لماذا يؤجل قيس سعيد الإعلان عن موعد الانتخابات؟

05 يونيو 2024
قيس سعيد في قاعة الشعب الكبرى في الصين، 31 مايو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تونس تقترب من موعد الانتخابات الرئاسية المتوقع في غضون أربعة أشهر، لكن الرئيس قيس سعيد لم يعلن بعد عن التاريخ الفعلي، مما أثار تساؤلات حول أسباب التأخير.
- الجدل يستمر في الساحة السياسية بسبب عدم تحديد موعد الانتخابات، مع تأكيدات من قيس سعيد على احترام المواعيد المعلنة ومطالبات بضمان المساواة بين المترشحين.
- تباينت الآراء حول دوافع التأخير في إعلان موعد الانتخابات، مع تحليلات تشير إلى إمكانية استغلال الوضع من قبل سعيد لإقصاء خصومه وضمان بقائه في السلطة.

لا يفصل التونسيين سوى 4 أشهر عن موعد انتخابات الرئاسة المرتقبة، حسب ترجيحات هيئة الانتخابات، فيما لا يزال تاريخها الفعلي مجهولاً في انتظار تحديده وإعلانه رسمياً من الرئيس قيس سعيد، لتطفو التساؤلات حول أسباب تأجيل ذلك، وسط هواجس المعارضة حول الدوافع والخلفيات. وتزايد تشكيك المعارضة في مدى جدية إقامة الانتخابات الرئاسية سنة 2024 من عدمها.

وعلى الرغم من تأكيد قيس سعيد خلال إحيائه الذكرى الـ24 لرحيل الرئيس الحبيب بورقيبة يوم 6 إبريل/نيسان الماضي على احترام جميع المواعيد الانتخابية التي جرى الإعلان عنها سابقاً، فإن الجدل بقي متواصلاً في الساحة السياسية التونسية، بسبب عدم تحديد موعد نهائي للانتخابات الرئاسية المقبلة.

واعتبر المدير التنفيذي لمرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية، الناصر الهرابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هناك تذبذباً حول تحديد موعد نهائي للانتخابات الرئاسية ما زاد من الغموض"، مستغرباً من "عدم إعلان هيئة الانتخابات تاريخ الانتخابات الرئاسية في وقت يفترض أنه موعد دوري".

وأشار الهرابي إلى أنه "لضمان مبدأ المساواة بين جميع المترشحين المحتملين، وكذلك رئيس الجمهورية الذي يعتبر مترشحاً مفترضاً، وحتى يكونوا على المسافة نفسها، كان من المفروض أن تتولى الهيئة تحديد الموعد والإعلان عنه حتى تترك المجال للمنافسين، وتكون محل ثقتهم، وتكون على المسافة نفسها منهم".

واعتبر المحلل السياسي شكري بن عيسى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "من غير الطبيعي عدم إعلان موعد الانتخاب حتى الآن في دولة ونظام يدعيان الديمقراطية وأن مرجعيتهما الدستور، لأن الدساتير تحدد مواعيد الانتخابات، ودوريتها، ونحن اليوم في وضعية شاذة في الديمقراطيات، ولكنها ربما تعد طبيعية في هذا النظام القائم على حالة الاستثناء، ولا تزال هذه الحالة مستمرة بطرق وأشكال أخرى، حتى إن ادعى قيس سعيد أنه وضع دستوراً".

ولفت بن عيسى إلى أن "الإشكال الأهم الذي أصبح مطروحاً بشدة أن قيس سعيد بقدر ما أعلن التزامه بالانتخابات بقدر ما أصبحت هناك شكوك كبيرة من أنه لن يعتمد الموعد الانتخابي المحدد في دستور 2014، باعتبار أن هناك عملية تنازع بين دستوري 2014 و2022، فالأول يضبط الانتخابات في 2024، بينما دستور 2022 (الجديد) لم يشر إلى المسألة الانتقالية، وقد يعتبرها قيس سعيد عملية تجديد للثقة للعهدة الرئاسية، وقد تستمر، وقد يلعب على المدة التي تستمر فيها حتى 2027 (5 سنوات عن الدستور)".

وبين المحلل السياسي أن "سعيد قد يكون بصدد دراسة الوضعية والظروف السانحة والمواتية لإقصاء جميع خصومه، وإذا رأى أنه سيكون المرشح الوحيد الذي يمتلك كل الحظوظ للفوز بطريقة ساحقة لا لبس فيها، فإنه سيذهب للانتخابات في 2024، وسيحدد الموعد عما قريب، خصوصاً أنه ما زال الوقت ممكناً".

واستدرك بن عيسى قائلاً: "وأما إن كانت الأمور ملتبسة ولا تضمن له الفوز بشكل قطعي فربما سيذهب في هروب إلى الأمام، وسيتجاهل الأمر كما تجاهل العديد من المقتضيات القانونية والدستورية، وهو بصدد إنشاء منظومة سياسية وقانونية ودستورية على قياسه"، معتبراً أن "منافسي سعيد في وضعية ضعف وهشاشة سياسية، خاصة أنهم اختاروا وضعية ردة الفعل والاحتجاج دون أن تكون لهم مقاربات سياسية وقانونية واضحة". وقال إنهم بذلك "يخسرون الشارع والحضور المؤثر في الساحات والميادين".

وأضاف بن عيسى أن "المنافسين لم يحددوا بعد التحالفات والتحركات، لأن الجمود السياسي الموجود وانقطاع الشارع عن الشأن العام، يضعان قيس سعيد في طريق مفتوح، واليوم نحن بحاجة إلى طبقة سياسية جديدة بمقاربات مختلفة علمية وقانونية للخروج من هذا المأزق". وأشار إلى أن "الإشكال ليس في أفضلية تحديد الموعد، فليس الإشكال في هامش بعض الوقت، بل الإشكال في امتلاك سعيد كل الإمكانيات في مقابل الضعف السياسي والهشاشة للمعارضة وتعطل الحياة السياسية، فهو يتحكم في نهاية الأمر في المشهد القائم، ويمكنه أن يؤجل الانتخابات، وهو المستفيد من ذلك".

وختم بن عيسى قائلاً: "لا يجب تضخيم المنافسين فحتى من أعلنوا نيتهم ليس لهم وزن يذكر، وبالتالي ليس الإشكال قيس سعيد أو خشيته من المنافسين فهو لا يخشى معارضيه، بل ربما يخشى أن يحدث شيء ما داخلياً يغير الاتجاهات، في ظل العزوف الانتخابي الداخلي".

من جانبه، اعتبر رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية، وأستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، شاكر الحوكي في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه "من الوارد أن يعلن قيس سعيد عن موعد الانتخابات الرئاسية، بعد أن يحدده بنفسه، وطالما أنه لم يخرج بنفسه للإعلان عن تاريخ حتى الآن فإنه يفتح أبواب الاحتمالات أمام كل شيء، بما في ذلك سيناريوهات كسب المزيد من الوقت لتعبيد الطريق لنفسه بزيادة فرص الإمساك بكل شروط النجاح على حساب منافسيه". واعتبر الحوكي أن "تصريحات هيئة الانتخابات لا يمكن أخذها على محمل الجد، فقد سبق بخصوص موعد الانتخابات البلدية أن أقرت بإجرائها وتقريباً حددت لها موعداً وفي الأخير لم تجر تلك الانتخابات".

وقال أستاذ العلوم السياسية متهكماً: "طبعاً ما يجري في الكواليس يحمل إشارات عديدة، ومنها أن الرئيس سيعمد إلى الإعلان عن الموعد الانتخابي قبل ربع الساعة الأخير من مدته الرئاسية، وذلك بهدف الإجهاض على أي نشاط تنافسي حقيقي يمكن أن يحصل". 
وتابع الحوكي: "الرئيس يريد أن يخوض الانتخابات دون تنافس حقيقي، ويريد ضمان إبعاد أي منافس جدي".

وأشار الحوكي إلى أن "المهم مما يجري هو أن الرئيس ما زال يرفض أن يتعامل مع منافسيه السياسيين على قدم المساواة، ويعتبر أن العهدة الرئاسية هي حكر على الوطنيين المخلصين الصادقين مثله فقط.."، بحسب تعبيره. وخلص الحوكي إلى أن هذا التأجيل يؤشر إلى أن "الرئيس لا يبدي أي استعداد للتنازل عن الحكم، وهو ماضٍ في إرساء مشروعه الذي ألزم به نفسه بأضلعه الثلاثة، الصلح الجزائي والشركات الأهلية والبناء القاعدي، بالحماس والشغف أنفسهما دون أن يفترض، مجرد الافتراض، أنه قد لا يكون موضع ثقة من قبل الشعب مجدداً".

المساهمون