يستعد العديد من الأطراف السياسية في ليبيا لبدء مشاورات واتصالات لخفض حدة التصعيد الذي عاشه المشهد الليبي في الآونة الأخيرة، ومن بينها لقاء مرتقب، بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، في المغرب.
ووفقاً لمصادر مقربة من المجلس الرئاسي في طرابلس، فإن البعثة الأممية أجرت تنسيقاً مع المجلس الرئاسي والمغرب لاستضافة أول لقاء بين ممثلين عن مجلس النواب ومجلس الدولة الأسبوع المقبل، مشيرة إلى أن المجلس الرئاسي حث رئاسة مجلس النواب على قبول الدعوة للقاء، كما أشارت إلى أن ممثلين عن أطراف دولية ستشارك في اللقاء في المغرب، من بينهم المبعوث الأميركي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند.
ويهدف اللقاء المرتقب في المغرب إلى فتح سلسلة من المشاورات بين المجلسين للتوافق على إصدار التشريعات اللازمة للانتخابات، واعتبار ما أصدره المجلسين مقترحات يمكن التوفيق بينها.
وفي مؤشر إلى بدء تصحيح المواقف لدى الأطراف الليبية، أرجعت المفوضية العليا إلى مجلس النواب قانون انتخاب رئيس الدولة الجدلي، بعد أسبوع من إعلانها تسلّمه، ليكون أساساً للانتخابات الرئاسية المقبلة. ووفقاً لخطاب وجهته المفوضية إلى مجلس النواب، اليوم الثلاثاء، فإن نص قانون انتخاب رئيس الدولة وصلاحياته يحتاج "تعديل وتصحيح بعض مواد القانون وفق صيغ معينة".
واكتفى مجلس النواب بإحالة قانون الانتخابات الرئاسية إلى المفوضية من دون الإعلان عنه، لكنه أعلن، الجمعة الماضي، تشكيل لجنة من عدد من النواب تتولى دراسة وإعداد مقترح مشروع قانون الانتخابات البرلمانية، لطرحه على النواب في جلسة الأسبوع الجاري، لكنها عادت وأعلنت تأجيل الجلسة إلى موعد لم تحدده.
وفي المقابل، أعلن المجلس الأعلى للدولة، الأحد قبل الماضي، اعتماده ثلاث تشريعات انتخابية، قانونين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وقاعدة دستورية، وإحالتها على مجلس النواب لمناقشتها ومن ثم إصدارها، فيما لم يعلن الأخير موقفه حيال الخطوة.
وجاءت هذه التطورات متزامنة مع جدل ليبي واسع أحدثه قرار مجلس النواب بسحب الثقة من الحكومة، إذ قوبل برفض واسع من قبل عدد من المكونات السياسية والاجتماعية الليبية، بالإضافة إلى رفض من جانب البعثة الأممية.
ووفقاً لمعلومات المصادر، فإن الدور الذي بدأ المجلس الرئاسي في لعبه وسيطاً بين الأطراف المختلفة في ليبيا قد بدأ بالفعل، وأشارت إلى استعداد الرئاسي للاضطلاع بدور الوسيط بين عدد من النواب في طبرق، من بينهم رئيس المجلس عقيلة صالح ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، لوقف لهجة التصعيد بينهما، بالإضافة إلى الجهود التي يجريها بالتنسيق مع البعثة الأممية لبناء جسر تواصل جديد بين مجلسي النواب والدولة، للتوافق على التشريعات الانتخابية.
ووصل رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، مساء أمس الاثنين، إلى طرابلس، بعد انتهاء مشاركته في أعمال الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وكان في استقباله الدبيبة وعضوا المجلس الرئاسي موسى الكوني وعبد الله اللافي.
ويرى الناشط السياسي الليبي عبد العزيز المجدم أن المنفي رجع إلى طرابلس مدعوماً بثقل دولي، ومحمّلاً بموقف واضح من عواصم كبرى حيال الانتخابات والخلافات الليبية، وقال، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، إن "المجلس الرئاسي هو الطرف الوحيد الذي بقي خارج التجاذبات الأخيرة، علاوة على أن شخصية المنفي ليست جدلية، وتحظى بقبول لدى كل الأطراف".
وحول خطوة المفوضية العليا للانتخابات بشأن إرجاع قانون الانتخابات الرئاسية، يرى المجدم أن توقيتها له دلالته، قائلاً إن المفوضية "لا تريد الانزلاق في مأزق التجاذبات السياسية، وربما تكون الخطوة جاءت ضمن التنسيقات الجارية في كواليس الأزمة، ولعدم وضع مجلس النواب في موقف حرج أمام الرأي العام، ويمكنه مراجعة القانون وفقاً للمشاورات المنتظرة بينه وبين مجلس الدولة".
ورغم الصمت الدولي حيال الأزمة بين الحكومة ومجلس النواب، فإن أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية عيسى الغزوي يرى العكس، وقال متحدثاً لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن القرار سرّع من تعاطي المجتمع الدولي مع الملف الليبي، وجعله يضغط بشكل أكبر لتلافي أي نتائج كارثية قد تنهار مع العملية السياسية"، ولذا، فهو يرى أن مجلس النواب لا خيار أمامه سوى القبول بخيار الجلوس مع مجلس الدولة والتوافق على أطر الانتخابات القانونية.
وفي إطار تدليله على دور الإرادة الدولية في رأب الصدع الليبي، لفت الغزوي إلى تصريحات المبعوث الأميركي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، التي وصفها بالواثقة بشأن قرب وضع التشريعات الانتخابية في ليبيا، معتبراً أن الانخراط الأميركي الواضح في ملف الانتخابات الليبية "سيكون حاسماً هذه المرة".
وكان نورلاند قد أكد، في تصريحات صحافية أمس الاثنين، قرب صدور التشريعات الانتخابية، قائلاً: "لدي ثقة أنه سيكون هناك تشريع قانوني قريباً لتنظيم الانتخابات بشقيها الرئاسي والبرلماني، ولتتمكن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من الإعلان رسمياً عن انطلاق العملية الانتخابية"، وأنه "لا مجال للعودة إلى الوراء".
لكن الحراك الدولي في ملف الانتخابات الليبية لا يحمل تفاؤلاً كبيراً بالنسبة للغزوي، قائلاً إن "جميع الأطراف والمجتمع الدولي يتحدثون عن إجراء انتخابات في موعدها، ويتحدثون عن التشريعات، لكن لا أحد يتحدث عن الضمانات للقبول بنتائجها من جانب الأطراف الليبية، فالقوانين وحدها لا تكفي لإجبار الأطراف على القبول بنتائجها"، متسائلاً "ماذا أعد المجتمع الدولي لمرحلة ما بعد الانتخابات؟".