صعّدت حركة "النهضة" التونسية، أمس الثلاثاء، لهجتها ضد الرئيس قيس سعيد، عبر بيان حمل اتهاما وانتقادا قاسيا للرئيس، رافضة ما وصفته بـ"المنزَع التسلطي لرئيس الدولة".
واتهمت "النهضة"، الحزب الرئيسي في البرلمان التونسي، سعيد بـ"تهديد الديمقراطيّة".
وجاء موقف الحركة بعد خطاب لسعيد الأحد، أكّد فيه أنّ "رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوّات المسلّحة العسكريّة والمدنيّة".
ورأت "النهضة" في بيانها أنّ "هذا الأمر يشكّل دَوساً على الدستور وقوانين البلاد، وتعدّياً على النظام السياسي، وعلى صلاحيّات رئيس الحكومة" هشام المشيشي، مؤكدة "رفضها المَنزع التسلّطي لرئيس الدولة"، داعيةً القوى الديمقراطية إلى "رفض هذا المنزع واستكمال البناء الديمقراطي، وتركيز المحكمة الدستورية".
وكان سعيّد عيّن نفسه، في كلمة له الأحد الماضي، بمنصب القائد الأعلى لكل القوات المسلحة في البلاد، وليس العسكرية فقط، كما هو متعارف عليه منذ الاستقلال.
وتوجه الرئيس التونسي بتهديد مباشر في كلمته لنواب وشخصيات نافذة و"متحصنين بعلاقات مصاهرة"، على حد وصفه، قائلاً: "اليوم صبر وغداً أمر".
ورغم التوترات السابقة، إلا أن بيان "النهضة"، أمس الثلاثاء، أسقط كل "التعابير الديبلوماسية" السابقة والرسائل غير المباشرة بين الطرفين، ما يعني أن مرحلة المواجهة المباشرة اقتربت كثيراً، وأن جهود الوساطات السابقة على مدى الأشهر الماضية لتلطيف الأجواء بين الرئيس سعيد و"النهضة" لم تؤت ثمارها.
منعرج خطير
وعن أسباب هذا التصعيد، قال القيادي البارز بالحركة، محمد القوماني، لـ"العربي الجديد"، إن البيان "نابع أولاً من قناعات حركة النهضة بأن مسألة الحريات والديمقراطية مسألة بالغة الأهمية، دفع التونسيون من أجلها تكلفة عالية في النضال ضد الحكم الفردي الاستبدادي، وهناك اليوم تخوفات حقيقية من النزعة التسلطية التي ظهرت لدى الرئيس، خاصة في خطابه الأخير".
وأضاف القوماني أن حركة "النهضة" ترى أن "خطاب الرئيس يمثل منعرجاً خطيراً يهدد الاستقرار السياسي ووحدة الدولة المُؤمّن عليها رئيس الجمهورية بمقتضى الدستور، حيث أبدى سعيد إصراراً على احتكار تأويل الدستور، والنزوع إلى التأويلات الشاذة كما وصفها المشيشي في رده على الخطاب ذاته".
ويستغل سعيد هذا الاحتكار في تأويل الدستور، بحسب القوماني، لـ"تمديد سلطته إلى ما ليس من صلاحياته. فبعد أن عيّن الشخصية الأقدر لرئاسة الحكومة (المشيشي) حسب مزاجه، ودون أي اعتبار لاقتراحات الأحزاب والكتل الكبيرة في البرلمان، عمد إلى تعيين عدد كبير من الوزراء في حكومة الميشيشي، ولكن حين غيّر الأخير بعضهم غضب الرئيس ورفض التعديل الوزاري وعطله إلى الآن، واليوم يعلن نفسه قائداً على القوات العسكرية والأمنية في محاولة للسطو على صلاحيات رئيس الحكومة".
وأشار القيادي في "النهضة" إلى إن "هذا الخطاب بالذات يمثل منعرجاً ويثير كل هذه المخاوف الكبيرة، لأن إشارات الرئيس في المرات السابقة كانت عرضية". ورأى أن "هذا الخطاب جاء استكمالاً لخطوات أخرى بدأها بتعطيل مسار دواليب الدولة، وأبدى خصومة معلنة مع رئيس الحكومة ومع رئيس البرلمان، ومع البرلمان بصفة عامة في مناسبات متكررة".
خطوة خطيرة
ويبدو لحركة "النهضة"، بحسب القوماني، أن رئيس الدولة "يخطو خطوة خطيرة في اتجاه إقحام المؤسسة الأمنية في التجاذبات السياسية وهو يتوعد النواب بصورة واضحة"، مضيفا: "قدّرنا أن رئيس الجمهورية يهدد المسار الديمقراطي ويهدد بشكل خاص وحدة الدولة، من خلال افتكاك بعض الصلاحيات بالقوة، ويضع بعض المؤسسات في حالة من الصراع الداخلي، لذا أردنا أن ننبه إلى ذلك".
ولفت إلى أنه "مهما كانت العبارات التي استعملناها في البيان فهي بالتأكيد تبقى أقل حدة مما استعمله سعيد حتى بلغ به الأمر إلى الاقتباس من شعر امرئ القيس في مقولته المتعلقة بالحرب".
وأوضح القيادي البارز بالحركة أن هذا التصريح لسعيد "يمكن أن يُفهم على أنه إعلان حرب على المختلفين معه، على غرار "النهضة" والحكومة، وعلى البرلمان، لأن الوعيد كان متعدد التسميات، وهذا الخطاب يبدو في ظاهره كلاماً بديهياً يتحدث عن محاربة الفساد وغيره، ولكن حين تتمعن في التفاصيل تجده مثيرا للاستفزاز، ومبادئنا لا تسمح لنا بالسكوت".
واستطرد قائلاً: "كما أننا لسنا الطرف الوحيد الذي انتقد فحوى هذا الخطاب، وإنما قوى وأحزاب وشخصيات كثيرة، أغلبها كانت ناقدة لنزعة الرئيس في تأويل الدستور، ونحن نخشى على تغيير المسار الديمقراطي والمنظومة السياسية من خلال هذه التأويلات الشاذة".
وتابع القوماني: "الرئيس بخطابه أفصح عن الأسباب الحقيقية لتعطيل المحكمة الدستورية التي قال إنه لن يختم قانونها، والآن يستفيق بعد سنة من حكمه على أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، إذ لم يقل هذا الكلام أثناء حملته الانتخابية التفسيرية، ولا خلال بداية عهدته، ولا في خطاب تولي السلطة، فلماذا يقوله الآن؟".
وأوضح المتحدث ذاته أن "ما يحدث الآن ربما يفسر الخطوة التي أقدم عليها وزير الداخلية المقال، توفيق شرف الدين، والمتمثلة في التغييرات التي أدخلها على القيادات الأمنية الكبرى دون الرجوع إلى رئيس الحكومة، والتي أدت إلى إقالته وإلغاء تلك التعليمات".
مخاوف جدية
وأكد القوماني أن "هنالك مخاوف جدية من مواقف الرئيس، فقد أضاع وقتاً طويلاً على الاتحاد العام التونسي للشغل وعلى المجتمع في تبني فكرة الحوار الوطني، وبدل أن يبشرنا بحوار أولوياته صحية واقتصادية تحتاجه البلاد، يعمد إلى إثارة الخلافات، وإلى الحديث في قضايا مثيرة للمخاوف والاستفهام، وتحتاج إلى يقظة وإلى ردة فعل، ليس فقط من حركة "النهضة"، وإنما من سائر القوى المتمسكة بالدستور".