لم يكتف وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، يوم السبت الماضي، بنفي وجود مشروع وساطة سعودية في الأزمة بين بلاده والمغرب، على خلفية زيارة نظيره السعودي فيصل بن فرحان إلى العاصمة الجزائرية الأسبوع الماضي، والتي حرص لعمامرة على وضعها في إطار قضايا ثنائية تهم البلدين. لكنه ذهب في تصريحاته إلى أبعد من ذلك، حين أكد أن فكرة الوساطة غير واردة بالنسبة للجزائر، قائلاً: "لا وجود لأي وساطة بين الجزائر والمغرب، لا أمس ولا اليوم ولا غداً".
وهذا يعني بالنسبة لكثير من المراقبين أن فكرة الوساطة لم تنضج بعد على صعيد الموقف الجزائري، والتوقيت السياسي الذي تدور فيه الأزمة، خصوصاً مع وجود مفاعيل جديدة وطارئة عليها، لعل أبرزها ملف التطبيع والاتفاقيات الأمنية للمغرب مع إسرائيل، والتي تعتبر الجزائر أنها تهدد أمنها القومي.
سوابق للجزائر في رفض الوساطة مع المغرب
وقبل تصريح لعمامرة، كان هناك الكثير من المؤشرات التي توحي برفض بلاده للوساطة. ففي مارس/آذار الماضي، رفضت الجزائر أي إدراج لنقاش حول الأزمة الجزائرية - المغربية في جدول أعمال مجلس وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في القاهرة. وأبلغت المسؤولين في جامعة الدول العربية، أنه "إذا كانت هناك أزمة تحتاج إلى أن تطرح على طاولة النقاش في الجامعة العربية، فهي الأزمة في اليمن، والأزمة بين دول الخليج ولبنان، وليس الخلافات الجزائرية - المغربية"، بحسب مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى.
دخلت مفاعيل جديدة على خط الأزمة، أبرزها ملف التطبيع والاتفاقيات الأمنية للمغرب مع إسرائيل
وقبل ذلك، كان واضحاً من تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في فبراير/شباط الماضي، أن الأزمة تتجه إلى التعقيد أكثر. يومها أكد أن "العلاقات مع المغرب ازدادت تعقيداً" منذ قرار الجزائر في 24 أغسطس/آب الماضي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، الذي أعقبه غلق للمجال الجوي في وجه كل الطائرات المغربية ثم وقف ضخّ الغاز عبر الأنبوب العابر للمغرب.
وفي هذا السياق، يطرح الباحث في العلاقات الدولية فيصل أزدران مسألة تباعد المسافة السياسية بين البلدين ضمن مناخات الأزمة. ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "رفض الجزائر للوساطة مرتبط بعامل رئيسي، وهو غياب الثقة". ويرى الباحث أن "هناك فرضية مفادها بأن الصراع الجزائري - المغربي بالنسبة للجزائر، هو قضية داخلية لا تحتاج إلى وساطة، كما أن الجزائر تعتبر أن فكرة الوساطة قد تكون فخّاً سياسياً ينصب لها".
ويرى أزدران أن "ما يمكن ملاحظته أخيراً هو إعادة الجزائر النظر في تحالفاتها، وقد يكون ذلك كمرحلة لا بد منها لتقوية موقفها، وألا تفرض عليها أي وساطة من أي جهة كانت".
أزمة الجزائر - المغرب: البحث عن وسيط محايد
وتذهب في الاتجاه ذاته تحليلات أخرى تعتبر أن رفض الجزائر للوساطات الخليجية خاصة، مرده عدم توفر شرط الحياد. فبالنسبة للجزائر، فإن السعودية التي قد تطمح إلى لعب دور في الوساطة بين البلدين، ليست في موقف الحياد نفسه الذي كانت عليه حين تم إنجاز وساطة في عام 1989. يومها نجح الملك فهد بن عبد العزيز في الجمع بين الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والملك المغربي الراحل الحسن الثاني، وفي تطبيع كامل للعلاقات وفتح الحدود البرّية بين الجزائر والمغرب.
وجاء ذلك على الرغم من أن الوضع حينها كان أكثر توتراً على جبهة الصحراء، حيث كانت الحرب قائمة بين قوات جبهة البوليساريو والقوات المغربية إلى غاية التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار في سبتمبر/أيلول 1991، وبدء مفاوضات هيوستن بين المغرب والجبهة.
فيصل أزدران: الجزائر تعتبر أن فكرة الوساطة قد تكون فخّاً سياسياً ينصب لها
ويأتي رفض الجزائر لوساطات السعودية ودول خليجية أخرى، رهناً بموقف مجلس التعاون الخليجي الذي يتخذ مسبقاً موقفاً داعماً لما يعتبره وحدة ترابية للمغرب، وهو ما يضع هذه الدول خارج دائرة الحياد السياسي الذي تستدعيه الوساطة.
ويؤكد الوزير السابق محيي الدين عميمور، وهو مستشار إعلامي سابق في الرئاسة الجزائرية (عمل مستشاراً للرئيسين الراحلين هواري بومدين والشاذلي بن جديد، ومطلع على الملف)، لـ"العربي الجديد"، أن "أي وساطة ناجحة يجب أن تنطلق على أساس طلب واضح من طرفي الخصومة للوسيط، بعد التأكد من نزاهته وحياده في ضوء مراجعة كل مواقفه السابقة".
ويقول عميمور: "لا أظن أن هذا متوفر اليوم في الوسطاء المفترضين، إضافة إلى أن الحديث عن الوساطة فخ ساذج يروج لخبر مفتعل كانت ستنفيه الجزائر بالتأكيد، وهذا النفي سيتم توظيفه سياسياً لوضع الجزائر كدولة تقف ضد محاولات الوئام العربي، وبالتالي فهي غير مؤهلة لاحتضان القمة العربية، أعتقد أن هذا واضح".
وفي مقابل رفضها الوساطة، تراهن الجزائر على حوار مباشر مع المغرب. وإذا كانت الجزائر لم تطرح حتى الآن لائحة شروط واضحة لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، وتتجنب ذلك لكي لا تبدو في وضع الاشتراطات المسبقة، فإنها تعتبر أن المغرب هو المطالب باتخاذ الخطوة الأولى، وإزالة ما أمكن مما تصفها بـ"الأسباب القوية" التي تقف وراء تعقيد الأزمة ودفعها إلى نقطة قطع العلاقات، قبل أي نقاش في الملف.
ومن هذه "الأسباب القوية"، مسألة الاتفاقيات الأمنية مع إسرائيل، ووقف الحملات الدعائية واستضافة قيادات حركات "رشاد" و"الماك" التي تصنفها السلطات الجزائرية إرهابية.
زهير بوعمامة: مفاعيل القطيعة خصوصاً على المستوى الاقتصادي بدأت تظهر
كما أن الجزائر تبني مقاربتها الرافضة للوساطات العربية على أساس إمكانية التوصل إلى تفاهمات بينية من دون الحاجة إلى الوساطات، على غرار ما يعرف بـ"تفاهمات فبراير" 2013. وتوصل يومها البلدان إلى صيغة تفاهمات سياسية تتعلق بالتعاون في مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، والحد من الحملات الإعلامية المتبادلة، ووضع قضية الصحراء الغربية في إطارها الأممي، وبدء تبادل الزيارات بين الوزراء والتعاون القطاعي. وفعلياً حدثت حينها زيارات متبادلة لوزراء الطاقة والزراعة والشباب والرياضة لكلا البلدين، على الرغم من أنها (الانفراجة في العلاقات) لم تدم طويلاً.
وبرأي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر زهير بوعمامة، فإن هناك حسابات سياسية يتأسس عليها موقف الرفض الذي تبديه الجزائر لفعل الوساطة. ويقول بوعمامة، لـ"العربي الجديد"، إن "قبول الجزائر بالوساطة في هذا التوقيت قد يعني تراجعاً بلا مقابل يستحق، وإذا كانت الوساطات تطرح مقابل عودة العلاقات، فإن حضور المغرب للقمة العربية المقررة في الجزائر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ليس ثمناً مجزياً".
ويرى أستاذ العلوم السياسية أنه "على مستوى مصداقية الموقف الجزائري وأساسات القرار، فإن رفض الجزائر للوساطة والتمسك بالمطالب الأساسية، يؤكد أن تدبير الجزائر لسياساتها في الإقليم، مبني على رؤية ثابتة بحيث لا يمكن أن يتحول إلى حالة من الانقلابية في الموقف تحت أي ضغط. وهو موقف ليس له قابلية للتأثر والاستجابة لضغوط الآخرين من دون حدوث ما يبرر ذلك".
ويشدّد بوعمامة على أن "التوقيت السياسي غير مناسب، ومفاعيل القطيعة خصوصاً على المستوى الاقتصادي بدأت تظهر، ويبدو أن السلطة السياسية في الجزائر تريد وقتاً إضافياً حتى تظهر التأثيرات بشكل أكبر، ما يجعلها ورقة قوية في يدها حين يحين الوقت".