض المقدم للاتحاد الأفريقي على هذه الخطوة من الدول العربية الأعضاء في الاتحاد الإفريقي: الجزائر وجزر القمر وجيبوتي ومصر وليبيا وموريتانيا وتونس، بدعم من الأردن والكويت، وقطر وفلسطين واليمن.