طرح الطلب الذي تقدمت به دولة جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لاتخاذ إجراءات بشأن اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، أسئلة حول عدم إقدام أي من الدول العربية على مثل هذه الخطوة، وسلوك الطرق القانونية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه في قطاع غزة، خصوصاً مصر التي تتعرض إلى تأثير مباشر وخطير لتداعيات العدوان على غزة.
وكانت أُطر وهيئات المجتمع المدني الفلسطيني قد أطلقت نداءً عاجلاً إلى السلطات المصرية، ودعتها إلى تحمّل مسؤولياتها الإنسانية والقانونية والقومية بشكل طارئ، وترجمة موقفها الرسمي الرافض للمخططات الإسرائيلية. وقال النداء إن مصر كونها الدولة الوحيدة التي لها حدود مباشرة مع قطاع غزة، تترتب عليها التزامات قومية وأخلاقية وقانونية ذات طابع خاص، أمام هول الإبادة الإسرائيلية، كما أشار البيان. ووقّع على النداء 30 إطاراً فلسطينياً بما يشمل اتحادات ونقابات وائتلافات مدنية وشعبية فلسطينية في الوطن والشتات.
أسباب عدم تحرك مصر أمام محكمة العدل
وفي السياق، قال أستاذ العلوم السياسية، عصام عبد الشافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "عدم تحرك مصر أمام محكمة العدل الدولية، لا يرتبط فقط بأنها طرف في الاتفاقية الخاصة بمناهضة الإبادة الجماعية، لكنه يرتبط باعتبارات سياسية بدرجة مركزية"، لافتاً إلى أن "جنوب أفريقيا لها مواقف متقدمة كثيراً عن بعض الدول العربية في ما يخص القضية الفلسطينية والموقف من الاحتلال الإسرائيلي، لأن جنوب أفريقيا لديها تاريخ نضالي كبير في ما يتعلق بالعنصرية ومواجهة هذا الملف، سواء داخل الاتحاد الأفريقي أو في الأمم المتحدة".
سعي القاهرة لمراعاة علاقاتها بواشنطن هو العائق الأكبر
وتابع عبد الشافي: "للأسف الشديد الوضع في مصر يختلف، لأن النظام المصري يرتبط بعلاقات استراتيجية مع إسرائيل، وعلاقات أكثر قوة مع الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي فإن سعي النظام لمراعاة هذه العلاقات، يشكل العائق الأكبر في التحرك الإيجابي نحو مثل هذه القضايا الدولية".
وتعليقاً على ذلك، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير رخا أحمد حسن لـ"العربي الجديد": "لا شك في أن تولي جنوب أفريقيا، مع دول أخرى، تقديم دعوى قضائية دولية بالتهم الموجهة لإسرائيل بارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي هو في الحقيقة أكثر موضوعية وأكثر إقناعاً، باعتباره يأتي من قبل دول ليست طرفاً مباشراً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن ثم لا تستطيع إسرائيل اتهام هذه الدول بالتحيز أو المجاملة للفلسطينيين".
محمد محمود مهران: موقف مصر حسّاس كونها طرفاً في معاهدة السلام مع إسرائيل والوسيط الوحيد لقطاع غزة
موقف مصري "حسّاس"
ورداً على التساؤلات حول عدم قيام مصر باتخاذ إجراءات قانونية ضد إسرائيل بشأن جرائمها في غزة كما فعلت جنوب أفريقيا، قال أستاذ القانون الدولي العام، الخبير في النزاعات الدولية، محمد محمود مهران، إن "موقف مصر راسخ من القضية الفلسطينية ويؤكد دائماً ويندد بالانتهاكات الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته، فإن موقف مصر حسّاس كونها طرفاً في معاهدة السلام مع إسرائيل والوسيط الوحيد لقطاع غزة".
وأضاف مهران، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مصر "اتخذت مواقف رسمية متعددة تندد بشدة بالعدوان الإسرائيلي على غزة وتؤكد رفضها التام للممارسات غير الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني"، مشيراً إلى أن القاهرة "ترى أن السبيل الأمثل هو العمل مع كافة الأطراف لوقف إطلاق النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية لسكان غزة، خصوصاً في ظل كونها المنفذ الوحيد لدخول المساعدات الإنسانية وإغاثة أهلنا هناك".
وبيّن أن مصر أيضاً "تواصل جهودها الدبلوماسية على المستوى الإقليمي والدولي، للضغط من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، حيث قامت أخيراً بعقد قمّة القاهرة للسلام مع وفود عربية وأجنبية، وكذلك دعت مجلس الأمن والأمم المتحدة لعقد جلسات عاجلة لوقف إطلاق النار، إلى جانب اجتماعات مكثفة مع مسؤولين أميركيين وأوروبيين لبحث سبل إنهاء التصعيد ووقف العنف، كما تتواصل الدبلوماسية المصرية مع كافة الأطراف، بما فيها الجانب الإسرائيلي من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يُنهي معاناة أهلنا في غزة".
وشدّد أستاذ القانون الدولي على "أن موقف مصر الداعم لفلسطين لن يتغير، ولا يقبل المزايدة عليه"، مؤكداً "استمرار تواصل جهودها الحثيثة على كل الأصعدة من أجل إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني الشقيق وتلبية تطلعاته المشروعة في العيش بحرية وكرامة على أرض وطنه".