لماذا لجأت إسرائيل لاستحضار الخطاب الديني الصهيوني في حربها على غزة؟

15 ديسمبر 2023
مستوطنون متطرفون يحملون هراوات في شوارع بلدة حوارة بالضفة الغربية (أورين زيف/فرانس برس)
+ الخط -

تعيد مشاهد التدنيس والتخريب التي أحدثها جنود الاحتلال الإسرائيلي في مسجد مخيم جنين إلى أذهان الفلسطينيين مشاهد قاسية مماثلة اقترفها جنود ومستوطنون يهود في المسجد الأقصى ومصلياته، باب الرحمة والمرواني والصخرة المشرفة، وفي مساجد أخرى بالبلدة القديمة دنسها المستوطنون في حي الشرف، أو ما تعرف بالحي اليهودي، إضافة الى تحويل مساجد إلى مقاه ومطاعم داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ومنع رفع الأذان في مساجد أخرى كما يحدث عشرات المرات سنوياً في الحرم الإبراهيمي بالخليل.

وتتزامن هذه الاعتداءات على أماكن العبادة المسلمين مع تصعيد الخطاب المتطرف من اليمين الإسرائيلي بعد عملية "طوفان الأقصى" عبر استحضار المصطلحات الدينية من قبل غلاة وعتاة المتطرفين اليهود وحتى من المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، ووصف قادة جيش الاحتلال عمليات جنوده في غزة بأنها "بطولات إلهية".

ويقول المحلل السياسي والإعلامي محمد هلسة في حديث لـ"العربي الجديد" إن "هذا الاستحضار الديني في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي  قديم جديد في الفكر الصهيوني الإسرائيلي، بل حتى قبل إقامة دولة الاحتلال". 

ويشير هلسة إلى أهمية الرواية التوراتية الصهيونية في التعبئة والحشد للرأي العام الإسرائيلي من خلال العناوين العريضة، التي استخدمت قبل إقامة دولة الاحتلال، مثل "أرض الميعاد" لتحقيق هدف الحركة الصهيونية في فلسطين، وشعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" وهو قاعدة انطلقت منها الحركة الصهيونية لتعزيز الاستيطان وما زالت، بما في ذلك قيادة الحركة الصهيونية وقيادة أغلب الأحزاب الإسرائيلية الحاكمة اليوم رغم أنها علمانية ولا علاقة لها بالدين أو باليهودية والتوراتية.

ويضيف هلسة أن "الحركة الصهيونية عملت على صبغ نفسها بالشعارات الدينية الأسطورية اليهودية لإنجاح الحشد لأية فكرة تطرحها ومنحها الشرعية، واستخدمها ثيودور هرتسل في  تجنيد الدعم للهجرة إلى فلسطين التي توصف بالعبرية بأنها (أرض إسرائيل) أو (أرض الميعاد)، في حين أن احتلال القدس بالمفهوم التوراتي تحرير"، مشيراً إلى أن "الحركة الصهيونية لا تزال تسعى لضخ المفاهيم التي طورتها في المجتمع اليهودي بهدف تحويل الفكرة الدينية من مستواها الحالي إلى المستوى القومي السياسي".

ويرى هلسة أن "الحديث الإسرائيلي بأن المعركة الحالية هي معركة تاريخية بطولية وإلهية هدفه حشد أغلب العلمانيين في هذه الحرب ومنع تفلته وهروبه للخارج، فيما يبدو أنه محاولة للصمود أمام الأسطورة والبطولة التي يمثلها المقاوم الفلسطيني وزرع بطولة لجندي الاحتلال بالمقابل تقوم على الأساطير الدينية".

من جهته، قال الباحث جمال عمرو، المختص في شؤون القدس والمقدسات، لـ"العربي الجديد" إنه "كان متوقعاً أن ينكشف المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، ويكشف عن أطماعه التوراتية الصهيونية وروايته المصطنعة التي أنشأ عليها مشروعاً صهيونياً، وكان هذا المشروع في بدايته لا يعتمد الرؤيا التوراتية التلمودية كأساس للمشروع، لكن سرعان ما تكشف أن اختيار فلسطين، من بين عدد من الاختيارات، ما كان إلا لتعزيز رواية المؤسسين الأوائل، ولأن هناك إمكانية أكبر لجذب المهاجرين اليهود إلى أرض فلسطين وفق رواية دينية تلمودية مصطنعة.. وهو ما جرى بالفعل".

وتابع عمرو "لهذا السبب ليس مستغرباً على الإطلاق اللجوء إلى مثل هذه المصطلحات واستحضار الخطاب الديني في حربهم الحالية، ليس على غزة فحسب بل وعلى الضفة الغربية، وقد شاهد العالم ما حدث من تدنيس لمسجد مخيم جنين والعبث داخله وأداء صلوات تلمودية فيه عبر مكبرات صوت المسجد".

ويرجع عمرو ما سماه بـ"التحول في الصراع" إلى "الصدمة العنيفة والهزة التي حدثت يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الذي بدا  كحرب خاطفة ربانية للمسلمين بدأت وانتهت في نفس اليوم بهزيمة مدوية غاصت في أعماق الوجدان الصهيوني للمجتمع الإسرائيلي وزادتهم شكاً في ديمومة المشروع الصهيوني برمته".

وسبق ذلك، وفق عمرو، "ما مروا به من أزمات داخلية، ثم جاءت صدمة أكتوبر التي فاقت في نتائجها جميع الحروب السابقة، وبات واضحاً هذا التشكيك بالمشروع الصهيوني برمته الذي تخلخل لدى قطاعات كثيرة من مجتمع الاحتلال، وبالتالي كان لا بد من استحضار النزعة الدينية لتثبيت هذا المشروع".

المساهمون